الثلاثاء ٢١ اغسطس ٢٠١٢ -
٠٩:
١٠ ص +02:00 EET
بقلم: منير بشاي
هذا المقال ليس هدفه النقد الشخصى السلبى الهدام لأحد، بل الدراسة الموضوعية الايجابية البناءة لظاهرة عامة تمسنا جميعا. فمرة تلو الاخرى، نواجه نحن نشطاء الأقباط بنفس المواقف، فنعالجها بنفس الاسلوب، لنحصد نفس النتائج. لا نأخذ من الماضى الدروس لتحسين أداء المستقبل.
فكلما حدثت انتكاسة فى الشأن القبطى مثل اعتداء عنيف على الأقباط أوكنائسهم أو مساكنهم أو تغيير جوهرى على خارطة الوضع السياسى فى مصر، يحدث انزعاج بين صفوفنا قد يتحول الى صراخ. ولكن سرعان ما يمر الوقت ونتعود على المشكلة فتصبح جزءا من واقعنا، ونستمر نتعايش معها، الى ان تظهر مشكلة جديدة فنكرر ما فعلناه.
كيف نخرج من هذه الدائرة المفرغة؟ هذه بعض الاقتراحات:
دعنا نعرف حجم أنفسنا
بديهى ان لكل فرد أوجماعة قدرات خاصة. وسواء كانت كبيرة أو صغيرة فهى تمثل حدود طاقتهم ومقدرتهم على الانجاز. التفكير فى مشروعات أكبر مما نستطيع هو توصيفة أكيدة للفشل. محاولة تحدى النفس بالقول أننا لسنا أقل من شعوب معينة استطاعت أن تعمل هذا أو ذاك غير مجدية. فقد لا نكون أقل منهم ذكاء أو مواهب ولكن ربما لنا ظروفنا الخاصة التى تجعلنا نختلف عنهم فى أشياء أخرى. الشعب القبطى له مزاياه الخاصة، ودعنا نكون واقعيين ونعترف انه لنا أيضا عيوبا خاصة فرضتها علينا قرون من الاضطهاد. يجب ان ندرك مواردنا ونعرف ونحدد أولوياتنا، ونكون على دراية بموروثاتنا الايجابية منها والسلبية. لاعب الورق ملزم ان يلعب بالاوراق التى أعطيت له. واللاعب الماهر هو الذى يستطيع ان يستخدمها لينتصر أو على الأقل ليحقق أكبر مكسب فى استطاعته.
دعنا نعرف حقيقة الواقع الذى نعيش فيه
الواقع يفرض علينا أوضاعا ليس فى استطاعتنا ان نغيرها ويجب ان نتعامل معها. لوم هذا الواقع لن يغيره. فمثلا من عبارات اللوم الكثير التى تتردد هى لوم أمريكا على ما يحدث للاقباط. بعض هذا النقد يصل لدرجة شتم أمريكا واتهامها بتزوير الانتخابات لصالح مرسى. والغريب ان الاسلاميين أيضا يشتمون أمريكا ويطلقون عليها الشيطان الأكبر. لنكون صرحاء ان الفائدة الوحيدة التى تعود علينا من شتم أمريكا ربما التفريج عن ما بداخلنا من ألم. ولكن الشتائم لن تفيد القضية ولن تغير من الواقع شيئا. سياسة أمريكا هى سياسة عليا ثابتة لخدمة مصالحها. ومصلحة أمريكا فى الشرق الأوسط ترتبط أولا بالتزامها بحماية اسرائيل، ثم ضمان استمرار ضخ بترول دول الخليج للغرب، ومن التزاماتها أيضا مساندة قيم حقوق الانسان. ولابد من الاعترف انه اذا تنازعت هذه المصالح فالأهم منها سيطغى على الأقل أهمية. لوم أقباط أمريكا على عدم مقدرتهم تغيير سياسة أمريكا هو ظلم لهم، فسياسات الدول الكبرى لا تتخذ جزافا بل بعد دراسة مستفيضة من كبار خبرائها الاستراتيجيون. والأقباط الذين يمثلون حوالى ربع فى المائة من تعداد أمريكا ليس لهم هذا النفوذ لتغيير سياسة أمريكا العليا بل ولا تستطيع ذلك أى أقلية أخرى. لكن ما يستطيعوا عمله هو مطالبة المسئولين بشرح ما يتردد من شبهات حول الموقف الأمريكى. وهذا ما قد حدث فعلا عندما تم نقل هذه المخاوف للادارة الأمريكية حيث أكد المسئولون انهم لم يساعدوا مرشحا أو يفرضوه على الشعب المصرى ولكنهم قبلوا ما اقره صندوق الانتخابات. وانه مهما يكون من يحكم مصر فان حقوق الانسان للاقليات مثل الاقباط والمرأة والطفل سوف تظل جزءا هاما من أولويات أمريكا. وقيل أن أمريكا تكون فى وضع أفضل لخدمة مصالحها ولتحقيق هذه الأهداف ومساعدة الأقليات اذا كانت على علاقة طيبة مع النظام وليس العكس. هذه هى وجهة نظر أمريكا وطبعا من حقنا ان نصدقها أو نكذبها، نؤيدها أو نرفضها، ولكن علينا ان ندرك انها واقع يتحتم علينا ان نتعامل معه.
