كتب – محرر الاقباط متحدون
نعى المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس، المؤلف الموسيقي اليوناني الشهير ميكيس ثيودوراكيس  الذي غيبه الموت عن عمر 96 عاما، واصدر حنا بيانا جاء فيه :

رحل الخميس زوربا اليونان الموسيقار اليوناني "ميكيس ثيوذوراكيس"، الذي طوع الموسيقى لخدمة القضايا العادلة في العالم". وحتى اخر رمق قي حياته كان ناشطا فنيا وسياسيا، كما هو عهده دائما.

قدّم هذا الموسيقار والكاتب والشاعر والفنان والمناضل السياسي خلال ما يربو على السبعين عاما حالات خاصة من الابداع والجمال، فكان المتلقي يعيش معه في كل مرة لحظات من الانبهار الشديد والمتعة الفريدة، فيما تثار في داخله مجموعة من التساؤلات المتعلقة بالبحث عن الذات، ثقافيا وفنيا ووجوديا، والتي تتخطى الحدود والحواجز لتطال الانسان، أي انسان، على وجه هذه البسيطة، قد يغتبط حينما يسمع لحن "زوربا اليوناني" الشهير المستوحى من رواية الكاتب والفيلسوف الراحل "نيكوس كازانتزاكيس". ويفسر "ثيوذوراكيس" سرّ نجاح لحنه بالقول "بعد قراءتي للرواية، شعرت ان زوربا العاشق للحياة والنساء والموسيقى يشبهني كثيرا، بل هو انا! نعم انا ولا احد غيري".

ويرى "ميكي" - كما ينادونه في اليونان- ان الاعمال الموسيقية القيمة تجّسد امكانيات الملّحن وقوته في معالجة موسيقاه، أي بمعنى الانتقال من منبع الابداع المتماسك الى قوة الخيال والكمال الفني، كما ان نوعية العمل الموسيقي تحددها درجة الانفعال الحسية والعاطفية. وفي حديثه عن موسيقاه يقول: "اني أحاول المزج بين عناصر الموسيقى الهلينستية وإرث السيمفونية الاوروبية وعصري، وبالمقابل، أثرت ارائي ومعاناة شعبي وكل الشعوب وايماني بالعدالة والحرية وحقوق الانسان وبالطبع ايديولوجيتي (الماركسية اللينينية) بعمق في ابداعي الموسيقي".

ويتباهى الموسيقار الكارزماتيكي المولود بتاريخ 29 تموز 1925 من اصول كريتية في جزيرة "خيوس" بأنه مناضل أصيل وقف في وجه كل انواع بربريات السلطة. فقد قسّم حياته بين الموسيقى والنضال من اجل القيم الانسانية، وربط بين الفن والتوجه الايديولوجي المتحرر من الاطر التنظيمية، وفتن منذ نعومة أظفاره بالموسيقى، وقدم في عمر الـ 17 طروبارية "كاسياني" في مدينة "تريبولي – طرابلس" اليونانية، قبل أن ينضمّ الى صفوف المقاومة الوطنية ضد الفاشية الايطالية والاحتلال النازي الالماني، ولاحقا الاحتلال الانكليزي. فتمّ اسره لاول مرة على يدّ الفاشيين بتاريخ 25 اذار 1943 وتعرض لأبشع انواع التعذيب، لكنه استمر في مسيرته مقاوما الاحتلال ومن بعده قوى اليمين المحلي التي تعرضت له أجهزتها بالضرب المبرح في العام 1946 حتى فقد وعيه، فوضعته في مشرحة ظنا منها انه مات، لكنه قام. وفي العام 1948، جرى نفيه الى ثكنة الموت في جزيرة "ماكرونيسو" ودفن حيا مرتين لكن حبه للحياة وللموسيقى ابعثه من الموت.

ويقول الكبير "ثيوذوراكيس" ان مقاومته للاحتلال ترتبط ارتباطا وثيقا بمؤلفاته الموسيقية في تلك الحقبة، ومنها لحن نشيدي "روميوسيني" (الروم) و"غيتونييس تو كوسمو" ( حارات الدنيا ) للشاعر اليوناني الراحل "يني ريتسوس".

