فاروق عطية
إسمه بالكامل جمال عبد الناصر حسين خليل سلطان المِرّي، ولد في 15 يناير 1918م في منزل والده 12 شارع قنوات- بحي باكوس الشعبي بالإسكندرية قبيل أحداث ثورة 1919م في مصر. ينتمي لأسرة فقيرة صعيدية (من أصوول عربية قحطانية) من بني مر بمحافظة أسيوط.
تزوج والده عام 1917م من السيدة "فهيمة" التي وُلدِت في ملوي بالمنيا، وكان جمال أول أبناء والديه، وأنجبا ولدين من بعده، وهما عز العرب والليثي. (كانت عائلة عبد الناصر تؤمن بفكرة "المجد العربي"، ويتضح ذلك في اسم شقيق عبد الناصر، وهو عز العرب، وهذا اسم نادر في مصر).
تنقّل جمال في مرحلة التعليم الابتدائي بين العديد من المدارس حيث كان والده دائم التنقل بحكم وطيفته المتواضعة بمصلحة البريد المصرية. التحق بالمدرسه الابتدائية بقرية الخطابية إحدي قرى الدلتا عامي 1923 و 1924م، ثم انتقل إلي مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية (القاهرة) وأقام لدي عمه خليل حسين في حي شعبي، وبعد أن أتم السنة الثالثة الابتدائية أرسله والده في صيف 1928م عند جده لوالدته وقضى السنة الرابعة بمدرسة العطارين بالاسكندرية ليحصل علي الشهادة الابتدائية.
التحق عام 1929م بالقسم الداخلي بمدرسة حلوان الثانوية، ثم انتقل في العام التالي 1930م إلى مدرسة رأس التين الثانوبة بالاسكندرية بعد انتقال والده بالعمل كبوسطجي هناك. وعندما نُقِل والده إلى القاهرة عام 1933م انضم ناصر إليه هناك، والتحق بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر بالقاهرة، واستمر بها حتي حصل علي شهادة البكلوريا بالقسم الأدبي عام 1937م. (من ذلك نرى أنه لم يكن طالبا نجيبا حيث أنه قضى بالتعليم الابتدائي خمس سنوات وبالثانوي سته سنوات).
بعد حصوله علي شهادة البكلوريا قرر الالتحاق بالجيش، تقدم إلى الكلية الحربية ونجح في الكشف الطبي ولكنه رسب في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح وابن بوسطجي بسيط من بني مُرً ولا يملك شيئا، ولأنه اشترك في مظاهرات 1935م وليس لديه واسطة. التحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، لكنه استقال بعد فصل دراسي واحد بعد أن تجدد الأمل مرة أخرى، عندما أعلنت الكلية الحربية عن حاجتها الماسة إلى دفعة جديدة من الطلبة، فقرر خوض غمار التجربة، فاستجمع قواه وما لديه من شجاعة وتوجه إلى منزل وكيل وزير الحربية المصري آنذاك اللواء إبراهيم خيري باشا، المعروف باهتمامه بتربية الكوادر الوطنية من ضباط الجيش. أثار اللقاء إعجاب اللواء خيري لشجاعة جمال وحماسه وما لمس فيه من قوة شخصية وصلابة، وأصغى إليه باهتمام شديد بعدما أوضح له سبب عدم قبوله بالكلية الحربية في المرة الأولى، ووعده في نهاية الحديث خيرًا. وجاءت المفاجأة التي أسعدت جمال عبد الناصر، أثناء مقابلة لجنة كشف الهيئة حيث كان اللواء خيري يترأسها، وأمر بقبوله فورًا، وبدأ جمال عبد الناصر، مرحلة جديدة من عمره بانضمامه للكلية الحربية في مارس 1927م. ركز عبد الناصر على حياته العسكرية منذ ذلك الحين، وأصبح يتصل بعائلته قليلا. التقى في فترة دراسته العسكرية بكل من عبد الحكيم عامر وأنور السادات.
تخرج من الكلية الحربية في شهر يوليو 1937م (أي بعد أربعة أشهر فقط)، برتبة ملازم ثان بسلاح المشاة. في عام 1941م نُقل إلى السودان التي كانت جزءا من المملكة المصرية، وتقابل هناك مرة أخري بعبد الحكيم عامر. عاد من السودان في سبتمبر 1942م، ثم حصُل علي وظيفة مدرِّب في الأكاديمية العسكرية الملكية بالقاهرة في مايو 1943م. تم قبوله في كلية الأركان العامة في وقت لاحق من ذلك العام.
إبان الحرب الفلسطينية عام 1948م تطوع جمال عبد الناصر في البداية للخدمة في اللجنة العربية العليا بقيادة محمد أمين الحسيني، وكان عبد الناصر قد التقي بالحسيني وأعجب به، ولكن تم رفض دخول قوات اللجنة العربية العليا في الحرب من قبل الحكومة المصرية لأسياب غير معروفة. في مايو 1948م أرسل الملك فاروق الأول الجيش المصري إلى فلسطين. خدم عبد الناصر في الكنيبة السادسة مشاة كنائب قائد القوات المصرية المسؤولة عن تأمين الفالوجة.
أصيب جمال عبد الناصر بجروح طفيفة في القتال يوم 12 يوليو. وبحلول شهر أغسطس كان عبد الناصر وفرقته محاصرين من قِبل الجيش الإسرائيلي لكن الفرقة رفضت الاستسلام. جرت مفاوضات بين مصر وإسرائيل انتهت بتسليم الفالوجة لإسرائل، وعودة الفرقة المحاصرة إلى مصر. بعد الحرب عاد جمال عبد الناصر إلى وظيفته مدرسا بالأكاديمية الملكية العسكرية، وأرسل مبعوثين إلى جماعة الإخوان المسلمين لتشكيل تحالف معها في أكتوبر 1948م.
