د.ماجد عزت إسرائيل
شهدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الآونة الأخيرة العديد من الأحداث سواء كانت داخل مصر أو خارجها، وربما هذه الأزمات يقف وراءها بعض الثعالث الصغار بهدف وضع الدار البطريركية في أزمة أو أختبار قدرة صاحب القداسة البابا تواضروس الثاني علي إدارة هذه الأزمات.
قرأت منذ فترة وجيزة مقالاً في مجلة فرنسية عن" التجديد القبطي بين الإصلاح والتقليد" وطرح الكاتب نماذج لبطاركة عبر تاريخ الكنيسة نجحوا في تحقيق العديد من الإصلاحات لأن مطالب الحياة كانت بسيطة وتتمثل في كنيسة وكاهن ومعلم أو تشيد كتاب أو مدرسة أو تعين ناظر لها أو للوقف، وأيضًا كانت المشاكل والأزمات يتم حلها عن طريق طائفة الأراخنة ونادرًا ما يتم الرجوع للبطريرك. أما اليوم فقد وصل عدد الأقباط نحو أكثر من 20 مليون نسمه داخل مصر وضعف هذا العداد خارجها، وبالتأكيد زاد عدد الكنائس والكهنة والأساقفة وبطبيعة الحال كثرة المشاكل والأزمات، وربما ساهم في رواجها الإعلام بشتى أنواعه وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي أو القنوات الفضائية أو قنوات اليوتيوب بالإضافة إلى المواقع الإلكترونية والجرائد الورقية.
وربما يلعب الثعالب الصغار دور في تحركيها أو إشعالها بهدف وضع المؤسسة الكنسية في وضع محرج.
وفقاً لقول سليمان في سفر النشيد "خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ، لأَنَّ كُرُومَنَا قَدْ أَقْعَلَتْ." (نش 2: 15). فالثعالب الصغار ربما تكون خطايا تبدو بسيطة. لا يلتفت إليها الإنسان، ولا يشعر بخطورتها، ربما تكون مجرد حيل وأفكار ومشاعر ومكر وأحيانا الكذب ككذبة أبريل أو التهكم على الآخرين والتبصق والدالة أو التشكك وأيضًا مجرد المداخلات من بعض الأفراد قد لا تتخذ في بادئ الأمر صورة الخطية، ولا هي تتعب الضمير. ولكن ربما تفسد العلاقات وتجرح مشاعر الآخرين هذه الخطايا الصغيرة هي التي قيل عنها في المزمور "يا بنت بابل الشقية، طوبى لمن يكافئك مجازيتك التي جازيتنا.. طوبى لمن يمسك أطفالك، ويدفنهم عند الصخرة" (مز 137). لماذا الثعالب الصغيرة؟ لأن الثعلب الصغير خفيف رشيق يقفز إلى العناقيد ويتلفها بسرعة. والحق يقال أن المشاكل الكبرى عادة تجمع وتقرِّب ما بين شعب الكنيسة أما الصغرى فتفرق بينهما.
في هذا السياق نريد أن نرصد هنا دور الثعالب الصغار في أزمة الكنيسة في أبريشية شمال فرنسا – دون الدخول في تفاصيل- كل كنائس الأبريشية وتوابعها يسودها الهدوء والسلام إلا كنيسة الملاك ميخائيل ومار جرجس بـ "فيل جويف " بين الحين والآخر تحدث احتجاجات ضد نيافية الحبر الجليل الأنبا مارك – تم سيامته أسقف عام في عام 2015م وفي عام 2017م تم تجليسه على أبريشية شمال باريس وحتى يومنا هذا– وخاصة بعد أن منع صاحب القداسة البابا تواضروس أحد الكهنة الرهبان من الصلاة لان وجوده بهذه الدولة من أجل العلاج وليس الخدمة. والحقيقة أن طريقة احتجاج البعض ضد الأسقف خرجت عن المألوف بالألفاظ والشتائم تارة وبالتهم تارة آخرى ووصل الأمر لتشغيل بعض صفحات التواصل الاجتماع وقناة على اليوتيوب. ربما اعتقد أن هناك ثعالب صغار وراء إشعال الأزمة ضد الأسقف بشكل ممنهج. والسؤال لماذا هذه الكنيسة بالذات ؟ هل تصدى الأسقف لصغار الثعالب في هذه الكنيسة؟ ومن المستفيد من هذه الأزمة؟ هل شعب الكنيسة؟ أو صغار الثعالب؟ ولماذا يتم اتهام قداسة البابا بالتواطؤ مع الأسقف
هل لأن قداسة البابا والأسقف ينتميان الى دير الأنبا بيشوي في فترة الرهبنة؟ .
كما أن دور الأسقف هو رعاية شعب أبريشيته، ودور قداسة البابا هو رعاية شعب الكنيسة القبطية عامة . فكلاهما يسعى لخدمة شعب الكنيسة.
