قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (834)
بقلم: يوسف سيدهم
هذا هو الملف الثاني الذي أفتحه في معرض تناولي للإنجازات الهائلة التي تحققت بعد ثورة 30 يونيو 2013… تعرضت الأسبوع الماضي لملف إصلاح وتطوير التعليم, واليوم أفتح ملف المرور في الشارع المصري, وهو ملف استعرضته أكثر من مرة في هذا المكان من قبل, لكني أعترف أنه اليوم أفضل حالا بشكل كبير فيما يخص أحد عناصر المرور وهو ما يخص شبكات الطرق وتقاطعاتها وحل المعضلات التي طالما عرقلت انسياب المرور سواء في داخل القاهرة العاصمة أو في المحاور المرورية الخارجة منها والداخلة إليها… هذا علاوة علي الإنجاز غير المسبوق في مد شبكات الطرق القومية عبر مدن مصر وأقاليمها, الأمر الذي يتجاوز بمراحل ترف تيسير تنقلات المواطنين ليحقق أهدافا اقتصادية جمة لخدمة الصناعة والتجارة والنقل والاستثمار.
إذا يلزم الاعتراف بأن أحد عناصر المرور وهو شبكات الطرق والكباري شهد تطورا وتحديثا عظيما, لكن تظل هناك عناصر أخري لا تقل أهمية عنه تتصل باعتبارات الأمان والسلامة المطلوبة علي الطرق, وتلك هي المرتبطة بالقوانين الحاكمة للقيادة ورقابة سلوكيات قائدي المركبات خاصة إذا عرفنا أن التطور الذي شهدته وتشهده شبكات الطرق سواء في عروضها أو مواصفاتها أو امتدادها بلا عوائق هو أمر يتيح ويشجع تزايد سرعات المركبات… فإذا تحول هذا التزايد إلي اندفاع غير منضبط أو إلي انفلات غوغائي ستنقلب نعمة تحديث شبكات الطرق إلي نقمة تعرض أرواح البشر علي الطريق للخطورة وتهوي بمعدلات السلامة إلي مراتب مرعبة.
وكما كتبت مسبقا أجدني أكرر أنه بينما كان جيلي أنا من المصريين يتندر منذ نحو سبعة عقود بانضباط المرور في شوارع الدول الأوروبية ومدن أمريكا وكندا -أي العالم الغربي بصفة عامة- ها قد ولت السنين وأصبح جيل أبنائنا الذين سافروا من مصر للعمل في دول الخليج العربي يتندرون منذ ما لا يقل عن أربعة عقود بانضباط المرور في شوارع دول الخليج وعلي رأسها الكويت والمملكة السعودية ودولة الإمارات وغيرها… ولا أخفيكم سرا أن ذلك كان مدعاة للإحباط لنا نحن المصريين لأننا بينما نعتبر أن مصر تسبق هذه الدول حضاريا نكتشف أنها سبقتنا بمراحل في إدراك معايير الانضباط والأمان والسلامة وإعمال القانون علي طرقها.
وللأسف لم يكن مستعصيا علينا إدراك أن السبب وراء تقدمهم وتخلفنا نحن هو الفارق الملحوظ بيننا في أمور ثلاثة: الأول معايير تأهيل قائدي المركبات, والثاني عناصر تخطيط الطرق واللافتات المرورية, والثالث مدي كفاءة ويقظة الرقابة علي الطرق وإعمال القانون علي الجميع دون أدني تمييز أو تفرقة.
