سليمان شفيق
فى الاربعين عاما الماضية اقتصر التعليم الكنسى على مدح الأكليروس، وإبراز الأعمال الخارقة للطبيعة بحق أو بدون حق، ومع كامل إيمانى بالشفاعة والمعجزات، فإن أغلب ما روج له غير حقيقى، لعب فى ذلك دورا كبيرا ضغوط المتألمين على الكنيسة، ودخول تيار الكاريزماتيك إلى قلب الكنيسة، ولذلك تربت هذه الأجيال على أن أى نقد للأكليروس هو نقد للإيمان المسيحى، ورويدا رويدا أصبح الأكليروس ينوب عن الكنيسة، والبابا ينوب عن الجميع
ومنذ عودة البابا شنودة الثالث من احتجازه بالدير 1985.. صار هناك ما يشبه الصفقة، يحكم مبارك الدولة دون تدخل الكنيسة، ويحكم البابا الكنيسة دون تدخل الدولة. ورث قداسة البابا تواضروس الثانى هذا الوضع ، الأمر الذى جعل بعض الأجيال الجديدة خاصة المرتبطة بالتربية الكنسية في السنوات الماضية تنتقده، تارة لمواقفة الاصلاحية ، وأخرى لاختلاط الأمر فى أذهانهم بين الدور الوطنى والدور السياسى للكنيسة، بالطبع لا تعرف هذه الأجيال أن الكنيسة شاركت فى تأسيس مصر الحديثة، ففى عام 1804 كان البابا مرقس الثامن بصحبة المعلم إبراهيم الجوهرى مع الإمام الأكبر شيخ الأزهر محمد الشرقاوى يؤازرون الشريف عمر مكرم فى الإطاحة بالوالى العثمانى خورشيد، وتثبيت محمد على حاكما لمصر الحدثية، الأمر الذى تكرر بين كيرلس الخامس وعرابى 1882، ومع ثورة 1919 ومع ثورة 1952، لذلك لم يكن غريبا أن نجد الكنيسة فى الصدارة فى 3 يوليو 2013، ومن ثم لم يكن غريبا أيضا أن ينفى قداسة البابا شنودة الثالث إلى الصحراء حينما رفض التطبيع مع العدو الصهيونى، وعارض السادات سياسيا، كل تلك الأدوار العظيمة للكنيسة الوطنية لا يفهمها الأجيال التى تربت على الأعمال المنافية للعقل، التى تفصل بين الأرض والسماء، بين الكنيسة والوطن.
لذلك جاء البابا تواضروس الثانى بوطنيته المفرطة خير خلف لخير سلف، ونحن بالطبع لا نصادر انتقاد العلمانيين للكنيسة للأكليروس ولا لقداسة البابا، ولكن نتعجب من سيادة اللاعقلانية فى بعض النقد، حينما يسافر البابا لتفقد حوالى 5 ملايين قبطى أرثوذكسى فى مختلف قارات العالم، فهذه إضافة وليست خطيئة، والذين يولولون الآن ضد سفر البابا للخارج كأنهم لا يثقون دون وعى فى إدارة الأساقفة والمطارنة والكهنة المحليين فى الإيبراشيات فى غياب البابا
حينما يقول البابا «الوطن قبل الكنيسة»، فهو يعنى أن الوطن والكنيسة توأمان ملتصقان، فلا وطن بدون كنيسة ولا كنيسة بلا وطن، والذين يحتسبون أن ذلك خطاب سياسى، فهم لا يدركون الدور الوطنى للكنيسة. ولا يدركون تضحيات الأقباط منذ 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، وحتى الآن.
كل الباباوات كانوا وطنيين ودفعوا ثمن انحيازهم للوطن منذ الاضطهادات العشرة للكنيسة وحتي الان ولذلك سبق تعريف الوكن تعريف العقيد للكنيسة "القبطية" ثم " الاثوزكسية" اي ان الوطن والكنيسة تؤامان ملتصقان ، كما ان كل الباباوات تعرضوا لهجوم ونقد ولم نري احدهم عاقب ناقدية كنسيا ، وفي حالة البابا تواضروس تعرض للهجوم الذي يستحق بعض مروجية سواء العقاب الكنسي او حتي القانوني ولكنه سامحهم والتقي بعضهم ولم نراه يوما حتي ينتقدهم علي غرار التقليد الذي سار علية البابوات والاكليروس الارثوزكسي للكنائس الكبري سواء الارثوزكسية او الكنيسة الرومانية لانها كنائس اباء تربوا علي التسامح والمحبة .
تحية لقداسة البابا تواضروس الثانى على أدواره الوطنية المختلفة، ولا خلاف مع من ينتقدونه بشرط أن يعلموا ماذا يفعلون، وستظل الكنيسة فى مقدمة الصفوف من أجل الوطن.
وستظل حرية النقد المباح جزء لا يتجزأ من حرية العقيدة ويظل التسامح جزء لا يتجزء من التعامل من المعارضين ولكن ذلك يظل من شيم الكبار فقط الكبار ولكل قاعدة استثناء ، لكن ما يفعلة البابا تواضروس الان يعد مثالا عظيم للسمامح بحرية النقد والتسامح .