سليمان شفيق
من الفضائل التي سجلت تاريخيا للبطاركة الاقباط الارثوزكس او الباباوات للكنيسة الرومانية .. فضيلة التسامح علي مر التاريخ ، رغم قيام من "هب ودب" للتجريح؟!
لم نسمع عن ان احد هؤلاء الباباوات الارثوزكس او الباباوات للكنيسة الرومانية رفع قضية ضد اي من كتب او قال ضدة او ضد احد المطارنة او الاساقفة باتهامات تستحق العقاب القانوني لخضوعها لاتهام السب والقذف .
لعل ابرز مثال علي ذلك وايضا الي باباوات الفاتيكان الذين علمونا فضيلة التسامح وادراك التعددية في المجتمعات الغربية ، بل علي العكس قام البابا يوحنا بولس الثاني 1981 بزيارة حمد علي أغا الذي حاول اغتيال البابا وسامحة وبعد رحيل البابا يوحنا بولس زار قبرة حمد علي اغا .
لاشك ان لا احد يرفض ابداء الراي في شئون الكنيسة ومطالبة البابا بمطالب ، ولكن في ظل فهم وادراك كيفية ادارة النقد في كنيسة ابوية ، وسبق في القرون السابقة ان تمت حوارت صحفية ، من اجل الاصلاح الكنسي من جهة ومن جهة اخري كان هناك مغامرين مثل جماعة "الامة القبطية"والذين وصل بهم الامر لاختطاف البابا يوساب الثاني ، اي ان الخلافات كانت دائما تأخذ في التعبير عنها اتجاة رصين يحترم الاب البابا واتجاة خارج ادراك معني البابا لصفتة ابو الاباء، ورغم كل ذلك لم يقوم البطاركة حتي بأختصام جماعة الامة القبطية او رفع قضايا ضد من قاموا برفع قضايا ضد البطاركة او حتي حرمانهم كنسيا .
لذلك لا بأس من استرجاع بعد المواقف التاريخية التى حدثت داخل الكنيسة لكى نعكس كيف راي البطاركة أن تلك الخلافات جزء لا يتجزأ من البناء الروحى الكنسى، وكيف ان الامر كان في حدود النقد المباح وليس التجريح .. كانت البداية في القرن التاسع عشر بعد تأسيس المجلس الملى العام، 1874 حدثت خلافات فى الرأى بين البابا كيرلس الخامس (البطريرك 112، الذى تم جلوسه على كرسى مار مرقص فى نوفمبر 1874 وحضر جلوسه الخديو إسماعيل وابنه توفيق)، وفى هذه الخلافات ناصر بطرس باشا غالى فكرة إجراء انتخابات أعضاء المجلس الملّى، بدلا من أن يُعيّنوا من قِبَل البطريرك (لمزيد من التفاصيل راجع للباحث الأقباط بين الحرمان الوطنى والكنسى دار الأمين القاهرة 1994)
وبالرغم من معارضة البابا استعان بطرس غالى بالحكومة وتمت الانتخابات، وتم تغيير لائحة المجلس بأن يُرفَع البابا من رئاسة المجلس وأن يقوم وكيل المجلس بطرس غالى بعمل رئيس المجلس،ولما فشلت مساعى البابا فى تنفيذ رأيه قَبِل وساطة بطرس باشا الذى نجح فى إعادة حق البطريرك فى إدارة ديوان البطريركية وأوقاف الأديرة، فقط ولكن أعضاء المجلس رفضوا هذا الحل وعاد الموقف للتأزم وتم تعيين أسقف صنبو رئيسًا للمجلس الملّى بدلا من البابا وللاسف قدم بطرس غالى شكوي الي محافظ القاهرة والمعتمد البريطاني شكوي ضد البطريرك ،مما ادي الي نفي البطريرك إلى دير البراموس، وونفي المطران الانبا يؤنس إلى دير الأنبا بولا، وتم ذلك فى سنة 1892 م.
ومن يراجع عريضة الشكوى التى كتبها بطرس غالى ضد البابا سيجدها تؤكد على صداقة البابا ومناصرته لأحمد عرابى وعدائه للإنجليز!! (من المعروف أن بطرس باشا غالى الكبير اغتيل بعد مذبحة دنشواى لاتهامه بالعمالة للإنجليز)، وظل البابا كيرلس الخامس فى الدير خمسة أشهر. . وعاد البابا الي كرسية ولم يرفع دعوة سب وقذف ضد بطرس غالي الكبير رغم التجريح في وطنية البابا كيرلس الخامس بل قابلة بعد العودة وسامحة .
