مؤمن سلام
يجمع اليساري المصري والتيار الإسلامي الكثير من المشتركات على رأسها الجماعية والأممية وهامشية الحريات الشخصية والديمقراطية، وكذلك فكرة الولاء والبراء الإسلامية موجودة عند اليسار المصري وإن كان بمصطلحات وألفاظ مختلفة.
 
وإذا كان الولاء والبراء عند الإسلاميين هو موالاة الأشخاص في الله أى وفقاً لإنتماءهم للإسلام والبراءة ممن هم ليسوا مسلمين، والتي ولدت عندهم فكرة الأخوة في الله والعداء في الله. فيوجد عند اليسار المصري مثل هذا المفهوم القائم على الولاء والبراء وفقاً للإنتماء الأيديولوجي الذي ولد عندهم فكرة الرفاق، فالولاء لكل رفيق والبراءة من كل من هو خارج الأيديولوجية، وهو ما أنتج ظاهرة التطبيل لكل نصف مبدع ونصف فنان ونصف سياسي ونصف مثقف طالما أنه ينتمي لشلة اليسار، والهجوم والحط من كل مبدع وفنان وسياسي ومثقف حقيقي طالما أنه لا ينتمي لشلة اليسار، خاصة وأن اليسار يسيطر على المجال الثقافي الرسمي منذ خمسينات القرن العشرين وحتى الآن، ولولا التكنولوجيا ومواقع التواصل الإجتماعي لربما ظل اليسار متحكماً ومسيطراً على مجال الفنون والأداب والثقافة، ولا صوت يعلوا على صوت الرفاق.
 
وما نراه اليوم من استقبال حافل من قِبل قيادات اليسار المصري للمخرج خالد يوسف هو نموذج وتعبير حى عن عقيدة الولاء والبراء أو أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. فرغم أن الرجل متورط في شبهة استغلال نفوذه الفني على فنانتين ناشئتين لممارسة الجنس معهم وتصوير علاقته الجنسية معهما، وتم القبض على الفتاتين بتهمة نشر الفسق والرذيلة وظلتا في الحبس لمدة 4 أشهر قبل تبرأتهما. وأثناء ذلك كان المخرج الكبير يستمتع بأوقاته خارج مصر وعلى أجمل شواطئ العالم، دون حتى أن يُبدي أى تضامن مع الفتاتين اللتين تعرضتا للفضيحة وللحبس في مجتمع مُنغلق يصم المرأة دون الرجل في أى علاقة جنسية خارج الزواج أو حتى الزواج العرفي السري، كما أن المخرج الكبير يتحمل جزء من المسؤولية عن تسريب الفيديوهات من تليفونه، فمن ناحية نحن لا ندري هل تم التصوير بعلمهما أو بدون؟ ومن ناحية أخرى، من المعروف أن أى شخص يعمل بالمجال العام لا يحتفظ بمثل هذه الأشياء في تليفونه، خوفاً من تسريب المحتوى لسبب أو لأخر، إلا أن الفنان الكبير يبدو أنه كان غير مُكترث، فهو الرجل الذي لا يعيبه شيء في المجتمع المحافظ الذكوري.
 
رغم كل هذا انطلق الرفاق يدافعون عن الرفيق خالد يوسف عضو الشلة ورفيق الأيديولوجية دون اعتبار لأى مفاهيم أو أفكار يدعون تبنيها، فقد اختفت المسؤولية الأخلاقية، وسيادة القانون التي كانت تتطلب على الأقل التحقيق معه كما تم التحقيق مع الفتاتين، ولم يبقى عندهم إلا حماية الرفيق من النقد وتبرأته من أى تهم أخلاقية أو قانونية.
 
بل راح هذا اليسار المصري يُشوه مفاهيم الحرية الشخصية والتراضي، فقط من أجل سواد عيون الرفيق المخرج. فجعلوا من الحرية الشخصية باب لإستغلال النفوذ والتلاعب بالأخرين والتخلي عن المسؤولية المجتمعية والقانونية، واستغلال النفوذ هو بالضرورة نفى لفكرة التراضي، وحتى لو كان هناك تراضي حقيقي، هل كان هناك تراضي على التصوير؟ هل كانت الفتاتين تعرفان بالخطر من وجود هذا الفيديو على تليفون المخرج السياسي؟
 
الحقيقة أن ما حدث من استقبال قيادات اليسار المصري ودفاع جمهور اليسار المصري عن خالد يوسف هو كاشف وفاضح للموقف الحقيقي لهذا التيار من المرأة وحقوقها ويفسر رفضهم للنسوية واعتبار قضايا المرأة قضايا مؤجلة وهامشية، تماماً مثل إخوانهم الإسلاميين.