قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (841)
بقلم: يوسف سيدهم
صدر العام الماضي القانون رقم 150 لسنة 2020 الخاص بتنظيم انتظار المركبات في الشوارع, وعقب صدوره أصدر وزير التنمية المحلية اللائحة التنفيذية له والتي تتناول أمرين يستهدفهما القانون: الأول تنظيم منح تراخيص مزاولة نشاط انتظار السيارات للأشخاص -أي تقنين نشاط السايس- والثاني تحديد الأماكن والأوقات التي يجوز انتظار المركبات فيها بما لا يعيق حركة المرور.
في البداية كان الأمر يبدو أنه تطور لا غبار عليه حين اتجهت الأنظار إلي الساحات العامة لانتظار السيارات والتي تنتشر عشوائيا بلا أي مخطط مفهوم حول وداخل مناطق ازدحام الحركة وبالقرب من المصالح الحكومية والأسواق ومحطات المواصلات العامة وحتي بعض الشوارع وغيرها من أوجه النشاط التي لا تمتلك ساحات انتظار خاصة داخل أسوارها… ففي تلك الساحات العامة تعم الفوضي وتفرض سياسة الأمر الواقع علي صاحب المركبة التي تريد الانتظار, حيث يجد منذ دخوله الساحة شخصا أو مجموعة من الأشخاص يفتقرون إلي أية صفة رسمية, يقومون بتوجيهه إلي مكان الانتظار الذي يحددونه ويفرضون مقابل الانتظار سواء كان بالساعة أو بالمقطوعية… وفي بعض الحالات -حيث لا تتوفر أماكن خالية للانتظار- يشترطون علي صاحب المركبة أن يترك لهم السيارة مفتوحة ومفاتيحها معهم لإمكان تحريكها من مكان لآخر تبعا لدواعي دخول وخروج السيارات الأخري… وفي هذا الإطار يضطر صاحب المركبة للرضوخ لذلك الواقع بالرغم مما ينطوي عليه من عشوائية ومن شبهة سوء قيادة الأشخاص المتحكمين في الساحة أو الشارع للمركبات المتروكة مفاتيحها بحوزتهم, ناهيك عن مدي مناسبة أو عدالة المقابل المادي الذي يفرضونه مقابل الانتظار والذي لم يخل لأمر من تسببه في نشوب خلافات ومعارك ومساومات بين الطرفين.
إذا.. وجود قانون ينظم ويضفي الشرعية علي ذلك الواقع العشوائي هو أمر محمود, سواء بالنسبة لإخضاع سائر ساحات الانتظار للتنظيم المكاني والزمني أو بالنسبة لمنح تراخيص مزاولة نشاط إدارة تلك الساحات لأشخاص خاضعين لإشراف المحليات وملتزمين بتطبيق تعريفة محددة للانتظار.
لكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد ولم تكتف المحليات بإصلاح المعوج بل امتدت شهيتها إلي ما لم يتوقعه الناس وما فوجئ به الكافة من الإعلان من جانب المحليات في عدة مناطق علي مستوي الجمهورية عن بدء تطبيق نظام لترخيص انتظار السيارات الخاصة أمام العقارات الخاصة بأصحابها وتحديد الضوابط والاشتراطات الواجب أن يتبعها المواطنون للحصول علي تلك التراخيص التي يفهم أنها تحدد للمواطن مكانا ثابتا مخصصا لانتظار -ومبيت- سياراته أمام مسكنه في مقابل اشتراك أو رسوم شهرية يدفعها… وشملت الاشتراطات الآتي:
* تقديم بطاقة الرقم القومي وترخيص السيارة مصحوبة بطلب حجز مكان الانتظار, إلي المركز التكنولوجي لخدمة المواطنين (!!).
* يقوم الحي التابع له العقار بمعاينة المكان وعند الموافقة يقوم المواطن بسداد قيمة الاشتراك الشهري -الذي تم تحديده بمبلغ ثلاثمائة جنيه بخلاف الضرائب- وبناء عليه يتم الترخيص بإصدار لافتة خاصة تحمل اسمه وتوضع علي المكان الذي تم تخصيصه لسيارته.
