هاني صبري - المحامي
يعتبر التنمّر الإلكتروني سلوك عدواني وغير مرغوب فيه، والذي يقوم على استخدام شبكة الإنترنت لإلحاق الأذى بالآخرين والإساءة لهم؛ من خلال نشر أو مشاركة محتوى سلبي وضارّ عن شخص ما، ويتضمن مشاركة وتبادل المعلومات والصور الشخصية لشخص مما يعرضّه للسوء والإهانة والإحراج، كما تتضمن مهاجمة الأشخاص وتهديدهم وغير ذلك، وذلك من خلال استخدام الهاتف المحمول، والحاسوب، والرسائل النصية، والتطبيقات، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاته والمنتديات وغير ذلك الكثير، ومن أكثر المواقع التي يتعرض فيها الأشخاص للتنمر الإلكتروني هو موقع فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، وسناب شات، والبريد الإلكتروني؛ ياهو أو الهوتميل.
أن الاستخدام السئ لوسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاته يجد الشخص نفسه مرتكبا لوقائع تشكل جرائم تضعه تحت طائلة القانون، من بينها نشر الأخبار الكاذبة والشائعات، والسب والقذف والتحريض على العنف، والإساءة للآخرين ، والتنمّر وغيرها من الجرائم، ويقع المستخدم في قبضة العدالة بمجرد رسالة تحتوى على كلمة واحدة في كثير من الأحيان.
حيث إن شبكة الإنترنت وتنوعات مجالاتها أصبحت جزءًا من الحياة اليومية فى العالم لاعتبارها من أكثر الوسائل المستعملة للتعارف بين الناس، وهو ما جعل الناس يعتقدون أنها فضاءً مباحا ومنطقة فوق القانون وهذا الاعتقاد غير صحيح.
إن القانون مسئولاً عن وسائل الاتصال الخاص بك وعن صفحتك الشخصية علي مواقع التواصل الأجتماعي وتطبيقاته، لذا فأنت تتحمل كامل المسئولية القانونية عن محتوياتها. والاستخدام السئ لها قد يقودك للحبس أو الغرامة.
وتخضع جرائم النشر لمواد قانون العقوبات المادة 102 والمواد من 171 حتى المادة 191 وتكون عقوبتها الحبس والغرامة.
فالواقع الإلكتروني والعالم الافتراضي أفرز العديد من التجاوزات عن طريق الاستخدام غير المشروع لمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقاته، فتحول بعضها إلي الدعوة للأعتداء علي الحريات الشخصية وشرف الأشخاص واعتبارهم ، والتنمّر ، أو مخالفة النظام العام أو الآداب العامة.
نتناول قضية التنمّر الإلكتروني حيث تُشتق كلمة التنمّر لغوياً من اللفظ نَمِرَ بمعنى غضِب وساء خُلقه وأصبح يُشبه النمر الغاضب، ويُعرّف التنمّر بأنّه شكل من أشكال الإيذاء والمضايقة المُتعمّدة من فردٍ أو مجموعة لشخصٍ ما باستخدام الكلمات اللفظيّة البذيئة ، أو التسبّب بالإيذاء الجسدي، أو النفسي، أو الاجتماعي، باستغلال قوتهم وسلطتهم، وضعف الضحيّة وعدم قدرتها على إيقافهم.
أن التنمر سلوك سلبي يحدث عند سوء استخدام القوة والسلطة ، ويُبنى على سلوكيات يمكن أن تتسبّب بأضرار للآخرين ؛ حيث إنّه يُصنّف ضمن السلوكيات العدوانية.
هناك أسباب عدة للتنمر منها الخلافات العائلية التي تؤثر سلباً على المجتمع ، بحيث ينقل المتنمّر ما اختبره في بيئته المنزلية السيئة إلى غيره من الناس بهدف إيذائهم وجعلهم يشعرون بنفس المشاعر السيئة التي أُحيط بها المتنمر في منزله نتيجة نموّه ضمن بيئة خالية من حوافز النمو الصحي، حيث تجعل منه شخصاً يفتقر لمهارات التواصل الاجتماعي مع الغير، والشعور بالغيرة: يتعمّد المُتنمر إيذاء الناس عندما يتحوّل الاهتمام والحب لشخص آخر سواه بهدف إثبات الذات. وعدم القدرة على تشكيل صداقات: وتُساهم الصداقة في تقليل التنمّر في المجتمع، حيث إنّ معظم المتنمرين ليس لديهم علاقات صداقة متينة ، ومن خلال التنمّر يحاول المتنمّر البحث عن السلطة، وإثبات الذات عن طريق الإجبار، وعدم الاهتمام بمشاعر الغير أو فهمها، وغالباً ما يرى الشخص المتنمّر نفسه بطريقةٍ إيجابية وتبني لديه نوعاً من الشعور بجنون العظمة وهذا تصور ذهني خاطئ عن نفسه.
