كمال زاخر
حين كنت فى المدرسة الإبتدائية كنت اتشوق للانتقال الى المدرسة الاعدادية واستبدل المريلة بالقميص الأبيض والشورت.
ويتكرر نفس الشغف لاستبدلهما بالقميص والبنطلون الطويل فى الثانوى، وظللت متسمراً لدقائق أمام برج ساعة جامعة القاهرة منبهراً بمناخها الأكثر براحاً.
وعبر سنواتها الاربع تتشكل وتتبلور رؤيتى للحياة واخرج منها الى فضاء العمل الخاص، والعمل العام، واتزوج ويحيط بى ابنائى واقفز لاهثاً وراء التحقق، ترافقنى الدهشة والصدمة، وعندما اركن الى الراحة، او ما ظننتها هكذا، اكتشف اننى جئت الى عالم لا أعرفه، ولا يعرفنى، حروفنا وابجدياتنا واحدة لكننا لا نتكلم لغة واحدة، ولا تحمل الكلمات نفس المعانى، حتى الأحلام لا تلتقى.
إذا بالشغف يعاودنى، وانا اتشوق مجدداً لأستبدل هذا الرداء الثقيل الذى رافقنى لنحو سبعين سنة ويزيد برداء جديد مؤهل لحياة أخرى، بعيداً عن الأرض، استوطن به عند الرب...
اجدنى مدينا باعتذار لردائى الأول وقد ارهقته بمعاركى وأمراضى وقلقى ولم اخلد به الى راحة كان يستحقها... يقينى انه سيجدها معى هناك، وقد التحف بالرداء الجديد.
لم انظر يوماً خلفى غاضباً أو ناقماً، فقد استمتعت، رغم كل ما عانيته، بالتصالح مع نفسى ومع اختياراتى ومعاركى، وحسبى اننى حاولت ان اقاوم ذاك الظلام المقدس، والقيت بعض بذور الاستنارة فى ارض تم تجريفها...