السبت ١٨ اغسطس ٢٠١٢ -
٠٠:
١٢ ص +02:00 EET
بقلم: محمد حسين يونس
((الغرب و المسألة الدينية في الشرق الاوسط ))
التقيت بالاستاذ سمير مرقص عدة مرات في مركز الفسطاط للدراسات حيث كان يشارك في الندوات أو الدراسات التي يديرها المركز .. و لفت نظرى أنه كان دائما ما يغلب عليه الصمت ، يستمع بعمق و فهم للاخرين و اذا تكلم فليغير دفة الحديث بملحوظة ذكية أو تعليق يظهر جانبا غير مطروق من المشكلة فيكسب الحوار حيوية و دفئا .
كنت أعجب من هذا الصمت و تلك النظرة الحزينة حتي قرأت كتابه (( الحماية و العقاب )) الصادر عن ميريت مع مطلع القرن الحادى و العشرين فجاء كأبلغ تعبير عن هموم مواطن مصرى عاشق لوطنه يرى المخاطر محيطة به من الخارج و الداخل و لا يملك الا الصمت
(( و هكذا يجد الاقباط انفسهم أمام واقع متناقض ، تناقض بين ما يقال و معلن و بين ما يمارس عمليا ، تناقض بين ما هو منصوص عليه و يتضمن قيما ايجابية اختبرت تاريخيا و بين تطبيقات مخالفة حاليا ، تناقض بين توقعاته في ضوء الخبرة التاريخية و التراث المصرى لوحدة الجماعة المصرية و بين ما يراه أمامه علي أرض الواقع .
ان الاقباط يصبحون في النهاية أمام أمرين ، اما التواجد و المشاركة و استكمال المسيرة الوطنية مما يعني الصدام ، وبين الانسحاب حفاظا علي وحدة الجماعة و سلامتها فنجده يؤثر الانسحاب )).. و أثر سمير مرقص الصمت !! و لا أقول الانسحاب .. ان الشجاعة و الذكاء التي يواجه بهما المؤلف واقعنا الغير مفهوم( في ذلك الزمن و حاليا ) تهمنا جميعا تهم المسلم و القبطي الاصولي و العلماني بمعني آخر كيف يحدث هذا بيننا و لا نتحرك لمواجهته كما سنتابع من خلال الكتاب الهام الذى بين أيدينا .
من هم الاقباط !! سؤال يطرحه المؤلف و يجيب عليه ..(( انه بمراجهة مضمون ما يثار حول الاقباط نكتشف أن هناك اخفاقا في فهم الاقباط .. و من ثم الطروحات التي تبني علي الفهم الخاطيء .. فنجد من ينطلق من أرضية أنهم ( ذمة ، ملة) و عليه يعيد طرح قانونية وضعهم السياسي ( الطائفيون ) و هناك من من يقترب منهم مدافعا عن حقوقهم مطالبا بأشكال عدة لحمايتهم باعتبارهم أقلية ( الاقليون ) )) ثم يصيح المؤلف بأعلي صوته (( ان تعبير أقباط يعادل كلمة مصريون و الراجح ان كلمة قبط هي تحريف عن الكلمة اليونانية ايجيبتوس )) (( الاقباط حسب عزيز سوريال ينحدرون من المصريين القدماء في ملامحهم و صفاتهم الجسمية )) (( ان الاقباط ليسوا ساميين أو حاميين بل بحر متوسطيين )) . لماذا يصيح سمير هكذا لتوصيل معلومة أصبحت منذ زمن بعيد حقيقة لا جدال فيها !! .
لان هناك من يدعو للجهاد ضدهم مثل الاستاذ عبد الجواد ياسين في كتابه (( مقدمة في فقه الجاهلية المعاصرة )) فهو يكتب كما أورد سمير عام 2000 و أصبح شائعا الان بعد الهجمة الاصوليه علي بلادنا و الت جعلت من هم امثال هذا النموذج يملأون الدنيا سخفا و صياحا ..(( ان المجتمع المصرى اليوم في حقيقة أمره مجتمع جاهلي محصنا و أن الدعوة اليومبصدد التوجه الي هذا الشعب بالاسلام من جديد .. و ان الدعوة عليها أن تنهض بفتح مصر من جديد ، الجهاد و الفتح هما وسيلة الاسلام لابلاغ الناس و دعوتهم ... أ/ا القبط فينبغي أن يشعروا بقوة الاسلام و عظمته و سموة و بره و خيره و كرمه و سماحته أى وضعهم في حالة تدفعهم علي الجملة للدخول فيه اختيارا )) ..أى فكر مدمر هذا الذى كتبه الاستاذ عبد الجواد و عرضه الاستاذ سمير مرقص في مطلع القرن الحادى و العشرين .. لهذا يسرد علينا المؤلف في جزء كبير من كتابه تاريخ الاقباط في مصر كمحاولة لاقناعناأنهم مواطنون مصريون لهم كافة الحقوق و عليهم كافة التزامات المواطنة مثلهم مثل باقي أفراد هذا الوطن .
((كان الثلث الاخير من القرن الاول الميلادى حين وجدت البلاد تتردى في هاوية الحروب الاهلية و لم يلبث أنظهر عامل جديد في الافق حول الشعب المصرى من شعب وديع مسالم الي شعب عنيد مقاوم ذلك العامل هو ظهور المسيحية في مصر و انتشارها )).. نعم لقد حدث هذا فجميع المراجع التاريخية تؤكد أن غالبية المصريين كانوا في ذلك الزمن مسيحيين و بالتلي أسسوا كنيستهم (( كانت كنيسة الشعب فهي لم تؤسس بقرار علوى و لم تدعم من حاكم قط )) (( ومنذ بداية تأسيس الكنيسة حدث تطابق بين الموقف الديني و النزعة القومية )) (( ظلت الكنيسة المصرية تلعب دور القيادة الوطنية و الاطار الحامي للشخصية المصرية الوطنية و المدافع عنمصالحالمصريين )) (( و عبر قرون طويلة كانت مصر مستعمرة تابعة لدولة عظمي و لكن لها كنيسة مستقلة فأصبحت رمزا للاستقلال القومي في غياب استقلال سياسي حقيقي )) الاقباط المصريون خلال هذا الزمن لاقوا ما لم يلاقيه بشر (( ضربت أعناق ما يقرب من مليون مسيحي مصرى و قابل المصريون ذلك الاضطهاد من جانبهم بكل ما أوتوا من قوة و عناد و قد تولدت من تلك المقاومة حركة قومية أخذت في النمو . اى فخر يشعر به المصرى و هو يتصفح كتاب كفاح أجداده القبط ضد الاستعمار الروماني و ضد المحاولات المستميته للاحتواء التي حاول الاباطرة فرضها عليهم فتمسكوا يقوميتهم و دينهم ليطلقعليهم الارثوذكس أى مستقيمي الرأى
في مقال جديد سوف استكمل مناقشة كتاب الاستاذ سمير مرقص الكاشف لدور امريكا في اللعب بالدين و تفتيت الوحدة الوطنية.. و الممتع في نفس الوقت رغم انه لم يلتفت له أحد و الا كنا وفرنا علي انفسنا ما يحدث علي ارض مصر الان من تمزق.ِِ