فاروق عطية
ولد محمد نجيب بالسودان بساقية أبو العلا بالخرطوم لأب مصري وأم سودانية المنشأ مصرية الأصل اسمها (زهرة احمد عثمان)، وإسمه بالكامل محمد نجيب يوسف قطب القشلان، وهو من مواليد 19 فبراير 1901م (تسنين). تلقى تعليمه بمدينة واد مدني عام 1905م حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم مبادئ القراءة والكتابة. انتقل والده إلى وادي حلفا عام 1908م فالتحق بالمدرسة الابتدائية هناك، ثم التحق بكلية جوردون عام 1913م. توفي والده تاركا وراءه أسرة مكونة من عشرة أفراد، فأحس بالمسؤولية مبكرا ولم يكن أمامه إلا الاجتهاد في كلية جوردن حتي يتخرج سريعا. بعد أن تخرج من الكلية التحق بمعهد الأبحاث الاستوائية لكي يتدرب علي الآلة الكاتبة تمهيدا للعمل كمترجم براتب ثلاثة جنيهات شهريا، وبعد التخرج لم يقتنع بما حققه وأصر علي دخول الكلية الحربية في القاهرة.
التحق بالكلية الحربية في مصر في أبريل عام 1917م وتخرج فيها في 23 يناير 1918م، ثم سافر إلى السودان في 19 فبراير 1918م وفى نفس سن والده والتحق بذات الكتيبة المصرية التي كان يعمل بها والده ليبدأ حياته كضابط في الجيش المصري بالكتيبة 17 مشاة. ومع قيام ثورة الشعب 1919م أصر علي المشاركة فيها علي الرغم من مخالفة ذلك لقواعد الجيش، فسافر إلي القاهرة وجلس علي سلالم بيت الأمة حاملا علم مصر وبجواره مجموعة من الضباط الصغار. ثم انتقل إلى سلاح الفرسان في شندي. ولما ألغيت الكتيبة التي كان يخدم بها، انتقل إلى فرقة العربة الغربية بالقاهرة عام 1921م.
دخل مدرسة البوليس لمدة شهرين، واحتك بمختلف فئات الشعب المصري، بعد التخرج خدم في أقسام عابدين، مصر القديمة، بولاق، حلوان. عاد مرة أخرى إلى السودان عام 1922م مع الفرقة 13 السودانية وخدم في واو وفي بحر الغزال، ثم انتقل إلى وحدة مدافع الماكينة في ملكال. انتقل بعد ذلك إلى الحرس الملكي بالقاهرة في 28 أبريل 1923م، ثم انتقل إلى الفرقة الثامنة بالمعادي بسبب تأييده للمناضلين السودانيين. حصل على شهادة البكلوريا عام 1923م والتحق بكلية الحقوق، ورقي إلى رتبة ملازم أول عام 1924م، وكان يجيد اللغات الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، ذكر في مذكراته انه تعلم العبرية ايضاً. في عام 1927م كان محمد نجيب أول ضابط في الجيش المصري يحصل على ليسانس الحقوق، ودبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد السياسي عام 1929م ودبلوم آخر في الدراسات العليا في القانون الخاص عام 1931م وبدأ في إعداد رسالة الدكتوراه ولكن طبيعة عمله العسكري وكثرة تنقلاته حالا دون إتمامها. تدرج بالجيش المصرى حتى رتبة لواء فى 9 ديسمبر 1950م.
في عام 1929م تعلم محمد نجيب درسا من مصطفى النحاس باشا، فقد أصدر الملك فؤاد قراره بحل البرلمان لأن أغلبية أعضائه كانوا من حزب الوفد الذي كان دائم الاصطدام بالملك فتخفى في ملابس خادم نوبي، وقفز فوق سطح منزل مصطفى النحاس، وعرض عليه تدخل الجيش لإجبار الملك على احترام رأي الشعب، لكن النحاس باشا قال له: أنأ أفضل أن يكون الجيش بعيدا عن السياسة، ودرعا للبلاد وأن تكون الأمة هي مصدر السلطات. كان درسا هاما تعلم من خلاله الكثير حول ضرورة فصل السلطات واحترام الحياة النيابية الديمقراطية، وهو الدرس الذي أراد تطبيقه بعد ذلك عام 1954م،"لكنه الأسف لم يتعلم كل الدرس واستطاع الضباط الأشرار إغرائه والانضمام لهم في التنظيم السري والانقلاب علي مليكه الذي أقسم أن يكون درعا له وللبلاد وللنظام الملكي".
