عيد اسطفانوس
فيما يتعارض مع قوانين الطبيعة هذا ما يحدث فى هذه المنطقة من العالم ، يتواجد الانسان فى مكانين مختلفين فى وقت واحد يعيش بجسده المادى يسكن وياكل ويشرب ويتناسل ويرتزق ويجاورنا فى بيئتنا وشوارعنا ومدننا ، بينما وفى نفس الوقت هو قابع هناك على بعد قرون طويلة منتظر اللحظة التى ينعكس فيها مسار التاريخ ويخلع فيها هذا القناع الزائف قناع التحضر والحداثة ،منتظر اللحظة التى يخلع فيها ماأجبرعلى ارتدائه ويعود الى زيه الأول الافتراضى (الاوريجينال)،منتظرا اللحظة التى يخلع فيها سلوك وأخلاقيات أجبره القانون على اتباعها ليعود الى قوانين البوادى ، منتظرا اللحظة الكبرى لحظة اختفاء الانثى لتكتمل الصورة ويعود المشهد (الاورجينال) المحفور فى قيعان الجماجم منذ القرن السادس الميلادى.
ان موجات البشر التى احتلت أفغانستان فى سويعات معدودة لم تجئ من كهوف تورا بورا كما يتصور البعض ، لكنها كانت موجودة وجاهزة ومستعده فقط حانت لحظة تغيير الديكورات والاكسسوارات والازياء والمؤثرات الصوتية والبصرية لصنع مشهد الغزو (الاورجينال ) الجلاليب القصار واللحى الكثه والوجوه العابسه فقط استبدلوا السيوف بالبنادق ، وهو المشهد الذى كان كافيا لصناعة مشهد آخر من أفظع المشاهد العبثية فى حياة الشعوب ان لم يكن أفظعها على الاطلاق ولا شك سيكون هو المشهد (الاورجينال ) للهروب العظيم جحافل بشرية تتعلق بأبواب وعجلات طائرة عملاقة على وشك الاقلاع .
وبين مشهد الغزو ومشهد الهروب هناك دروس وعبر ربما لم نتنبه لها فى زخم الاحداث وتسارعها ،أولها سذاجة القوى العظمى التى ظللت تمارس نفس الأخطاء وتتوقع نتائج مختلفة فى كل مرة ، ثانيا هذه الرقعة ستتسع وتتمدد شئنا أو أبينا ولا ننسى أن فى هذه المنطقة نشأت باكستان أول دولة نشأت على أساس دينى ونقول أساس دينى حتى لاتحسب كيانات نشأت على أساس قبلى على أنها دول دينية ،وتلاها وفى نفس المنطقة الدولة الدينية الثانية ايران ،والاولى تمتلك قنبلة نووية والثانية على وشك الحصول عليها ،وبالطبع ونكاية فى العدو المشترك ستذوب كل الخلافات المذهبية بين الفرقاء فالهدف مقدس ،وسيقوم الجيران الكبار روسيا والصين بتقديم الدعم ولو تحت الطاولة وقد بدأت بالفعل مناورات الغزل السياسى ،وستتشكل خارطة صراع جديدة دول دينية لديها ثأر قديم مع (الشيطان الأكبر ) وداعمين كبار لديهم نفس المأرب بالاضافة لتعاطف سرى أو علنى من بعض دول الجوار وجوار الجوار وكيانات وشخصيات أخرى لديهم نفس الهدف المنشود ولكنهم يرتدون قناع التقية الخبيث.
والذى يعتقد بأن هذا المشهد (الاورجينال) فى أفغانستان هو الأول أو أنه عصى على التكرار نذكركم أنه حصل فى مصر وكانت على وشك السقوط الا أن بقية من حضارة ساكنة تحت جلود بعض من سكانها أوقفت اكتمال المشهد وسيتكرر المشهد فى باكستان عاجلا أو آجلا وتسقط كل هذه الانظمة فى مستنقع الصراع الازلى صراع ايقاف عجلة التاريخ وستدفع الشعوب المغلوبة المقهورة الثمن مضعفا تخلف وفقر وبداوة وهروب ومخيمات و.و.
أن الشعوب لا تتغير الا بالتعليم ولو صرفت ربع تلك المليارات التى هدرت على هذه الحروب على التعليم لكان للتاريخ رأى آخر ،والمتتبع للأحداث سيجد أن مايربط أكبر تنظيمين متطرفين مؤثرين على الساحة هو التعليم ،حيث (بوكو حرام) فى أدغال أفريقيا و(طالبان) فى كهوف باكستان وأفغانستان ،والجميع نتاج أسوأ حقبة فى تاريخ الكوكب حقبة انفجار الثروة ، حقبة التمويل الهادر لخطط اشاعة الفوضى واثارة الفتن بين الاعراق والمكونات لهدم الدول أملا فى احياء أوهام قديمة لأفكار عقيمة مدونة فى كتب صفراء يملئ الفطر والعفن صفحاتها ، أفكار ونظريات وفتاوى تتصادم مع أبسط قواعد المنطق تتصادم مع أى ضمير ولو شبه حى ،وتاجر بها تجار الدم والقتل ونشروها انتشار النار فالهشيم ،والهشيم هو عقول شباب خدروها بأفيون الفراديس والحوريات الكواعب التى تنتظرهم ،عقول شباب بائس صدقوا كذب هؤلاء الافاقين وساعد على تعميق المأساه أنظمة حكم فاسدة جثمت على صدور شعوبها عقود طويلة ولم تترك ولو بارقة أمل فى التغيير مما شحن الصدور احباطا ويأسا وبدأ لى الاعناق الى الماضى فهو طريق الهروب الوحيد من هذا الواقع الأليم وتخيل الجميع ان الخلاص لن يتم الا بعكس حركة التاريخ وتجسيد المشهد (الاوريجينال) من جديد.