بقلم- د. زاهي فريد

واهم من يتصور أن الإطاحة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي كان يحمى البلاد من بطش الإخوان المسلمين صفعة على وجه المشير طنطاوي والفريق عنان.. كلا إنها صفعة على وجه القوات المسلحة كلها، وللأسف تمت الإطاحة بمساعدة بعض أعضاء المجلس العسكري بحجة تجديد دماء القوات المسلحة وبرعاية أمريكية.. وأيًا كان اتفاقنا أو اختلافنا على الرجلين في إدارة شئون البلاد ما كان يجب أن يخرجا بهذ المشهد المهين والمذل والذي لا يقبله أى إنسان وطني ينتمي لهذه الأرض الطيبة، لأن الرجلين كانا عائقًا وسدًا منيعًا أمام أخونة مؤسسات الدولة، ولا ننسى للرجلين حمايتهم للوطن في مرحلة ما بعد مبارك، بالإضافة لتاريخهم المشرف في القوات المسلحة.
 
ومن قبلهم تمت الإطاحة باللواء "مراد موافي"، مدير المخابرات العامة، ولكن ليست بسبب تصريحاته الصحفية، ولكن بسبب علمه بأن حادث رفح مدبر وتم تنفيذه على يد حركة حماس الإرهابية، ليكون هناك مبرر للإطاحة بالمجلس العسكري الذي يحمي مدنية الدولة، والإطاحة برئيس الحرس الجمهوري. كما تم الإطاحة باللواء "حمدي بدين"، قائد الشرطة العسكرية، لأنه الوحيد الذي كان يستطيع صد بل ودهس ميليشيات الإخوان وحماية المتظاهرين من هذه المليشيات المدربة على أعمال القتال.
 
السبب الحقيقى للإطاحة بالمشير "طنطاوي" والفريق "عنان" ما حدث في اجتماع مجلس الدفاع الوطني، الذي شهد مشادة بين المشير ومرسي بسبب إصرار مرسي على عدم تدمير الأنفاق وفتح معبر رفح استجابة لحركة حماس الإرهابية، وهو ما رفضه المشير رفضا باتًا إلا بعد تطهير سيناء، بالإضافة إلى أن الفريق عنان كان قد أعطى أوامره بتدمير الأنفاق وعددها 1200 نفق. ولضمان الولاء لأهم وأكبر ثلاثة قيادات تم الإطاحة بهم قائد القوات البحرية، وقائد القوات الجوية، وقائد الدفاع الجوي، وتم منحهم مناصب وزارية كالإنتاج الحربي، والهيئة العربية للتصنيع، وهيئة قناة السويس، وهي كيانات اقتصادية تضمن الولاء للنظام لمن يتقلدها.
 
كل هذه الإجراءات تمت بالمخالفة للإعلان الدستوري، الذي ينص على أن إقالة وترقية القادة العسكريين هي اختصاص أصيل للمجلس العسكري دون غيره، بالإضافة إلى أن مرسي لا يملك إلغاء الإعلان الدستوري؛ لأنه ببساطة أدى اليمين الدستورية طبقًا للفقرة "3" من المادة 30 من الإعلان الدستوري، وبإلغاء الإعلان يصبح "مرسي" رئيسًا غير شرعي للبلاد. والتساؤل هنا: إذا كانت القوات المسلحة هي المنوط بها حماية الشرعية الدستورية، كيف تقبل هذه الإجراءات المخالفة للدستور، ولم تعترض؟ وكيف تقبل المؤسسة العسكرية بتاريخها المشرف على مدار عقود طويلة أن تؤدى التحية العسكرية لرئيس غير شرعي للبلاد؟ كيف يأمن شعب مصر العظيم وهو يرى أن المؤسسة العسكرية التي يحتمى بها غير قادرة على حمايته وتوافق أن يتم الإطاحة بكبار قادتها؟ كنت أنتظر أن يثور الشعب ويغضب للإطاحة المهينة للقادة الذين حموه ويرد الجميل بدلًا من الأصوات التي تنادي بمحاكمتهم.
 