* يتم وضع حواجز علي المكان المخصص لمنع وقوف سيارات أخري… أما العجيب حين تنص الضوابط أن المواطن هو الذي يقوم بشراء تلك الحواجز ويتحمل تكاليف تثبيتها (!!).
هنا يخرج الأمر عن الحدود المفهومة لتقنين ساحات الانتظار العامة ليقتحم خصوصيات المواطنين ويقض مضاجعهم ويجعلهم يتساءلون بكل ضيق وضجر: هل هذا شكل جديد من أشكال جباية الضرائب؟!!… هذا بالإضافة إلي أسئلة كثيرة مثارة إن دلت علي شيء فتدل علي همة الحكومة في تقنين ما لا يمكن تطبيقه كما يتضح من الآتي:
** أرجو ألا ينبري أحد بتذكيرنا بأن نظام تخصيص أماكن لكل سيارة أمام العقارات الخاصة معمول به في سائر الدول المتقدمة, فكل من أتيح له السفر للخارج والتردد علي أقارب أو معارف مقيمين في عقارات خاصة يعرف تماما ذلك… لكنه أيضا يعرف أنه يتم توفير مكان واحد أو أكثر لكل وحدة سكنية حسب مشتملات العقار من خلال تأمين ساحة خاصة مجاورة للعقار أو اقتطاع أماكن للانتظار علي طول حدود حديقة مواجهة له… فكيف يا تري سيتأتي للمحليات توفير ذلك لجميع العقارات التي يفرض عليها هذا النظام عندنا؟!!… ومن سيكون له الأولوية في الحصول علي الأماكن المتاحة؟!!… وأين سيذهب من لم يصبه الدور؟!!
** ما يتم اتباعه في الخارج يعتمد علي دراسة أماكن الانتظار الخاصة عند تخطيط التجمع السكني حيث تكون المباني السكنية متباعدة تفصلها ساحات بينية للانتظار أو بها بدرومات للانتظار أسفلها… أما محاولة الانقضاض الفجائي علي عقارات متراصة متلاصقة في شوارعنا لتطبيق التشريع الجديد دون أي اكتراث بحصر السيارات وتقدير الأماكن المطلوبة لتقنين انتظارها فهو التخبط وغير المعقول أو المقبول!!
** كيف يتم استيعاب السيارات الخاصة لأي عقار فيما لا يتجاوز واجهة العقار المطلة علي الشارع؟… والواضح في كثير من الحالات أن السكان يلجأون إلي تنظيم وقوف سياراتهم في أماكن عمودية علي الرصيف لتوفير أكبر عدد ممكن من أماكن الانتظار, لكن منذ نحو عام مضي وتزامنا مع خطط المحليات في توسعة الشوارع تم منع الانتظار عموديا علي الرصيف وقصره علي صف واحد مواز للرصيف, وكان ذلك إجراء تعسفيا غض البصر عن حاجة انتظار سيارات شاغلي العقارات المطلة علي تلك الشوارع وألقي بالكثير منها عبئا إضافيا علي الشوارع الجانبية والخلفية مما تسبب في تزاحم وتناحر بين الناس… فهل يستمر الوضع علي ما هو عليه أم تعود المحليات إلي النظر في أمر إعادة الانتظار عموديا علي الرصيف عند تطبيق نظام التراخيص الجديد؟
** الأمر الذي يضحك الثكالي أن الضوابط المعلنة ضمن مسار ترخيص انتظار السيارات الخاصة أمام العقارات تلزم من تم الترخيص له بمكان ويقوم بسداد اشتراك شهري عنه بأن يتولي شراء الحواجز التي تثبت علي المكان والتي تمنع الغير من الانتظار في المكان المخصص له…!!!… وأتساءل في عجب: لكن هذا عينه هو المسلك الذي دأب عليه الجميع لمنع انتظار الغير إما بوضع حواجز حديدية وسلاسل وأقفال, أو بوضع براميل أو بوضع بردورات أرصفة… فما هو الجديد الذي أتي به نظام المحليات؟… وما هو تأمين الحق الذي وفره للمشترك مقابل نحو أربعة آلاف جنيه سنويا سوي لافتة تحمل اسمه؟!!!