دعنا نبدأ بخطوات صغيرة عملية يمكن تنفيذها
يقول المثل: على قدر لحافك مد رجليك. اذا كنت تنتمى لمجموعة بها 10 نشطاء ولديها ميزانية قدرها الف دولار، فكر فى أعمال يمكنك ان تقوم بها بهذه الامكانيات. لا تحسب مشاركة الآخرين فى ميزانيتك قبل الحصول على التزام مؤكد منهم. الخبرة علمتنا ان الناس لا تتجاوب مع من لا يعرفونهم، ولا تتبرع بأموالهم للمشروعات التى لم يثبت نجاحها. الأفضل أن تبدأ بخطوة صغيرة وعندما يرى الناس نجاحك سينضموا اليك ويثقوا فيك فيساعدوك ويقدموا تبرعاتهم السخية للخطوات التالية.
دعنا نتوقف عن جلد الذات
مع اعترافى بكل العيوب التى نعانى منها كنشطاء العمل القبطى ولكن دعنا نكون شفقاء مع أنفسنا. فكما نعدد السلبيات دعنا أيضا أن لا ننسى الايجابيات. نحن نعمل مع أنفسنا ما كان يفعله أباؤنا معنا فقلما كنا نسمع منهم كلمة تقدير ومهما كان جودة أدائنا كانوا دائما يطلبون منا المزيد. لنا ان نفخر بانجازات الأقباط داخل مصر الذين استطاعوا ان يعلنوا حقوقهم بينما هم فى عرين الأسد. لقد خرجوا من داخل أسوار الكنيسة ومشوا فى شوارع مصر يهتفون "ارفع راسك انت قبطى". شاركوا فى صفوف شباب الثورة فى ميدان التحرير ممسكين بيد أخوتهم المسلمين. وقفوا لحماية المسلمين اثناء الصلاة يوم الجمعة، والمسلمين حموهم وهم يصلون يوم الأحد. وفتحت الكنائس والمساجد القريبة من الميدان أبوابها لعلاج المصابين لأنهم مصريين وليس لانتمائهم الدينى. وفى ماسبيروا أظهروا شجاعة نادرة فى التضحية بأغلى ما يملك الانسان وهو النفس.
وأزعم ان الأقباط يستطيعوا أيضا أن يفخروا باخوتهم أقباط المهجر مع ان المودة هذه الأيام هى لومهم. فهم الذين عرّفوا العالم معنى كلمة قبطى. أقباط المهجر هم الذين نقلوا القضية القبطية من المحلية الى العالمية، وأمكنهم أن يدرجوا القضية فى أجندة الحكومات والبرلمانات الغربية. أقباط المهجر هم الذين قادوا المظاهرات التى تكونت من الألاف المؤلفة فى كل عواصم العالم. أقباط المهجر هم الذين نشروا الاعلانات المدفوعة الأجر بلغات البلاد فى كبريات الصحف الأجنبية والتى تكلفت ملايين الدولارات. أقباط المهجر هم الذين أصدروا البيانات الصحفية التى غطت كل شبر فى أمريكا والعالم. أقباط المهجر هم الذين أنشأوا الفضائيات القبطية والمواقع الالكترونية التى تتكلم عن القضية القبطية ليل نهار. هذا فضلا عن المساعدات المالية للمحتاجين فى مصر والتى تتم دون الاعلان عنها.
جفف الدمع يا أخى ويا أختى، فالاستمرار فى البكاء لن يفيدنا فى شىء. علينا ان نهدأ قليلا، وندرس الخيارات المتاحة.. ونحدد ما نريد عمله.. ثم نبدأ...ونستمر، فالاستمرارية هى سر النجاح.
Mounir.bishay@sbcglobal.net