انتخب رئيسا لنادى الضباط فى ديسمبر 1951م ولكن الملك لم يعتمد النتيجة وأصر على وضع أحد أعوانه بدلا منه (حسين سرى عامر باشا) مما عجّل بقيام الحركة الانقلابية. وكانت احتمالات فشل الحركة مرجحة لولا الدور الذى لعبته السفارة الأمريكية فى تحييد الجانب الإنجليزى المنحاز إلى الملك، فما كان أيسر قيام عدة طائرات بريطانية من قاعدة قنال السويس لإنهاء التمرد. يقول السادات فى مذكراته عن علاقة الحركة بالأمريكان الأتى: فى فجر 23 يوليو فكرنا فى الاتصال بالأمريكان لنعطيهم فكرة عن أهدافنا، وكنا نريد من ذلك الاتصال تحييد الإنجليز. ولم نكن نعرف أحدا فى السفارة الأمريكية، وهدانا البحث إلى على صبرى الضابط المسئول عن مخابرات الطيران وكان صديقا للملحق الجوى الأمريكى "إيفانز" وأبلغ رسالتنا إليه والذى نقلها إلى جيفرسون كافرى السفير الأمريكى الذى اعتبرها لفتة طيبة من جانب الحركة.
كان اختيار تنظيم الضباط الأحرار لمحمد نجيب سر نجاح التنظيم داخل الجيش، فكان ضباط التنظيم حينما يعرضون علي باقي ضباط الجيش الانضمام إلي التنظيم كانوا يسألون من القائد، وعندما يعرفوا أنه اللواء محمد نجيب يسارعون بالانضمام. إذ أن باقي الضباط الأحرار كانوا ذو رتب صغيرة وغير معروفين.
اجتمعت اللجنة القيادية للحركة بقيادة زعيمها جمال عبد الناصر، وقررت أن تكون ليلة 22-23 يوليو 1952م هي ليلة التحرُك واعطيت الخطة اسما حركيا "نصر"، وتحددت ساعة الصفر في الثانية عشرة مساءً، إلا أن جمال عبد الناصر عاد وعدل هذ الموعد إلى الواحدة صباحًا، وأبلغ جميع ضباط الحركة عدا أحد أفرادها البكباشي يوسف صديق؛ لكون معسكره في الهايكستب البعيد عن مدى تحركه ذلك اليوم، فآثر انتظاره بالطريق العام ليقوم برده إلى الثكنات. انكشف سر الحركة الساعة 9:30 مساءا، وعرف محمد نجيب أن مؤتمراً لرئيس الأركان الفريق حسين فريد سيعقد في الساعة العاشرة في مقر القيادة العامة للجيش لترتيب القبض علي ضباط الحركة، فقام علي الفور بإبلاغ يوسف صديق بالتحرك قبل ساعة الصفر التي حددها عبد الناصر بساعة، وبالفعل تحرك يوسف صديق ونجح في اقتحام مركز القيادة والقبض على من فيه من قادة، ولولا هذا التحرك لفشلت الحركة ولقُضي عليها قبل أن تبدأ.
ظللنا لمدة طويلة نعتقد أن نجيب هو الرأس المخطط للحركة، وأخيرا علمنا أن عبد الناصر هو القائد الحقيقى لها، لكنه كان يخشى الظهور منذ البداية بحجة أن له أطفال صغار فى حاجة للرعاية سوف يقاسون عند الفشل، وبالقطع الفشل سيؤدى لمحاكمته عسكريا وإعدامه. وتوجه السادات إلى السينما ليلة 23 يوليو وافتعل معركة مع أحد رواد السينما وأصر على عمل محضر فى قسم البوليس ليكون دليل ابتعاده عند الفشل. أما نجيب الذى تنكر له الجميع فقد كان شجاعا لم يرهبه الموقف وكان مستعدا لتحمل كل العواقب بمفرده. وبعد نجاح الحركة بدأ ظهور الآخرين. في عام 1953 تولي محمد نجيب رئاسة الجكهورية، وتولى عبد الناصر رياسة الوزارة وأراد لنجيب أن يكون رئيسا شرفيا ليس إلا. وفى مارس 1954م نشب الخلاف الحاد بينهما، خلاف على السلطة بين رجل يريد أن يمارس الرياسة ويصر على الديموقراطية وإعادة الأحزاب، متذكرا للدرس الذى تلقاه من الزعيم مصطفى النحاس. أما الرجل الآخر "عبد الناصر" يرى فى نفسه أنه المؤسس الحقيقى للحركة ويريدها ديكتاتورية عسكرية.
