زهير دعيم
لا بدّ للحضارة إلّا أن تظهر في الوجوه وفي المعاملة والتصرّف...
لا بُدّ للفلسفة والمجد إلّا ان يبانا في الطّبيعة والآثار والحياة برُمّتها.
هكذا الأمر في اليونان ؛ بلاد الإغريق ، وبلد أفلاطون وسقراط وأرسطو وهوميروس ، هذه الدولة العريقة التي ترفل بالمجد والتي زرتها قبل أيام قليلة هروبًا وانفلاتًا من فخّ الكورونا المقيت الذي استحوذ على حياتنا سنتين من العمر .
نعم كنتُ هناك فوجدتُ في هذا البلد الجميل والقريب منّا جغرافيًّا ، الحضارة التي لا ولن تقدر الايام على محوها : وجدت الأكروبولس ومدرّج الألعاب الاولمبيّة القديم والحديث ، وجدتهمات في أثينا عروس الشرق الى جانب المتاحف ، ناهيك عن جبال البوندوس والأديرة المعلّقة هناك في رؤوس الجبال ؛ هذه الأديرة التي تسلب الألباب..
ولا تسأل عن تسالونيكي فما زال فوح القدّيس بولس الرسول يفوح من كلّ زاوية ومنحىً وهو ينقل لأوروبا بُشرى الخلاص.
حقيقة وجدت كلّ شيء جميلًا، فالإنسان اليونانيّ أدهشني كما أدهش كلّ من رافقنا ، فأنت يا صاحِ حينما تسأل صبيّة أو شابًّا أو كهلًا عن مكان ما حتّى يهبّ لمساعدتك بإنجليزيته البسيطة وحركاته الجميلة المُعبّرة وإشاراته، فلا يتركك إلّا بعد أن يتأكّد ويتيقن بأنّك فهمت وعرفت.
حقيقة جليّة لمستها في خلال زيارتي لليونان ؛ بلد الفلسفة والحضارة والأدب والشّعر وهي : أن الحضارة لا تزول مع مرور الزّمن ولا تُمحى بل تذوب وتنصهر في النفوس فتظهر بأحلى حلّة.
صحيح أنّ اليونان ليست سويسرا أو النمسا من حيث الطبيعة الخلّابة والبحيرات السّاحرة والجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج في معظم أيام السنة، ولكنها تبقى كنزًا لا يُقدّر بثمن وذُخرًا ومفخرة للشرق والغرب كلّه على مدى العصور والحِقَب.