فاروق عطية
رغم كبر السن مازلت أشعر بحب الترحال والسفر لبلاد الله خلق الله، وأري أن في السفر متعة ومعرفة ودراسة. وحيث أنني زُرت الكثير من الدول الأوروبية والعديد من دول أمريكا اللاتينية، ولكني لم أشرف بزيارة أي من الدول الآسيوية عدا الجزء الآسيوي العزيز من مصرنا سيناء الحبيبة، لذلك رحبت بدعوة أصدقائي الفلبينيين لزيارة مانيلا، وكان ذلك خلال الفترة من 21 سبتمبر حتي الخامس من اكتوبر عام 2014م.
مانيلا واحدة من 17 مدينة وبلدية تكوّن ما يسمى (مترو مانيلا)، وتقع مانيلا على الساحل الشرقي لخليج مانيلا مباشرة وهي أحد المراكز المحورية للمنطقة العمرانية المزدهرة التي يسكنها نحو 14 مليون نسمة. وتحتوي على نحو 100 متنزه. وتقدر مساحتها بـ 3,855 هكتار وهي ثاني أكبر مدن الفلبين تعداداً بعد كيزون سيتي، العاصمة السابقة، وهي تعتبر مركزًا اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا وتعليميًا وميناء دوليا رئيسيا.
مانيلا مدينة عجيبة بها كل المتناقضات. يتجاور فيها الجمال مع القبح والأبهة مع الفقر والرقي مع التخلف. تري العمارات الشاهقة وناطحات السحاب متجاورة مع عشش مبنية بالأخشاب والصفيح، كما تري عشرات المولات الفخيمة وبجوارها وعلي أرصفة قريبة منها باعة جائلين يحتلون ببضائعهم كل مكان حتي الكباري العلوية لعبور الشوارع. أيضا وسائل المواصلات فيها العجب العجاب من أوتوبيسات وتاكسيات أحدث طراز نظيفة ومكيفة وأتوبيسات درجة ثانية أقل نظافة وبلا تكييف وأتوبيسات مجرد عربات نصف نقل تحولت بقدرة قادر لأوتوبيسات بلا أبواب ونوافذها تفتقد الزجاج، لعربات ميكروباس لاتصلح حتي لركوب الحيوانات.
الشوارع الرئيسية وقلب المدينة يمتاز بالنظافة التامة والمتنزهات والمساحات الخضراء، ولكن عندما تترك قلب المدينة لقاعها أي المدن الملحقة بها تختلف الصورة تماما، حيت الشوارع الضيقة والغير مستقيمة والمليئة بالحفر والمطبات والقاذورات وطفح المجاري ومعظم بناياتها من الصفيح والأخشاب. وللانتقال من مدن الضواحي إلي مانيلا العاصمة هناك نوعين من المواصلات العجيبة. أحدهما هو الموتوسيكل المطور بوضع كبينة حديدية علي يمين الموتوسيكل بها مقعد لثلات ركاب وراكبين إضافيين خلف سائق الموتوسيكل، أي أن حمولته خمس ركاب. والوسيلة الثانية الأعجب هي الدراجة العادية والتي تم تطويرها مثل ما تم للموتوسيكل ولكن السائق هنا يستخدم عضلات ساقيه. وهاتين الوسيلتين مرخصتين من إدارة مرور العاصمة وكل دراجة أو موتوسيكل له رقم واضح. ولكل منطقة لون محدد ومسافة محددة لا يتعداها وتعريفة ركوب محددة وهي 10 بيسوس للراكب وإذا كنت مستعجل وأخذت الدراجة بمفردك تدفع الأجر كاملا (50 بيسوس) وللعلم الدولار الكندي يساوي 40 بيسوس.
رغم اتساع شوارع قلب المدينة إلا أن انسياب المواصلات بها في منتهي البُطء لدرجة غير محتملة لكثرة السيارات والشاحنات التي لا تتوقف ليلا أو نهارا. يبدو أن إدارة المرور هناك لا تهتم بالكشف علي شكمانات السيارات أو الشاحنات التي تنفث سمومها مما يجعل المدينة شديدة التلوث، مع الحر الشديد وارتفاع الرطوبة يجعل التنقل بالأوتوبيسات الغير مكيفة أمر لا يطاق. عندما تتوقف أي وسيلة مواصلات مهما كان مستواها تمتلئ بالباعة الجائلين الذين يملأونها صياحا عن بضاعتهم كالمناديل الورقية والفول السوداني والمياه والمرطبات، كما ينتشر الصبية أولاد وبنات يمسحون مقدمات السيارات.
الشعب الفلبيني طيب ومرح وحبوب. رغم الفقر وقلة الدخل هم راضون بحياتهم لا يملون العمل والإنتاج. في البيوت الصفيحية المتلاصقة تجد بيزينس في كل منزل، يبيع أي شيئ وكل شيئ من السجائر الفرط والصابون والمعلبات والمياه والمرطبات والمسكنات (كالترامادول) والملابس والمأكولات. كل منزل يقوم بطبخ بعض المأكولات ويعرضها في أواني نظيفة مغطاة، تشمل الأرز واللحوم والدواجن المقلية والأسماك بأنواعها ولا يهتمون بالطبخ لأنفسهم فهم يأكلون ما يفيض بعد البيع ويشترون أيضا ما يحتاجون من الجيران. وهم يمتازون بالنظافة يغسلون الأطباق التي يقدمون فيها الطعام جيدا بالماء والصابون ويضعون القفازات في أيديهم ويمسكون قطع الدجاج أو الأسماك بماسك خاص. وأسعار مأكولاتهم رخيصة جدا رغم جودتها ونظافتها، فالوجبة الكاملة لا تتعدي 60 بيسوس ( أقل من دولارين).