وأن أنواع التنمّر الإلكتروني التي يستخدمها الأشخاص لإلحاق الآذى بالآخرين، عديدةً منها : المضايقة: وذلك من خلال إرسال رسائل غير مهذبة ومُهينة ومسيئة للآخرين، أو كتابة تعليقات من هذا النوع. تشويه السمعة: وذلك من خلال إرسال معلومات مزيّفة وغير صحيحة عن شخص ما، أو مشاركة صورة بهدف السخرية ونشر الشائعات حوله. الانتقاد: في حالة التنمّر الإلكتروني يكون الانتقاد على شكل التكلّم مع الآخرين بتطرف وبشكل مهين، الخداع: حين يقوم المتنمّر بخداع شخص ما للكشف عن أسراره ثمّ نشرها وإرسالها إلى الآخرين.
وآثار التنمّر الإلكتروني على الأفراد مع اتساع دائرة التنمّر الإلكتروني أصبح يشكل تهديداً حقيقياً على الأشخاص الذين يتعرضون له، فطالما أن الضحايا لديهم القدرة على الوصول إلى الهاتف أو شبكة الإنترنت فهم معرضون للإساءة والآذى من المتنمرين، وبالتالي فهم يشعرون بالخوف والقلق دائماً، وربما يؤدي بهم الأمر إلى التفكير بالانتحار وربما الانتحار فعلياً، فالعيش في الخوف والخجل هو أمر خطير جداً يخلّفه التنمر الإلكتروني.
ينتهك الشخص المتنمر ويتجاوز حقوق عدّة ضد الآخر وذلك نتيجة ممارسته لسلوكياته المؤذية بشتّى أنواعها، ومن أهم الحقوق المنتهكة ما يأتي.
الحق في العيش في بيئة آمنة تخلو من جميع أنواع العنف.
الحق في الحصول على مكان عمل هادئ خالٍ من المضايقات والإزعاج.
الحق في ممارسة الجانب الترفيهي في بيئة آمنة.
الحق في التعليم. الحق في الخصوصية. الحق في مشاركة الرأي.
جدير بالذكر إن القانون تصدي لظاهرة التنمّر في المادة (309 مكرر ب ) من قانون العقوبات، لخطورته علي المجتمع ولأنه شكل من أشكال الإيذاء والإساءة الموجه ضد الآخر ومرفوض شكلاً وموضوعًا ويشكل جريمة فى حق الإنسانية قبل أن تكون جريمة جنائية، ولابد من اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم، فمن غير المقبول حدوث مثل هذه التصرفات داخل مجتمعنا.
ويعرف "التنمّر" وفقاً للقانون بأنه كل قول أو استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسىء للمجني عليه، بسبب اللون أو الجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي.
وقد حددت المادة (309 مكرر ب ) من قانون العقوبات عقاب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتشدد العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على مائة الف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر أو كان الجاني من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه.أو كان مسلماً إليه بمقتضى القانون أو كان خادماً لدى الجانى ، ومضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين، وفى حالة العودة تضاعف العقوبة فى حديها الأدنى والأقصى.
ناهيك عن إن جميع الأديان ترفض التنمّر باعتباره شكل من أشكال الإساءة والإيذاء والسخرية.
لذلك يجب التعامل بكل حزم وفقاً للقانون لمواجهة ظاهرة التنمّر لأنها تشكل خطراً يهدد المجتمع ، ولابد من وجود اتجاه اجتماعي للتوقف عن التنمّر، ولا سيما أن الكثيرين لا يعرفوا معنى التنمّر، إذ أننا نتعامل مع هذا الفعل باعتباره سخرية أو فكاهة، لكن في الحقيقة يتعلق الأمر بجريمة مكتملة الأركان، تؤثر بشكل كبير وضخم على ضحية التنمّر.
وبناء عليه نناشد مجلس النواب الموقر تغليظ عقوبة التنمّر لمواجهة تلك الظاهرة.
كما نناشد كافة الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني التوعية بمخاطر ظاهرة التنمر والقضاء عليه وأن تتكاتف كافة الجهود لمواجهته.