يخضع طفل الترامسة الذي عاش فى مصر منذ أكثر من 50 ألف سنة، كما يرجح بعض الأثريين للترميم الدقيق بمتحف الحضارة؛ نظرا لحالة الهيكل السيئة للطفل الذي توفى فى عصور ما قبل التاريخ فى أحد جبال الصعيد "تل الترامسة" أثناء قيامه بالعمل مع عائلته فى جلب الحصي والزلط؛ لاستخدامه فى حياته المعيشية آنذاك

 
وقال الدكتور خالد سعد مصطفى، مدير عام الإدارة لآثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار لــ"بوابة الأهرام"  إن أهمية طفل الترامسة ترجع إلى أنها ستقدم  صورة حية لتطور سلالة الأجناس البشرية، مؤكدا أن الطفل الذي يقبع هيكله العظمى بمتحف الحضارة كان يبلغ من العمر ما بين 8 سنوات  لأكثر حين موته، وأرجحت الدراسات حتى الآن أنه مات وهو يعمل فى محجر بجبال الترامسة لاستخراج الزلط.
 
لا توجد جثة كاملة لطفل الترامسة الذي يشغل عقول الأثريين، كى يهتدى الأثريون لسبب وفاته، فلا يوجد فى الجثة ما يشير لقيام آخر بتدبير حادثة قتل له، ولا توجد أى ترجيحات حول انهيالات صخرية ورملية على جسده أدت لوفاته ، فلم يبق منه سوى دماغه الصغير.
 
ويوضح  الخبير الأثري خالد سعد أن طفل الترامسة تم اكتشافه فى تسعينيات القرن الماضي، خلال حفائر لبعثة بلجيكية، حيث تم اكتشاف جمجمته فى الحُفر التى كان يستخرج منها الزلط فى عصور ماقبل التاريخ، مضيفا أن رمال الصحراء فى تل الترامسة ساعدت فى الحفاظ على عظام طفل الترامسة من التآكل، حيث لم يكن علم التحنيط قد ظهر بعد فى مصر .
 
وقرية الترامسة فى زماننا الحاضر تتبع مركز قنا بصعيد مصر، وهى قرية قديمة تتواجد بجهة الغرب من قنا، وهى محصورة بين جبال وبالقرب منها معبد دندرة، إلا إن علماء آثار ما قبل التاريخ يؤكدون أن الجغرافية كانت مختلفة، حيث أكد الدكتور أبوالحسن بكري، أستاذ ما قبل التاريخ بجامعة القاهرة ومن خلال صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، أن المحاجر كانت منتشرة على طول نهر النيل حتى وادى حلفا، وكانت الطبيعة مختلفة فى مصر ما بين برك ومستنقعات، حيث كانت تشبه مناطق السافانا الحالية، تنمو فيها النباتات والحشائش والأعشاب والأشجار في الوديان والمنخفضات عند البرك والبحيرات والنهيرات الصغيرة التى كانت تجري في اتجاه وادي النيل
 
وأوضح بكري أن الإنسان كان مجبرا على الذهاب للمحاجر؛ لصنع أدوات تساعده على الحياة كى يصنع منها رؤوس الحراب والسكاكين وغيرها، حيث كان الزلط أو حصى الظران يستخدم كأدوات، مؤكدا أن طفل الترامسة يعد من بين أقدم البقايا البشرية التي تم اكتشافها بمنطقة وادي النيل، وهو ينتمي إلى العصر الحجري القديم الأوسط
 
قبع طفل الترامسة  بعد استخراجه ، فى مخزن آثار مدينة قفط بقنا، والذي يضم أكثر من 3 آلاف قطعة أثرية، حتى تمت الموافقة للدكتور أشرف أبواليزيد أحد المتخصصين فى دراسات ما قبل التاريخ لوضعه فى متحف الحضارة؛ ليخضع لإجراء الدراسات عليه، وكذلك للترميم حيث يوجد فى صندوق بسبب حالة الطفل السيئة، ويؤكد الأثريون أن أهمية الدراسة عنه تكمن فى أنها تؤرخ لهجرة الإنسان العاقل من إفريقيا عبر وادي النيل ومصر إلى بلاد الشام، ثم آسيا وأوروبا.
 
وأوضح الخبير الأثري خالد سعد مصطفى أن حضارة الترامسة سبقت حضارة نقادة، إلا أن حضارة نقادة استخدمت الفخار؛ لذا يتم تدريسها ،خلاف حضارة الترامسة التى كانت الأقدم ولم تستخدم الفخار، مؤكدا أن طفل الترامسة مقارب لإنسان الكوبانية الذى مهد  لظهور الإنسان العاقل أيضا، مؤكدا أن الأقوام التى طورت حضارة نقادة هى التى قدمت من الصحراء على جانبى الوادى.
 
ومنذ ٧ آلاف سنة قبل الميلاد، بدأ الإنسان فى التحضر وحياة الاستقرار، ولكن هذا صار ببطء، حيث استقرت أقوام فيما قررت أقوام أخري الترحال.
 
وأضاف أن الجثث خلال العصر الحجري الحديث، كانت توضع فى وضع مثنى وتُدثر بجلد أو حصير، ويتجه الرأس ناحية الجنوب والوجه ناحية الغرب، أما طفل الترامسة الذي لم تتبلور فيها الدفنات، وكانت أسبق بفترة زمنية من حضارة نقادة، فتم وضعه فى ذات الحفرة التى مات بها وهو يحاول استخراج الزلط؛ لصنع أدوات تساعده على الحياة فى عصور ما قبل التاريخ.