كتب – محرر الاقباط متحدون
ألقى سامح شكري وزير الخارجية المصري، بيان أمام مجلس الأمن بالأمم المتحدة بشأن سد النهضة الإثيوبي، جاء فيه :
استمرت إثيوبيا في تبني موقف متعنتٍ طوال هذا المسار الشاق والمعقد وفي مراحل المفاوضات كافة. كما رفضت كل المقترحات والأفكار التي قدمتها مصر، والتي كان من شأنها ضمان قدرة إثيوبيا على توليد الطاقة الكهرومائية بأعلى مستويات ومعدلات الكفاءة مع توفير الحماية لدولتي المصب من أخطار هذا السد.
كما أبت إثيوبيا الموافقة على أية حلول أو مقترحات توافقية قدمها شركاؤنا الدوليون، واستمرت في تبني مواقف صِيغت بغرض تفادي وتجنب تحملها لأي التزام لحماية حقوق مصر والسودان أو حتى توفير الحد الأدنى من الضمانات لهما.
وقد باءت كافة محاولاتنا لرأب الصدع وبناء الثقة بين دولنا بالفشل؛ فقد وقعنا على اتفاق إعلان المبادئ عام 2015 للتأكيد على التزامنا بالتوصل إلى اتفاق عادل ومنصف هذا الخصوص.
كما قدمنا خطة لإنشاء صندوق مشترك لتمويل مشروعات البنية التحتية بهدف توسيع آفاق التعاون بين بلادنا، بل أننا اقترحنا المساهمة في تمويل هذا السد الإثيوبي بغية تحويل هذا المشروع إلى رمز للصداقة والأخوة بين شعوبنا، كما اقترحنا مد خطوط الكهرباء المصرية للمساهمة في إمداد إثيوبيا بالطاقة لدعمها في مسعاها لتحقيق التنمية.
ورغم كل ذلك، تظل إثيوبيا على تعنتها وصلفها، ولذلك أضحت دولتا المصب أكثر عرضة الآن لمخاطر هذا السد، حيث انه لا يوجد لدينا أية ضمانات مؤكدة بشأن أمان هذا السد وسلامته الإنشائية، وهو ما يعد حكماً فرضته علينا إثيوبيا بأن يعيش أكثر من 150 مليون من السودانيين والمصريين تحت تهديد محدق نتيجة لهذا السد الضخم وبحيرته العملاقة التي ستخزن 74 مليار متر مكعب من المياه دون وجود ما يطمئننا اتصالاً بسلامة السد وأمانه.
كما لا توجد لدينا أية ضمانات ضد الأضرار التي لا يمكن حصرها التي قد تنجم عن ملء وتشغيل السد أثناء فترات الجفاف التي قد تقع مستقبلاً، فعندما تأتي السنوات العجاف وينضب النهر وتتشقق الأرض تحت الشمس الحارقة وتتعرض حياة الملايين من المصريين للخطر تتنعت إثيوبيا وتصر على احتباس النهر ومنع تدفقه لتروي ظمئ دول وشعوب المصب.
وهنا يكمن لب المشكلة التي نواجهها اليوم، إن كل ما طالبت به مصر وسعت إليه هو اتفاق ملزم يتضمن وسيلة للتأمين ضد الآثار الضارة هذا السد الإثيوبي على أمن مصر المائي، وقد سعينا لتحقيق ذلك من خلال وضع آلية تستطيع الدول الثلاث بموجبها التعاون سوياً لتحمل مسئولية التبعات التي قد تسببها فترات الجفاف في المستقبل.
وللأسف، فلا تزال إثيوبيا مصممة على رفض أي اتفاق يمكن أن يوفر وسيلة مجدية لحماية مصالح دول المصب، ومن هذا المنطلق، السيد الرئيس، فإنه ليس من قبيل المبالغة أو التهويل أن أؤكد أن سد إثيوبيا يمثل تهديداً وجودياً حقيقياً لمصر؛ فدراساتنا العلمية تؤكد أن هذا السد العملاق قد يتسبب في أضرار لا تعد ولا تحصى بالنسبة لمصر. وعلى الرغم من كافة الإجراءات الوقائية التي اتخذناها تحسباً للملء الأحادي لهذا السد ورغم كافة جهودنا المضنية لحفظ مياهنا وإعادة تدوريها واستخدامها؛ فإن الضرر الذي قد ينتج عنه سوف يستشري كطاعون مزمن في شتى مناحي حياة الشعب المصري دونما استثناء.
ففي غياب اتفاق ينظم قواعد ملء وتشغيل السد، فإن هذا المشروع قد يؤدي إلى عجز متراكم للمياه بمصر يبلغ نحو 120 مليار متر مكعب، مما سيساهم بدوره في تقليل سبل الحصول على مياه الشرب النظيفة، ويحرم ملايين العاملين في قطاع الزراعة من المياه اللازمة لري أراضيهم، ومما سيؤثر سلباً على مستوى دخولهم ومعيشتهم، ويدمر آلاف الأفدنة من الأراضي الصالحة للزراعة، ويساهم في زيادة ظاهرة التصحر وتدهور النظم البيئية في دول المصب، فضلاً عن زيادة فرص تعرضها للآثار السلبية ذات الصلة بتغير المناخ.
وهو الوضع الذي لا يمكنُ لمصرَ أن تتحمله، بل لن تتقبله أو تتسامح معه.
وبالتالي، فمن الأهمية بمكان أن يبذل المجتمع الدولي كل جهدٍ ممكن، بما في ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة من خلال مجلس الأمن، لاستباق هذه الاحتمالية ومنع تحول السد الإثيوبي إلى تهديد وجودي لمصر.
ويتطلب ذلك قيام المجلس بمطالبة الأطراف – وبشكل لا لبس فيه – للعمل على الوصول إلى اتفاق منصف، وفي إطار زمني محدد، وتشجيعها على العمل الصادق ودون مواربة لتحقيق هذا الهدف المنشود.
وإذا لم تتحقق هذا الغاية وإذا تضررت حقوق مصر المائية أو تعرض بقائها للخطر فلا يوجد أمام مصر بديل إلى أن تحمي وتصون حقها الأصيل في الحياة وفق ما تضمنه لها القوانين والأعراف السائدة بين الأمم ومقتضيات البقاء.