هاني صبري
يثار تساؤلات عديدة بين الحين الآخر حول موقف الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية من تناول المرأة في أي وقت بين مؤيد ومعارض لذلك.
وأن موقف الكنيسة القبطية الرسمي هو عدم تناول المرأة من "سر الأفخارستا" في فترة الدورة الشهرية وفترة النفاس.
وقد أكد ذلك قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية في 2017 برئاسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بحضور 109 من المطارنة والأساقفة عدم تناول المرأة المسيحية في فترة الدورة الشهرية وفترة النفاس ، ويرجع المجمع ذلك إلى سبب التقوى والحرص اللائق بالتناول من الأسرار المقدسة والالتزام بما تسلمناه بالتقليد فإنه يليق بالرجل والمرأة أن يمتنعا عن التناول فى فترات عدم الاستعداد الجسدي أى فترة الإفرزات الجسدية بكل أنواعها " الاحتلام والدورة الشهرية وفترة النفاس والعلاقات الزوجية" إلا فى حالات استثنائية بمشوره الأب الكاهن الروحي.
حيث أعلنت اللجنة الطبية بالمجمع المقدس عدم نجاسة المرأة خلال فترة الحيض، وأن التعليم المسيحي يعلن بوضوح عدم نجاسة أي إنسان مؤمن إلا بالخطية وأن الإنسان هو هيكل للروح القدس الذي لا يفارق الإنسان إلا في حالة الموت في الخطية، وعليه فإن المرأة طاهرة ومسكن للروح القدس فى كل أيام حياتها.
في تقديري إن الإفرزات الجسدية للمرأة أثناء الدورة الشهرية وفترة النفاس لا يمنعهنّ من التناول ، وأن قرار المجمع بعدم تناولها قد جانبه الصواب ويتناقض مع ما جاء بمضمون القرار الصادر عنهم، ونتساءل ما علاقة التقوي والحرص اللائق بالتناول بإفرازات الجسد التي لا دخل للإنسان فيه ، ومادام الأمر يرجع لتقدير الأب الكاهن أذن لا توجد مخالفة كتابية فيه لأنه من غير المتصور أن يكون الأمر مخالف للكتاب المقدس ويترك لتقدير الكاهن . لذلك يجب تنقية الكنيسة من عادات وتقاليد لا تتفق مع جوهر الفكر المسيحي.
إن الدسقولية أي ( تعاليم الرسل) لا تمنع التناول أثناء الدورة الشهرية: "فيجب عليكِ أن تصلي كل حين، وتنالي من الشكر ( الافخارستا) ، وتغتنمي حلول الروح القدس عليكِ".
إن التعليم الأرثوذكسي الكتابي السليم يقول إن الدورة الشهرية هي عملية فسيولوجية طبيعية خلقها الله مثل باقي إفرازات الجسم؛ فهل نمنع من التناول إنسانا ما بسبب العرق أو اللعاب أو الدموع أو غيره..
عندما نقرأ إنجيل (متي 9: 20- 22)، ان امرأة نازفة دم منذ اثنتي عشرة سنة، قد جاءت من وراء السيد المسيح، ومست هدب ثوبه، إيماناً منها، أنها بذلك تنال الشفاء. وبالفعل، كان لها ما ارادت . لم ير الرب ان نزف المرأة يحول، في شكل من الأشكال، دون قدومها إليه. لم يشجبها، لم يمنعها، لم يزجرها، بل أثني علي موقفها واندفاعها وثقتها به. وفي النهاية، منحها سؤلها، وأمنية قلبها. بفضل حبها له وثقتها بقدرته فنالت الشفاء فلماذا إذن نقول لا مناولة للمرأة في فترة الحيض أو النفاس؟!
وفِي إطار الزواج "لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِس.." عبرانيين( 13: 4) .
يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: في معرض تفسيره لرسالة بولس إلي تيطس، (كل شئ طاهر للطاهرين واما للنجسين وغير المؤمنين فليس شئ طاهر، لأن ذهنهم تنجس، وضميرهم أيضاً. الذين يخلطون بين الحق والباطل ويقيدون حرية المرأة في فترة الحيض. ان من يفكر هكذا هو من مناصري الاساطير. الله هو خالق كل شئ وخليقته ليس فيها دنس. ليس من دنس في خليقة الله، الدنس كله ينبع من الخطيئة التي اقترفها الإنسان، وما يزال، فسقط وما يزال يسقط، الخطيئة وحدها تؤذي النفس، فيصير الإنسان بسببها، كله دنساً). [راجع أيضاً تفسيره لرسالة بولس إلي اهل رومية (رو1: 26- 27)].
في الحقيقة، نحن لا نستطيع أن نجاسب إنسانة علي امر لا يد ولا رأي لها فيه. وكما أنه لا رأي لإنسان في خفقان قلبه، وفي تنفسه، وفي جوعه وتعبه ، هكذا أيضاً لا رأي للطامث بما يستجد من تبدلات وتحولات فسيولوجيا في جسدها أثناء الدورة الشهرية أو في فترة النفاس ، فهذه أمور لا إرادية، اما الخطيئة فكلها إرادية.
فكثير من الناس لا يميزون بين ما هو بيولوجي ، وما هو دنس. هم يخلطون خلطاً رهيباً بين ما هو بيولوجي ذات طابع فسيولوجيا وقف العلم علي قوانينها، وفهمها ، وبين ما هو دنس، فيبررون بنتيجة ذلك، إقصاء المرأة في دم الحيض ، ويقرروا الانتقاص من حقوقها بدون معرفة، أليس في الرجل دم أيضاً؟ آلا ينزف الرجل إذا جُرح؟ فلماذا لا يمنع من التناول؟.
فالرسالة التي بعث بها القديس اثناسيوس الكبير إلي الراهب امون، وتحمل الرقم (48)، يمكنها ان تشكل مدخلاً لهذه المسألة، : إن وظائف الجسد لا تمت للخطيئة بصلة، فالوظائف شئ اما الخطيئة فشئ آخر، إفرازات الجسد شئ اما الدنس فشئ آخر. ليس من صلة بين الإفرازات الغير إرادية والخطيئة. ومع ذلك فإن كثيرون يصرون علي ان إفرازات جسد المرأة تمنعها من التناول وهذا غير صحيح ويجب أن نأخذ كل الاشياء بمعايرها ونواميسها.
و ان ما ورد في رسالة بولس الأولي إلى اهل كورنثوس (11: 11) (غير ان الرجل ليس من دون المرأة، ولا المرأة من دون الرجل في الرب.. ) اي ان الإنسان ذكراً وانثي مدعوان إلي الرب، وليس أحد منهما دون الآخر في الرب.
كما ورد أيضا في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطيه (3: 28)، ما مفاده ان المرأة والرجل واحد أمام المسيح، وهذا ينسف الممارسة القديمة من اساساتها.
في كتاب تعليم الرسل، هُناك ما يُسلط الضوء علي المسألة أيضاً،: (ليقل لنا هؤلاء، في اية أيام وفي اية ساعات يمتنعن عن الصلاة، وعن المناولة وعن مُطالعة الاسفار الإلهية؟ ليقل لنا هؤلاء إن كانت النسوة المعمدات لا تحملن الروح القدس. الروح القدس الذي نأخذه في المعمودية يرافقنا كل حين، إلا أنه لا يفارقنا بسبب بعض المسائل الطبيعية ليلازمنا في أخري، بل هو دائماً مع محبيه ويحفظهم كل حين.)، .. وهل تظنين أيتها المرأة أنك إذا كنتي طامثاً تكونين بدون الروح القدس؟ تري إذا حان موعد رحيلك عن هذه الارض فهل تغادرينها خاوية الوفاض وبدون رجاء؟ اما إذا كنت تؤمنين ان روح الله فيكي، فما الذي يُعيقك عن الصلاة وعن مطالعة الكتاب المقدس والتقدم للتناول؟ وإذا كان الروح القدس فيك، فما الذي يبرر انقطاعك عن المسيح؟).
لذلك يجب علي الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية أن تقرر تناول المرأة في كل الأوقات لأن ذلك يتفق مع الفكر المسيحي الصحيح ، وأن الغالبية العظمي من كنائس العالم تناول المرأة في أي وقت وهذا يتفق مع تعاليم الكتاب المقدس.