على أية حال، ربما اعتقد أن شعب كنيسة الملاك ميخائيل ومار جرجس
لايهمه إلا القداسات ومدارس الأحد للأطفال، وبعض الخدمات التي تخص الأحوال الشخصية مثل العماد والزواج وصلاة الجناز وبعص الأوراق والمستندات التى قد يحتاجها البعض من شعب الكنيسة. الأمر يحتاج إلى هدوء من شعب الكنيسة والتفكير في حل الأزمة بشكل يتماشي مع تعاليمنا المسيحية "لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي" (سفر المزامير 91: 14-16). وأيضًا "فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ، صَابِرِينَ فِي الضَّيْقِ، مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ" (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 12).
في أزمة أستراليا استقالة الأنبا سوريـال، أسقف ملبورن عام 2019م، بعد تعبه مما وصفه بمشاكل الخدمة، التى وصلت إلى حد "تهديده بالقتل". فقدم استقالته عبر شبكات التواصل الاجتماعي وانتقل للمعيشة في الولايات المتحدة الأمريكية .وطبقًا لقانون(14) من قوانين الرسل ونصه" ليس مسموحًا لأسقف أو مطران أن يترك ايبارشيته لغيرها، ولا أن يجمع بين إبيارشيتين لأنه زوج لإيبارشيته وأب لشعبها.. " وهذا ما يطرح علينا هذا السؤال هل قدم الأنبا سوريال استقالته بسبب تهديد صغار الثعالب؟ وإذا كان ذلك كذلك فهل آن الأوان أن يعلن لنا الأنبا سوريال عن هؤلاء الصغار؟. وهل يفكر قداسة البابا تواضروس الثاني حاليًا في سيامة أسقفًا عامًا بديل لهذه الأبريشية ؟
وللأسف الشديد تتعرض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأزمات قد يكون سببها صغار الثعالب ربما من رجال الإكليروس ذاتهم. هنا نريد أن نشير إلى أزمة دير وادي الريان بالفيوم والدولة فقد كتب كاتب هذه السطور الكثير في هذه الأزمة وطرح إقتراح بوضع هذا الدير مباشرة تحت رئائسة ورعاية قداسة البابا تواضروس الثاني أو سامية قداسة البابا لأسقف يتولي أمور الدير،لمنع التخل من آخرين في شؤن الدير . لأن صغار الثعالب يصدورن لشعب الكنيسة أن قداسته لايعترف بهذا الدير ومن هنا تحدث الأزمة!! ولايفكروا يومًا فما فعلوه رهبان دير أنبا مقار في مثل هذه الظروف لدرجة أن السادات منحهم الأراضى وكثير ما كان يقول للشعب المصري تعلموا من رهبان مقار. الخلاصة أن صغار الثعالب يصدرون أن البابا وراء أزمة الدير هل يوجد إنسان عاقل يصدق هذا الكلام؟ علينا التفكير في مشاكلنا بنوع من الحكمة "ثَمَرُ الصِّدِّيقِ شَجَرَةُ حَيَاةٍ، وَرَابحُ النُّفُوسِ حَكِيمٌ." (أم 11: 30).وفي ذات السياق إعدام الراهب إشعياء المقاري، وطرحت الثعالب الصغار أفكار لو البابا فعل كذا وكذا ... لما تم إعدامه. ونسوا هؤلاء الثعالب أننا نعيش في مجتمع يحكمه قانون ويجب علينا جميعًا احترامه. وأيضًا نسوا دم إنسان بريء. حقا ثعالب صغار!
وهناك صغار من الثعالب تستخدم أوضح الإشارات للتعبير عن معارضة مؤسسة الكنيسة أو السخرية مثل القس صاحب مقولة"قداسة الماما المعظم" هل سمعنا في تاريخ الكنيسة أن قس يقول على بطريركيه هذا، وآخرون من الكهنة الرهبان حذفوا قرار المجمع المقدس- تحدث قداسة البابا تواضروس الثاني بإستفاضة في هذا الموضوع- والذي يهدف إلى تأصيل الحياة الرهبانية والحفاظ على الرهبنة وخلاصة نص القرار:"يسمح للراهب بالخدمة خارج مصر أو داخلها لمدة زمنية لا تزيد على ثلاث سنوات، ويعود بعدها إلى ديره ليواصل حياته الرهبانية، ويتعهد بذلك الراهب ورئيس ديره، والأب الأسقف الذي سيخدم معه. لأن الراهب مثل السمكة لو خرج خارج ديره يموت".
ومن الجدير بالذكر أن كثيرين من العلمانيين طرحوا فكرة ضرورة عقد مؤتمر عن "الرهبنة القبطية" من أجل عودتها إلى سابق عهدها. لإن هذه الرهبنة تعلم منها العالم قوانيها وأصولها وتقاليدها ومن رموزها الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس وأكبر دليل على ذلك في مدينة جروناو الألمانية الكنيسة والشوارع والمؤسسات والمحلات التجارية على اسم القديس الأنبا أنطونيوس.فهل تستجيب مؤسسة الكنيسة لطلب العلمانيين؟
وأخيراً، نتمنى أن يسود الهدوء والسلام مصرنا الحبيبة وكنيستنا القبطية في مصر وخارجها، وأن تعيد مؤسسة الكنيسة التفكير في الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ للحد من الأزمات التي تعرقل طريق الإصلاح الذي يسير في طريقه وهذا ما نتمناه.