أهم مراكز التسوق والمولات تنتشر بمانيلا، أرخصها وأكثرها شعبية مركز تسوق ديفيسوريا بالحي الصيني، وأرقاها وأكثرها فخامة وتنوع أسواق إس إم ومول آسيا في باساي. في المولات يزدحم الناس يشكل مكثف حتي أنك لا تستطيع السير دون الاصطدام بالآخرين. إن لم تكن حذرا قد تتعرض للسرقة وقد حدث لي ذلك، فقد سُرقت كاميرتي أثناء تجوالي بمول إس إم. والناس يذهبون للمولات للاستمتاع بالجو المكيف هربا من الحر وللتطلع علي البضائع والأكل بالمطاعم العديدة بالمولات وأشهرها جولي بي (النحلة الجميلة). الوجبة من الأرز والدجاج والسلطة وعصير الأناناس بـ 95 بيسوس (أقل من 2.5 دولار), وتدافع الناس علي المطاعم في المولات وفي الطرقات وفي المحلات الشعبية يشعرك أن الناس هناك لا هم لها غير الطعام.
مايون بارك هي منطقة محمية تقع في منطقة بيكول جنوب شرق مانيلا. والمنطقة المحمية تغطي مساحة قدرها 14272 فدان، وتشمل بركان مايون المحوري، البركان له شكل مخروطي يقرب من الكمال ويبلغ ارتفاعه 1742م، نشط نحو خمسين مرة منذ عام 1616م. المنطقة محمية منذ عام 1938م، ثم إعيد تصنيفها كحديقة طبيعية في عام 2000م. لم نستطع زيارة المنطقة لإغلاقها بعد ثورة البركان المفاجئة يوم 21 أكتوبر (قبل وصولنا مانيلا بيوم واحد).
في جزيرة لوزان على بعد حوالي 50 كم جنوب العاصمة مانيلا (جزيرة لوزون، أكبر جزيرة في البلاد) يوجد بركان تاآل، هو بركان مركّب، وهو ثاني البراكين الأكثر نشاطا بالفلبين. له 33 ثورة بركانية تاريخية. مركزة في جزيرة بركانية قرب وسط بحيرة تاآل التي تشكلت بالثورات البركانية في عصور ما قبل التاريخ بين 14,000 و 5,380 ق.م، يمكن مشاهدته من أعلي مدينة تاجايتاي. وتكون البحيرة والبركان لوحة جميلة وجذابة تبهر الناظرين. كانت لهذا البركان ثورات عنيفة في الماضي تسببت في خسائر بالأرواح في الجزيرة والمنطقة المحيطة بالبحيرة والتي قدرت ما بين 5000 و 6000 ضحية. والجدير بالذكر أن جميع البراكين الفلبينية هي جزء من حزام النار بالمحيط الهادي. ورغم هدوء البركان منذ 1977م إلا أن هناك علامات عدم الاستقرار منذ 1991م تتمثل في النشاط الزلزالي القوي والتشقق الأرضي وتكون بقع طينية ساخنة في أماكن متغرقة من الجزيرة. ويصدر المعهد الفلبيني لعلوم البراكين والزلازل بانتظام نشرات دورية تحذيرية حول النشاطات الآنية تشمل الأحداث الزلزالية بتاآل. وللوصول إلي البركان لا بد من الهبوط من قمة تاجايتاي إلي مستوي البحيرة في طريق زجزاجي لولبي ضيّق شديد الانحدار يستغرق قرابة 30 دقيقة بالسيارة. وعند الوصول للبيحيرة تجد قوارب معدة للتجوال حول البركان تستغرق حوالي 40 دقيقة بأجر غير مغالى فيه.
في منطقة لاجونا قريبا من مانيلا يوجد منتحع لاجونا وهو عبارة عن حمام سباحة يعتمد على ينبوع من المياه الساخنة تنبع من باطن الأرض، رسم دخول الفرد 70 بيسوس (أقل من دولارين) ومسموح فيه الدخول بما تحمله من مأكولات ومشروبات. وملحق بالمنتجع فندق لمن يريد قضاء عدة أيام. وحين تدلف لحمام السباحة يلتف حول قدميك العديد من الأسماك السوداء الصغيرة (3-5 سم) التي تشرع في التغذي علي الجلد الميت (القشف) بالأقدام وحول الأصابع فتخلصك منها وتصير قدميك في منتهي النظافة والنعومة.
في مساء 31 أكتوبر يحتفل الفلبينيون بالهالووين تماما كما يحتفل به الغربيون، يشعلون الشموع في مداخل المنازل، ويخرج الأطفال بالملابس التنكرية يطرقون الأبواب قائلين (أعطنا أو نتعامل) طلبا للحلويات والمنح. وفي اليوم التالي (أول نوفمر) مخصص لزيارة الموتي بالمقابر. والمقابر لا تبعد كثيرا عن قلب المدينة مانيلا ولكن كون الجميع دون استثناء يشاركون هذا الطقس تمتلئ الشوارع الرئيسية المؤدية للمقابر بالسيارات التي تسير ببطء شديد لكثرتها فتستغرق الساعات الطوال للوصول. وعند الوصول تلتف الأسر حول المقابر ويتناولون المأكولات والمشروبات وهم وقوف ويوضع علي المقابر نصيب الميت منها وبعد ذلك يغادرون للعودة.