إذا الإنجازات هائلة في تأهيل شبكات الطرق… والإخفاقات هائلةأيضا في تأهيل قائدي المركبات وفي رقابة سلوكياتهم علي الطرق في إعمال القانون… وكما قيل مرارا وتكرارا لا يكفي أبدا أن يكون لديك قانون للمرور يتضمن سائر المواد والبنود التي ترسم ضبط الأداء ورصد التجاوزات, بل يلزم أن تمتلك آليات يقظة وقادرة علي التدخل الفوري للتعامل مع أية مخالفات لأن في ذلك ترسيخا لقدسية القانون وتهذيبا لسلوكيات قائدي المركبات إذا عرفوا تماما أنه ليس في استطاعتهم الإفلات بأية مخالفة يرتكبونها… وكما تعودت كلما فتحت هذا الملف أقدم فيما يلي بعض النماذج -وليس كل النماذج- علي تلك الإخفاقات:
** لا تعرف طرقنا المصرية ولا قائدو المركبات مدلولات الخطوط البيضاء التي يتم تخطيط الطرق عليها سواء كانت خطوطا متقطعة تحدد حارات مرورية يتم السير داخلها وعدم تجاوزها إلا بضوابط أو كانت خطوطا متصلة غير مسموح إطلاقا بعبورها أو تجاوزها… وتلك الخطوط المتصلة لها ضوابط واحتياجات يجب أن يعرفها ويحترمها قائدو المركبات مثل عبور طريق فرعي إلي طريق رئيسي, ومثل التمهيد لعبور تقاطع أو كوبري حيث لا يسمح إطلاقا بتدافع السيارات وتكدسها عند نقطة بداية الكوبري لخلق عنق زجاجة تتزاحم فيه نحو أربع حارات من الطريق لدخول حارتين للكوبري… ولكم أن تعرفوا أن هذا يتم عيانا جهارا في شوارعنا المصرية نتيجة جهل قائدي المركبات ونتيجة انعدام الرقابة!!!
** طرقنا السريعة بين المدن تعج بلافتات تحدد السرعات القصوي المختلفة للمركبات علي الطريق وعبر حاراته من اليسار إلي اليمين.. فمثلا تتحدد السرعة القصوي للسيارات الملاكي علي الحارة أقصي يسار الطريق 100كيلومتر في الساعة, ثم 90 كيلومترا في الساعة للحارة التالية ولسيارات المايكروباس, ثم 80 كيلومترا في الساعة للحارة التي بعدها للحافلات وسيارات النقل المتوسط, وأخيرا 70كيلومترا في الساعة للحارة أقصي اليمين لسيارات النقل الثقيل… هذا يرتبه القانون وتعلنه اللافتات, وكذلك العلامات المطبوعة بالألوان علي الحارات نفسها, لكن الفجوة هائلة بين ذلك وبين إدراك وسلوك قائدي المركبات, ناهيك عن غياب كامل للرقابة والمساءلة من جانب القانون!!!
** الأمثلة غير محدودة علي أوجه القصور, ولكني لا يمكن أن أنهي هذا المقال دون أن أتعرض لما يخالف ضوابط الأمان والسلامة, مثل ترسيخ احترام حقوق المشاة عند إشارات المرور الضوئية وتجريم تعريض حياة الأطفال للخطر بإجلاسهم علي حجر قائد المركبة أو بالسماح لهم بالبروز خارج نوافذ السيارة أو خارج فتحة السقف بها.
** وأخيرا لا يمكن غض البصر عن ظاهرة تنفرد بها طرقنا المصرية وهي الحصانة من مغبة عدم احترام قانون المرور أو الوقوع تحت طائلته لسيارات سائر المسئولين في الدولة أو سيارات السياسيين الذين تنطلق قوافل سياراتهم المدعومة بسيارات الحراسة ودراجاتها البخارية وزعيق نفيرها سواء بين السيارات لإفساح الطريق أو عقب إغلاق الطريق لها… الأمر الذي يعطي أسوأ المثل للمصريين علي التمييز بين المواطنين في الخضوع للقانون وما يترتب علي ذلك من استهزاء المواطنين بالقانون والاستهانة به.
*** هذا بعض من كل فيما يخص الإنجازات والإخفاقات في ملف الطرق والمرور في شوارعنا المصرية.