وتمضى الكنيسة فى مسيرتها الديمقراطية والروحية، وتستمر الخلافات.
يؤانس يؤنس إلى مكاريوس الثالث:
ويستمر الخلاف: تبوأ الكرسى البابوى مطران أسيوط الأنبا مكاريوس (الراهب عبدالمسيح من دير الأنبا بيشوى)، ولعب الأنبا مكاريوس أدوارا وطنية وحداثية كبرى ذلك أنه عقد مؤتمرا قبطيا عظيما فى مدينة أسيوط سنة 1910 رغم الاعتراضات التى قامت فى سبيله ولم يكتف بذلك بل قدم للبابا كيرلس الخامس فى أول سنة 1920. رسالة عن المطالب الإصلاحية الملية بالاشتراك مع زميله الأنبا ثاوفيلس أسقف منفلوط وأبنوب وقتئذ مما دل على عظم كفاءته ورغبته فى إعلاء وتحديث الكنيسة.
ولما تنيَّح البابا كيرلس الخامس فى سنة 1928 ، رشحه الشعب للكرسى البطريركى لتحقيق مطالب الإصلاح ولكن حالت الظروف وقتئذ دون تحقيق ذلك ولما تنيَّح البابا يؤنس التاسع عشر سمحت العناية الإلهية أن يتبوأ الأنبا مكاريوس العرش المرقسى ورسم بطريركا على الكرازة المرقسية فى يوم الأحد 13 فبراير سنة 1944 وحول بعض قراراته أدى هذا الأمر إلى انقسام كبير بين المجمع المقدس والمجلس الملى العام،وفى 7 يونية سنة 1944 ، قدم المجمع المقدس مذكرة إلى البابا البطريرك وإلى وزير العدل بالاعتراض على مشروع الأحوال الشخصية للطوائف غير الإسلامية لأنه يهدم قانونا من قوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كما أنه يمس سرين من أسرارها المقدسة وهما سر الزواج وسر الكهنوت وهما من أركان الدين والعبادة. وقد استمر النزاع وتعذر التوفيق بين المجمع والمجلس وفشلت المحاولات التى قام بها البابا لإزالة سوء التفاهم وأصر المجلس على تدخله فى غير اختصاصه. بل فيما هو من صميم اختصاص المجمع المقدس ولم يلجأ البابا للقضاء ضد من كتبوا وجرحوة .
من التاريخ للحاضر الآتى: هكذا يبقي التأكيد علي انه هناك فرق بين النقد والتجريح ، هذا الحرمان من التعبير في الوسائل الاعلامية الكنسية يخلق تيارخارج عن اللياقة ويلجأ الي استخدام اساليب غير متزنة ولا تراعي اساليب حوار الابناء مع الاباء كرد فعل للحرمان ، ليس هذا تبريرا للتجريح ولكن تفسير له ، والحل ليس في انكار الخلاف في الكنيسة ، ولا في قبول التعددية في كنيسة ابوية ، بل في اللجوء الي الشعب خارج الاعلام عبر زيارات الباب كراعي لكل الايبارشيات والحوار مع الشعب واعادة النظر في الاعلام الكنسي وافساح المجال للتعددية في الاعلام الكنسي، وليس اللجوء للقضاء الي القضاء ، اكتب ذلك بكل حب واحترام لبطاركة الكنيسة الارثوزكسية
كذلك البابا تواضروس يصلي من اجل من يهاجموة بل ويجتمع ببعضهم ويناقشهم في مطالبهم.
وحتي حينما اقام الانبا اغاثون اسقف مغاغة دعوي ضد الزميلة الصحفية سارة علام تدخل البابا تواضروس وتمت المصالحة بينهم في حضور النقابي محمد سعد عبد الحفيظ والنواب مجدي ملك وعماد جاد وكان ذلك من وجهة نظر البابا تواضروس الا يقال ان الكنيسة اخذت موقف من حرية التعبير.
من له عينان للنظر فليقرأ ومن له اذنان للسمع فليسمع