كما حدث خلاف بين هوبير وروبيسبير ومارا قادة الثورة الفرنسية، حدث المثل فيما أطلق عليه الثورة المصرية بالرغم أنها لم تكن ثورة شعبية كالثورة الفرنسية. بدأ الخلاف يدب بين ضباطها، كل يطمع في القيادة. أعلن نجيب مبادئ الثورة الستة، وحدد الملكية الزراعية، لكن خلافه مع ضباط مجلس قيادة الثورة بسبب رغبته في إرجاع الجيش لثكناته وعودة الحياة النيابية المدنية، أدى به إلى أن يتقدم باستقالته في 22 فبراير 1954م. وفي 25 فبراير أصدر مجلس القيادة بيان أقالة محمد نجيب، وأدعى البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس وأن يكون له حق الاعتراض علي قراراته حتي ولو كانت هذه القرارات قد أخذت بالإجماع. لكن بعد إذاعة بيان إقالته على الملأ، خرجت الجماهير للاحتجاج وانهالت البرقيات علي المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة. واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف (محمد نجيب أو الثورة) وفي السودان اندلعت مظاهرات جارفة تهتف (لا وحدة بلا نجيب)، وانقسم الجيش بين مؤيد لعودة محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية وبين المناصرين لمجلس قيادة الثورة (أزمة مارس). عاد للرياسة مرة ثانية بعد أزمة مارس، لكن في 14 نوفمبر 1954م أجبره مجلس قيادة الثورة علي الاستقالة.
انتهى دور محمد نجيب ولقى ما لقى من عذاب. اعتقل وحددت إقامته مع اسرته فى قصر زينب الوكيل بالمرج بعيدا عن الحياة السياسية ومنع أي زيارة له. ورغم سوء معاملته ظل وفيا ومجاملا، يرسل برقيات التهنئة إلى عبد الناصر فى كل المناسبات القومية والشخصية. حتى صلاح سالم الذى تخصص فى التشهير به فى كل المناسبات، ذهب نجيب لزيارته أثناء مرضه وعندما توفاه الله ذهب ليعزى أخيه جمال الذى فوجئ بحضوره فقال مندهشا: جئت تعزينى فى صلاح بعد كل ما فعلناه بك؟ فرد عليه باسما بوقار: الواجب واجب يا جمال.
فى يوم الخميس أول نوفمبر 1957م بعد العدوان الثلاثى بأيام، بعد أن تردد أن الإنجليز بعد الانتهاء من عبد الناصر ينون إعادة نجيب إلى السلطة. فى حوالى الواحدة صباحا حضر إليه المقدم الشناوى وأخبره أنه يريد إبعاده من هذا المكان القريب من المطار إلى منطقة الهرم ليكون فى مأمن من الغارات. خرج لا يحمل معه إلا حقيبة تحتوى بعض الغيارات والمصحف وبعض الكتب والمسبحة وسجادة الصلاة. لم تتجه السيارة للهرم بل اقتادوه إلى قطار الصعيد فى عربة خاصة، وفى الفجر وصلوا نجع حمادى وأودعوه استراحة الرى، وبد 48 ساعة اقتاده إثنان من ضباط البوليس الحربى إلى مكان آخر. ولما سأل عن المكان كان الجواب ركلا وبصقا وإهانة..!! بعد أيام نقل إلى منزل محامى بمدينة طما وبقى فى غرفة رطبة لمدة 51 يوما تحت حراسة مشددة، ثم أعادوه مرة أخرى إلى المرج بعد انتهاء العدوان الثلاثي حيث ظل حبيسا بهذا المنزل حتى عام 1971م حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه ، لكنه ظل ممنوعا من الظهور الإعلامي حتى وفاته فى 28 أغسطس 1964م.