إنضم عدد كبير من الضباط فى الجيش والشرطة إلى الاخوان منذ أوائل الاربعينيات ومن بينهم جمال عبد الناصر الذي انضم منذ العام 1942م. لم تكن سنة واحدة التى إنضم فيها عبد الناصر للاخوان بل عشر سنوات منذ 1942م وحتى قيام الثورة 1952م. ولا أدرى لماذا يحاول بعض الاخوان وبعض الناصريين طمس هذه الحقيقة، التى أكدها عديد من الرجال الكبار فى الدعوة والوطنية وخصوصا اللواء صلاح شادى والدكتور فريد عبدالخالق وغيرهما. وكان اللواء صلاح شادى مسؤولا فى بعض الأوقات عن تنظيم الوحدات، أى الاخوان فى الجيش والشرطة، وكان عبدالناصر من بينهم.
كانت مشاركة تنظيم الاخوان المسلمين في انقلاب 23 يوليو 1952م مشاركة فاعلة فى التخطيط والاعداد والحماية وتحديد موعد القيام بالحركة. وظلت العلاقة قوية ومتينة بين الاخوان والرئيس جمال عبد الناصر مع تفاهم وتحاور وشد وجذب بعد استيلاء عبد الناصر منفردا علي الحكم، على موضوعات الحكومة والمستقبل حتى وقعت حادثة المنشية فى أكتوبر سنة 1954م، فكانت هى القشة التى قسمت ظهر البعير، سواء أكانت حقيقة أم تمثيلية، كما يقول بعضهم فى الطرفين.
كان التفاهم بين الاخوان وعبد الناصر على أحسن ما يرام لسنتين بعد الانقلاب، فى فترة هاتين السنتين كان عبدالناصر ومعه بعض رجال الثورة يزورون كبار الاخوان فى بيوتهم للتشاور وحل المشكلات. وفى مناسبات أخرى معروفة، أكثر من مرة زار الرئيس عبد الناصر وبعض رجال الثورة قبر حسن البنا، بل وأعاد محاكمة المتهمين فى قتل حسن البنا وسجنه. وظل فريق من الاخوان الكبار على علاقة طيبة مع عبد الناصر حتى بعد أحداث عام 1954م من المحاكمات والاعدامات والسجون، وقصص السجون وشمس بدران وحمزة البسيونى، وفى مقدمة هؤلاء المرحوم الاستاذ عبدالرحمن السندى رئيس التنظيم الخاص ومعه آخرون من نفس التنظيم الذى كان يدربه الضابط جمال عبد الناصر. كان جمال عبد الناصر، من أهم من قاموا بتدريب النظام الخاص للإخوان استعدادا لمعركة طويلة الأمد للاستيلاء علي السلطة
فى زيارة لقبر حسن البنا سنة 1954م قال عبدالناصر ما يلى: إننى أذكر هذه السنين والأمال التى كنا نعمل من أجل تحقيقها. أذكرها وأرى بينكم من يستطيع أن يذكر معى هذا التاريخ وهذه الأيام . ويذكر فى نفس الوقت الأمال العظام التى كنا نتوخاها ونعتبرها أحلاما بعيدة . نعم أذكر فى هذا الوقت وفى مثل هذا المكان كيف كان حسن البنا يلتقى مع الجميع ليعمل الجميع فى سبيل المبادئ، وأشهد الله إنى أعمل لتنفيذ هذه المبادئ وأفنى فيها وأجاهد فى سبيلها”
يقول كمال الدين حسين فى فقرات من كتاب “الصامتون يتكلمون”:“مع تخرجنا انخرطنا بالسياسة ولم يكن هناك رابط بيننا. كان جاري عبد المنعم عبد الرؤوف عضو تنظيم سرّي ما بالجيش وناشط ضد الاحتلال، وهو من جمعني أول مرة بعبد الناصر ومحمود لبيب بشقة عبد الناصر”. "وتكررت لقاءاتى مع عبدالناصر ومحمود لبيب وعبدالمنعم عبدالرؤوف. وكان ذلك قبل حرب فلسطين بعامين أو ثلاثة. ولم نكن حتى ذلك الوقت مدونين فى سجلات الاخوان المسلمين كأعضاء. وإن كنا أقسمنا على المصحف والمسدس فى منزل المرحوم عبدالرحمن السندى الذى كان رئيسا للجهاز السرى للاخوان أيام المرحوم حسن البنا ثم عزله المرشد الهضيبى بعد ذلك. اقسمنا أن نعمل على اقامة شرع الله فى البلاد”. " واستمرت علاقة الثورة بالاخوان المسلمين. وكان عبدالناصر يكلفنى بالاتصال بهم، وبعد ذلك أصبح يكلف صلاح سالم. ثم بدأت العلاقات تقف، والخلافات تقع حتى حدثت محاولة إغتيال عبدالناصر فى أكتوبر 1954م، وتمت محاكمة الاخوان وأعضاء الجهاز السرى بعد أن كشفت التحقيقات التى كان يطلعنا عليها عبدالناصر أنهم كانوا يريدون السيطرة على الحكم”. والصامتون الذين تكلموا فى الكتاب هم من اعضاء مجلس قيادة الثورة وأعضاء مؤسسين فى تنظيم الضباط الاحرار وهم : كمال الدين حسين، وعبداللطيف البغدادى، وحسن ابراهيم. ومنهم من تعرض للاضطهاد وفرض الحراسة مع بعض أفراد عائلتهم.