وبعد تخرجه من معهد الموسيقى الاثيني (1950)، غادر الى باريس (1954) وتعلم التحليل الموسيقي على يدّ Olivier Messiaen ودرس قائد اوركسترا على Eugene Bigot . وحتى عام 1960 لحن عددا من الاعمال الموسيقية الاوروبية، ومنها موسيقى اهم العروض السينمائية وعروض الباليه، ونال جائزة مهرجان موسكو على مؤلفه للبيانو والاوركسترا "سويت 1" عام 1957 وجائزة لينين للسلام عام 1983 .

عاد الى اليونان في عام 1960 وفي جعبته لحناً لقصيدة "أبيتافيوس" – الجمعة العظيمة - وهي قصيدة ابدعها الشاعر "ريتسوس"، إثر مقتل ثلاثين عامل تبغ وجرح ما يقارب الثلاثمائة منهم، خلال تظاهرة فتحت فيها الشرطة اليونانية النار عليهم في أيار 1934 وتخلد القصيدة الجنائزية المكونة عشرين نشيداً أو ترنيمة ذكراهم، لكن النظام الحاكم في حينه صادرها وأحالها إلى محرقة الكتب أمام أعمدة معبد زيوس.

سطع نجم "ثيوذوراكيس" العالمي في عام 1964 بعد تلحينه موسيقى فيلم "زوربا اليوناني" للمخرج "ميخائيل كاكويني". وبعد الانقلاب الديكتاتوري بتاريخ 21 نيسان 1967 انتقل الى العمل السياسي السري ليصدر اول نداء للمقاومة بتاريخ 23 نيسان، ويعتقل في شهر اب من العام نفسه ويوضع في السجن الانفرادي ويعذب ويضرب عن الطعام ... لكنه استمر في كتابة الحانه ونقلها سرا خارج الحدود الى الفنانة الراحلة "ميلينا ماركوري والمغنية اليونانية "ماريا فاراندوري" التي لا تزال تحيي اناشيده حتى اليوم.

وبسبب تدهور وضعه الصحي وحملة الاحتجاجات الاوروبية، اجبر جنرالات الانقلاب على الافراج عنه، فانتقل في نيسان 1970 الى باريس حيث خاض معركة نضالية من اجل عودة النظام الديموقراطي الى اليونان، فتحولت حفلاته الموسيقية الى نموذج نضالي لكافة الشعوب التي تعاني نفس المشاكل: الاسبان والبرتغاليين والإيرانيين والأكراد والاتراك والتشيليين والفلسطينيين الذين طالما كان داعما لنضالهم. ففي العام 1978 عمل على تقديم لحن للنشيد الوطني الفلسطيني العتيد في بيروت بحضور قيادات سياسية لبنانية وفلسطينية، وكان المفترض أن يكتب الشاعر الراحل محمود درويش كلمات النشيد الذي لم يبصر النور. وكانت له مواقف لا تنسى خلال الحصار الاسرائيلي لبيروت في العام 1982.

وقام بجولات عديدة في الدول العربية: الجزائر ومصر وتونس وسوريا ولبنان (مسرح البيكادلي)، ووضع الحان موسيقى اوبرا "ليستارتي" في عام 2002 ايمانا منه بالسلام في العالم .

انتخب نائبا مرتين، وعيّن وزير دولة لكنه بقي منتقدا لظاهرتي الفساد والظلم في اليونان، وارتبط بعلاقة صداقة مع الشاعر الشيلي بابلو نيرودا، والشاعر الفرنسي لوي اراغون .. ومهما كتب عن حياة زوربا اليونان لا يمكن ان يعطيه حقه، فمسيرة حياته حافلة بالمواقف النضالية والإبداعات الموسيقية، وخلود الحانه مرتبط ارتباطا وثيقا بالتاريخ اليوناني القديم والمعاصر والشخصية اليونانية في بحثها من دون كلل عن اسباب السعادة .

الموسيقار اليوناني الكبير ميكيس ثيودوراكيس في ذمة الله عن عمر ناهز ست وتسعون عاما...موزع النشيد الوطني الفلسطيني..مؤلف المقطوعة الشهيرة زوربا والاف المقطوعات..مقاوم للاحتلال والديكتاتورية وصديق الشعوب المقاومة.احب فلسطين..لروحه الرحمة والسلام.