د. أحمد الخميسي
عام 1923 نشر أسعد خليل داغر، الكاتب والشاعر اللبناني المهاجر إلى مصر كتابا ممتعا بعنوان " تذكرة الكاتب"، وبرقة بالغة قال في مقدمته:" لم أحاول أن أعلم الكاتب شيئا يجهله بل أردت أن أذكره شيئا نسيه ولذلك سميته تذكرة الكاتب"، أي أنه أراد فقط أن يذكر الكتاب بما يحتمل أنهم نسيوه. أما الكتاب فموضوعه اللغة العربية والأخطاء الشائعة وتصويبها. وقد عرض الداغر كتابه هذا على أحمد تيمور باشا قبل أن ينشره فكتب له تيمور رسالة جميلة وضعها داغر في صدرالكتاب بخط تيمور الذي كتب إليه يقول: " سيدي وصديقي .. قرأت كتابك وأمعنت النظر فيه امتثالا لإشارتك لا تطاولا للحكم في مثله، فإذا قلت إنك أجدت وأصبت وأفدت فيما قصدت فإنما أقوله على ماظهر لي ووصل إليه علمي وفوق كل ذي علم عليم". ويشير داغر إلى أن الكثير من الألفاظ والتراكيب التي انتقدها مأخوذة كلها تقريبا من أقوال كتاب وشعراء يشار إليهم بالبنان، إلا أنه " اجتنب ذكر أسمائهم". والكتاب الذي انقضت عليه نحو مئة سنة يكاد أن يكون مكتوبا اليوم، ليتصدى لأخطاء نسمعها ونقرأها اليوم في الصحافة والثقافة والاذاعة والأدب ووسائل الاعلام. وتظل قضية اللغة بطبيعة الحال إحدى أهم القضايا المرتبطة بالهوية والقومية. وبهذا الصدد أشارت الدكتورة نبوية موسى في كتابها " تاريخي بقلمي " إلي أن دروس قواعد اللغة العربية كانت حتى عام 1906 تدرس في المدارس باللغة الإنجليزية!! وضربت مثلا بدرس كان وأخواتها الذي كان يترجم إلى: Can & Sisters “"! لكن الكفاح المصري الطويل ربط بين الهوية القومية وبين موضوع اللغة، وقد حارب كافة زعماء الوطنية من أجل إعتماد اللغة العربية بدءا من مصطفى كامل مرورا بسعد زغلول الذي قال:" يجب أن تكون غاية عملي جعل التعليم أهليا – أى باللغة العربية – في المدارس المختلفة "، ولم تكن تلك معركة سهلة، ولا هينة، ولادراك ذلك أشير إلى أن السلطان حسين كامل بعث في أكتوبر 1916 خطابا إلى المندوب السامي البريطاني يطلب فيه التصريح بسك نقود جديدة ، فجاءه الرد من لندن: " إن الحكومة البريطانية ترى أن استعمال اللغة الانجليزية بجانب اللغة العربية على أحد وجهي العملة يكون مظهرا للروابط الجديدة بين مصر وبريطانيا العظمي ".
هكذا كانت اللغة، جنبا إلى جنب مع قوى الاستقلال والدستور تخوض معركة التحرر من الاستعمار وسطوته لترسيخ الهوية الوطنية. وبعد نحو مئة عام من صدور" تذكرة الكاتب" مازلنا للأسف نرى ونقرأ ونسمع ونشاهد أخطاء كثيرة تمر من دون اهتمام، بل وتكتب اللافتات والاشارات في الشوارع بأخطاء نحوية ولغوية. ولا يطالب أحد بالتعمق أو التوغل في الالمام باللغة، إلا إذا تعلق الأمر بالأدب تحديدا، وما عدا ذلك نأمل في الانتباه لأخطاء مثل تلك التي يشير اليها أسعد داغر في كتابه الممتع. ومن ذلك على سبيل المثال أنهم يقولون:" ذهبوا إلى الرجل سوية " فيستعملون سوية بمعنى المصاحبة والاجتماع، مع أن كلمة سوية مؤنث سوي بمعنى الاستواء والانصاف، فيقال " قسمت الشيء بينهما بالسوية" والأصح : ذهبوا إليه معا. يقولون " التقى به " والفعل لا يحتاج إلى باء، والصواب" التقاه ، ولا قاه، ولقيه". ويقولون" سافر فلان في السكة الحديد" فكأنهم يجعلون الحديد وصفا للسكة، والصواب هو : السكة الحديدية، أو سكة الحديد. ويقولون: حديث شيق يقصدون ممتعا لكن الشيق هو الشخص المشتاق وفي ذلك يقول المتنبي" ولي فؤاد شيق" ، أما الصواب فهو " حديث شائق". مئات الكلمات والعبارات يصوبها اللبناني الجميل المهذب أسعد خليل داغر الذي يقول إنه فقط " يذكر من نسى"، ولا يقول : أعلم من لا يعرفون.
د. أحمد الخميسي. قاص وكاتب صحفي مصري