كمال زاخر
٣٠ يونيو ٢٠٢١
كان الوقت مبكراً والعام ١٩٩١ يلملم أيامه، والشارع القبطى على صفيح ساخن؛ وقد اربكته أخبار تعلن خروج راهب من ديره ومن رهبنته، وهو الذى نجح قبلاً فى ان يكون نجماً فى فضاء خدمة الشباب، سواء عبر الاجتماعات العامة التى يعقدها لهم أو مؤتمراته التى يقصدها آلاف الشباب قادمين من اقصى البلاد الى اقصاها، حتى يضيق بهم دير بياض ببنى سويف، او عبر كتيباته الصغيرة التى تنفذ فور طرحها، بلغة غير مسبوقة التى تجمع بين النسق الروحى والحكايات الموجزة والعرض الذى لا يجهد القارئ، او سلسلة كتبه التى تناقش اشكالياتهم بمفردات لم تعتدها الاصدارات الدينية وقتها.
هذا التحول الصادم او قل الإنقلاب كان مدعاة للبحث فيما وراءه وعنه، وعكفت على ذلك لشهور، انقب وابحث عسى ان افكك خيوط الحكاية.
هالنى ما تجمع عندى، حكايات ومعلومات وشهادات اختتمت بلقاء شخصى مع مفجر الأزمة وصانعها، اثمر عن حوار لا تنقصه المواجهة والصراحة.
فى ركن قصى من بيتى ولأيام عديدة، امتد ليلها، يصاحبنى فيها الأرق ويجافينى النوم، جمعت كل تلك الأوراق، التى تمثل طريق الآلام، الذى زلت قدماى إليه، وكان السؤال الذى أرقنى، ولا يزال، عن الأسباب وعن العلاج.
كانت الأوراق، بجوار تفاصيل الحكاية، تحمل اسباب الأزمة، وتشير الى المخارج والحلول.
استودعت الحكاية، التطورات والحوار والأسباب وتصورى فيما احسبه مخارج، فى كتيب صغير، يشبه تلك السحابة التى رآها غلام ايليا والتى كانت قدر كف، بعد سنوات جفاف طالت، ورآها معلمه اشارة لمطر جارف قادم.
حمل الكتيب عنوان (الأب دانيال؛ المصداقية، الإختراق، النكوص). وكانت الكلمات على ايجازها تعبر بدقة عن ابعاد الأزمة، ليس فقط فى حكاية هذا الراهب بل وفى طيف غير قليل من اقرانه، لا فى زمن الحكاية فقط، ولكن حتى اللحظة.
وكان الغلاف ايصاً معبرا عن مضمونه بريشة صديقى الفنان الراحل المهندس اسحق (فايز) بطرس الذى افتقده كثيراً
طرقت باب سكرتارية قداسة البابا وتركت لقداسته أول نسخة من الكتيب، وعدت ادراجى لأعود من حيث اتيت.
بعد اقل من أسبوع اتلقى اتصالاً من صديقى وابنى الشاب - وقتها - ابونا ابرآم نسيم بأن الأنبا بيسنتى اسقف حلوان وسكرتير قداسة البابا جاء الى كنيستنا بالقللى وهو مكلف من قداسة البابا بمقابلتى بشأن الكتيب.
هرعت للكنيسة والتقيته ودار حوار قصير لكنه كاشف لكثير من طبيعة تلك المرحلة، قد يأتى وقت مناسب للكلام عنه، انتهى اللقاء الى انه سيعرض على قداسة البابا ما اسفر عنه هذا اللقاء وان البابا (مهتم جدا) بما جاء بالكتيب وأنه سيخبرنى بموعد قريب لألتقى قداسته فى الكاتدرائية.
تحدد الموعد وكان بالكاتدرائية يوم اربعاء قبيل الاجتماع الاسبوعى لقداسته، وقدمنى الاب الاسقف لقداسة البابا فى فترة ترتيب الأسئلة السابقة على المحاضرة، بادرنى قداسته بوجه بشوش آسر بثناء على الكتيب وأنه كلف طلبة الإكليريكية بقراءته، وواصل كلامه لى؛ أنه لابد من ان اجئ مرة أخرى لمقابلته بمكتبه لحديث تفصيلى طويل، ونبه على سكرتيره بتحديد موعد قريب ويكون قبل الصيام. على ما اتذكر كان صوم الميلاد على الأبواب.
وتجرى فى النهر مياه كثيرة، ولم يتحدد الموعد ولم يتم اللقاء، فقد كانت رغبة البابا فى مسار وكانت رغبة السكرتارية فى مسار معاكس، وكانت السكرتارية تشهد حركة تغييرات غادرها اسقف حلوان وقادها اسقف جديد.
كان الكتيب يحمل جنين ما صدر لى فيما بعد من اصدارات بامتداد ثلاثة عقود، وسوف اعرض محاوره فى مقال تال.