بقلم :يوسف سيدهم
منذ ظهور وباء كورونا في شتاء عام 2019 -وخلافا لتاريخ طويل من الأوبئة التي حلت بعالمنا وبالبشرية- لم تتوقف الاجتهادات بين المتخصصين والعامة حول منشأ كورونا وهل الفيروس الحامل له والمسمي كوفيد-19 ظهر بشكل عشوائي طبيعي… أي تبلور في جسم فصيلة أو أكثر من الحيوانات ثم انتقل إلي الإنسان؟… أم أنه فيروس ثم تخليقه معمليا ضمن خطط الحروب الكيماوية الفتاكة بالبشر؟… وعلي ضوء ذلك انتشرت نظريات المؤامرة.. منها ما يقول إنه بعد تخليقه معمليا خرج عن حدود السيطرة وتسلل إلي البشر, ومنها ما يقول إنه تم نشره عن عمد.. هذا بخلاف اتهام الصين بأنها وراء تلك المؤامرة باعتبار أن بداية ظهور الفيروس كانت في بلدة ووهان الصينية.. وغني عن القول إن معظم هذه المهاترات كانت متزامنة مع نهاية فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق ترامب وما تميزت به من درجات غير مسبوقة من جموح التصريحات وافتعال المشاكل والمواجهات.
ثم انتقلنا من مرحلة نظريات المؤامرة حول منشأ كوفيد-19 إلي مرحلة أكثر غرابة -بل لعلها أكثر رعبا- مع بداية ظهور اللقاحات الواقية ضد كورونا.. فبعد الإعلان عن ظهور نوعين من اللقاحات: الأول ما سمي بالتقليدي وهو الذي يعتمد علي حقن الجسم بالفيروس الذي تم تحييده أو شل تأثيره ويعمل علي استفزاز الأجسام المضادة لمقاومته وبالتالي خلق المناعة المطلوبة للحماية منه.. أما الثاني فهو نوعية جديدة تم تقديمها علي أنها تعتمد علي حقن الجسم بخلايا جينية دقيقة تتعامل مع الخلايا الجينية الخاصة به لترفع من خصائصها في رصد ومحاربة الفيروس.. وهنا ظهرت نظريات المؤامرة الثانية التي تتحدث عن خطة مرعبة لاستخدام ما يسمي باللقاح لحقن البشر بتكنولوجيا حديثة تدخل أجسامهم وتتعرف علي سائر خصائصهم وتحولهم إلي شبه مخلوقات مبرمجة يتم إلغاء إدراكها وإرادتها الحرة وتوجيهها لخدمة أغراض محددة وأهداف تآمرية لمن يقفون وراء تلك الأنواع من اللقاحات.
لكن بالرغم من الوطأة الثقيلة لنظريات المؤامرة هذه ظللنا نحن في وطني كمواطنين أولا وكعاملين في أسرة الإعلام نستشعر مسئوليتنا في عدم الانصياع لتلك النظريات لأنها غير مبررة ولا تستند إلي أسانيد أو أدلة دامغة, وكان ذلك هو موقفنا وتلك كانت سياستنا التحريرية.. ومضت الأيام والأسابيع والشهور وأخبار كورونا متحكمة في حياتنا إلي أن طرأ جديد غير متوقع لا يمكن تجاهله… جديد منسوب إلي مصدر رسمي وموثق بالصوت والصورة!!