أما الرؤى الغائبة عن الكثيرين فهي اللعنة التي أصابت دول المنطقة، والتي سُميت بالربيع العربي، وهى في حقيقة الأمر خريف عربي، أو الصقيع العربي كما يحلوا لتونس أن تسميه، والتي أعلنت أمس على صفحة التواصل الاجتماعي إنها نادمة على رحيل "بن علي".. والرؤية الغائبة هنا أننا أمام "سايكس بيكو" جديدة، ولكن هذه المرة لن يتم التقسيم على أساس جغرافي، وإنما على أساس موارد هذه الدول. أما الهدف الخفي فهو تفتيت وتفكيك الدول ذات الآلة العسكرية لكي تكون أضعف من "إسرائيل"، ونجحت "الولايات المتحدة" في ذلك، ولم يتبق في المنطقة إلا القوات المسلحة المصرية وجيشها القوى، بعد انهيار جيوش المنطقة بالكامل. ووجدت الولايات المتحدة الأمريكية ضالتها في جماعة متعطشة للسلطة، وبدأت تنفيذ مخططها.
 
لكن هل تفلح "الولايات المتحدة" في تنفيذ هذا المخطط؟ هذا ما سوف تثبته الأيام القادمة، خصوصًا أن "دينيس روس" أعلن أمس أن المساعدات الأمريكية لمصر مرهونة بالعلاقات بإسرائيل والأقليات، كما أشار إلى أخونة الإعلام والصحافة وتعيين وزير إخوانى للإعلام، وتعيين خمسين صحفيًا إخوانيًا على رأس المؤسسات الصحفية القومية، وأن واشنطن بدت قلقة من هذا. وأشار أيضًا إلى تكميم أفواه الصحفيين وترهيبهم، وغلق القنوات الفضائية...الخ. 
 
أتذكر مقولة الرئيس الأمريكى السابق "جورج بوش"، عندما أعلن أنه أخطأ عندما دخل العراق لأن بوابة "الشرق الأوسط" تبدأ من مصر وليس العراق.
 
ماذا تريد الجماعة المتعطشة للسلطة من مصر؟ هل الإطاحة بكبار قادة المجلس العسكري خشية من ثورة 24/8؟ ومادام أن هذه الثورة ضعيفة كما يدعون، لماذا الخوف منها؟ ولماذا فتاوى إهدار الدم لمن سيخرج في هذه الثورة إذا كانت ضعيفة؟ ولماذا يقللون من شأنها؟ ولماذا يدعون حرق المقرات التي لم يعلن عنها أي ثائر حقيقي لأنها من بنات أفكارهم؟ ومؤكد سيقومون بحرق مقر أو اثنين، وتُتهم بعد ذلك وزارة الداخلية، ويكون هناك مبرر للإطاحة بوزير الداخلية.
 
ولأنهم يعلمون أنه ربما يُكتب النجاح لثورة الغضب الثانية، فأنهم يخافون لسببين لا ثالث لهما، أولهما أنه ربما يلملم أعضاء الحزب الوطني شتاتهم ويحشدون إمكانياتهم لنجاح هذه الثورة، وثانيهما هو عدم تيقنهم لانحياز المؤسسة العسكرية والمؤسسة الأمنية فى صفهم، حتى لو صدر لها الأمر بضرب النار وقتل المتظاهرين.
 
إنني على يقين من أن ولاء المؤسسة العسكرية للشعب وليس لفصيل أو جماعة، وهذا ما أكده وزير الدفاع الجديد، وعليه أن يثبت ذلك. أما المؤسسة الأمنية لا أعتقد أنها ستتورط في ذلك المستنقع، وستحمى المتظاهرين. ولا أعتقد أنها ستعطي الأوامر بضرب النار حتى لو صدر لها الأمر؛ لأن سواء المؤسسة العسكرية أو المؤسسة الأمنية هي مؤسسات وطنية، ولاؤها للشعب وليس للنظام. أما الصراع الحقيقي فسوف يكون معركة الدستور، والذي يحاول مرسى وجماعته إضافة مادة استثنائية تضمن له استكمال مدة 4 سنوات؛ لأنه رئيس انتقالي طبقًا للإعلان الدستوري الذي ألغاه، لكنه نسى أن الشعب لم يوافق على إلغائه، وهذه هي الثورة الحقيقية للشعب العظيم؛ لأن الأعراف الدستورية المتعارف عليها دوليًا لابد من إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الدستور الجديد، وهذا ما يحاول أن يتجنبه مرسي ويخشاه.
 
إننى على يقين أيضًا أن الأيام حبالى تلدن كل عجيب فلننتظر.
رئيس مجلس إدارة جريدة إيجيبشيان نيوزويك