في 19 يونيو الماضي تم بث مقطع فيديو تتحدث فيه السيدة مارجوري تيلور جرين عضوة الكونجرس الأمريكي ويتصدره عنوان مقلق ملفت هو: قرار إقالة الدكتور فاوتشي وإحالته إلي المحاكمة… وقبل أن أخوض في مضمون مقطع الفيديو دعوني أقول إن المعني بالقرار هو الدكتور أنتوني فاوتشي (مواليد 1940/12/24) الطبيب الأمريكي ذائع الشهرة والذي يشغل منصب رئيس المعهد القومي الأمريكي لأمراض الحساسية والأمراض المعدية والأوبئة والمستشار الطبي لرئيس الولايات المتحدة… وهو شخصية محورية في رسم سياسات بلاده في مواجهة فيروس كورونا وتقييم كل ما يتعلق بالشعب الأمريكي من حيث التدابير الاحترازية وسياسات الإغلاق والتلقيح… ومن أهم معالم هذه السياسات الآتي:
- تاريخ اليوم 4 يوليو 2021 هو المستهدف للانتهاء من تلقيح 70% من البالغين من الشعب الأمريكي بجرعة واحدة علي الأقل من أجل تحقيق ما يسمي بمناعة القطيع والاقتراب من الهدف النهائي للقضاء علي الجائحة.. مع تحفظ أن العقبة الوحيدة التي يمكن أن تحول دون إدراك ذلك الهدف هي عدم تلقيح الفئات العمرية الأقل (18-26 سنة والأقل عمرا).
- الولايات المتحدة ليست متأكدة من أن كوفيد-19 ظهر وتطور طبيعيا وأنه يجب أن تستمر تحريات منظمة الصحة العالمية لبيان طبيعة الفيروس وهل يمكن أن يكون نشأ وتسلل بعد تخليقه معمليا في معامل ووهان الصينية؟.. هذا بالرغم من إقراره أن منظمة الصحة العالمية سبق أن أعلنت أن نتيجة تحقيقاتها في الصين تؤكد أن فيروس كوفيد-19 نشأ بشكل طبيعي ومن غير المحتمل أن يكون قد تم تخليقه معمليا وأن التشكيك في ذلك يتطلب مرحلة ثانية من التحريات والتحقيقات.
هذا عن مواقف وسياسات الدكتور أنتوني فاوتشي.. فماذا حدث وأدي إلي صدور قرار لجنة الكونجرس الذي تم بثه في مقطع الفيديو والذي أفادت من خلاله المتحدثة بالآتي:
أنا فخورة جدا برعاية قانون إقالة فاوتشي, وأنا ممتنة لزملائي هنا لمشاركتهم في رعاية هذا القانون, لأن الشعب الأمريكي يستحق إجابات علي أسئلة كثيرة.. إقالة فاوتشي ستؤدي إلي تخفيض راتبه إلي الصفر, كما سيطلب من مجلس الشيوخ ترشيح شخص آخر لملء منصبه.. الدكتور فاوتشي لم ينتخب من قبل الشعب الأمريكي ولم يتم اختياره ليقود اقتصادنا, ولم يتم إعطاؤه السلطة ليتحكم في أسرنا وتعليم أبنائنا, لكن مع ذلك سيطر علي حياتنا بشكل كبير خلال العام الماضي.. هناك الكثير من المعلومات التي يجب الكشف عنها بشأنه, وهناك في رسائل البريد الإلكتروني الخاص به والتي وردت إلينا ما يشير إلي أنه مدين للشعب الأمريكي بل للعالم بالكثير من الإجابات.. هذه رسائل يجب أن نتأكد منها لأن الجمهور عاني كثيرا من سياسات الإغلاق وتعطيل الأعمال وعاني الناس من الاكتئاب ومن العواقب الصحية خاصة الذين فقدوا حياتهم في المستشفيات ودور رعاية المسنين.. علاوة علي تأخر تعليم أولادنا لمدة عام.. هناك الكثير الذي تتحتم معه مساءلة الدكتور فاوتشي بخصوص سياساته التي تتغير باستمرار, كما تجب مساءلته وجميع المتورطين معه حول ما إذا كانت أموال الضرائب الأمريكـية قد ذهبت إلي مختبر ووهان الصيني ومولت بالفعل هذا الفيروس.
*** كما قلت.. نحن لا نندفع ولم نندفع وراء نظريات المؤامرة.. ولكن أمام مقطع فيديو لجنة الكونجرس الأمريكي هناك ما نقف حابسين أنفاسنا مترقبين ما سوف تكشف عنه الأيام المقبلة.