عاطف بشاي
كان من الضرورى والحتمى والملح، أن يشمل مصر- التى تتغير بفضل مشروعات قومية عملاقة، تشى بنهضة غير مسبوقة فى مجالات عديدة مختلفة- تغير إعلامى يرسخ لاتجاه جديد، أُعلن من خلال مؤتمر عقدته الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، لإصلاح نهفو أن يكون جذريًا وشاملًا، لرأب الصدع الذى لمسناه فى متابعاتنا السابقة للمحتوى المتراجع والحصاد الهزيل، فيما يتصل خاصة بالإنتاج الدرامى. وإن كانت مقارنة هذا الحصاد بإنجازات سابقة لقطاع الإنتاج، فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون ومدينة الإنتاج الإعلامى وشركة صوت القاهرة التى توقفت عن الإنتاج منذ سنوات، وتم استبدالها بالكيان الجديد- تشعرنا (تلك المقارنة) بالحسرة والمرارة والأسى، حينما تستدعى الذاكرة إبداعات عظيمة باقية فى الزمن، قدمتها أجيال سابقة راسخة فى تاريخ الدراما المصرية، أثرت عقل ووجدان وضمير المتلقى المصرى والعربى بما طرحته من قضايا اجتماعية وفكرية وسياسية وفلسفية هامة، عالجت فيها هموم المواطن المصرى وأوجاعه ومعاناته وأحلامه، وتطلعاته التى تمس حياته اليومية.. وواقعه المعيش.. ومصيره الإنسانى وإشكالات عصره.
فمن ينسى الدرر الثمينة «ليالى الحلمية» و«أرابيسك» و«الراية البيضا» و«رأفت الهجان» و«لا» و«دموع صاحبة الجلالة» و«بوابة الحلوانى» و«أم كلثوم» و«تاجر السعادة،»، والمؤلفين الكبار أمثال «وحيد حامد» و«جلال عبد القوى» و«أسامة أنور عكاشة» و«يسرى الجندى» و«محسن زايد»، والمخرجين المبدعين أمثال «محمد فاضل» و«يحيى العلمى» و«إنعام محمد على» و«إسماعيل عبد الحافظ».
وإذا كان من الواجب الآن ألا نبكى على اللبن المسكوب وننتظر البشارة «بعودة الوعى»، لتجاوز عورات وخطايا السنوات الخمس العجاف الماضية، من تدنى مستوى الدراما، فإننا نتعشم فى تلك الإدارة الجديدة التى تضم خبرات كبيرة، أن تنجح فى تحقيق الأهداف الحميدة التى أعلنتها، والمتصلة بالسعى الحثيث لإعادة الريادة إلى سابق عهدها.. وتوسيع قاعدة المشاركة فى السوق الدرامية.. والقضاء على سيطرة الاحتكار.. وفتح المجال للمنتجين المميزين، فى سياق جودة المحتوى والانتصار للأعمال الدرامية الجادة. فمن البديهى أن نقرر أن التنوع والتعدد والتباين والاختلاف فى الرؤى والأفكار والتوجهات والأبعاد والمضامين ووجهات النظر، من شأنه أن يفتح النوافذ الموصدة والأبواب المغلقة على المسلمات العتيقة والأطر المتخلفة والأوراق القديمة والأشكال النمطية والمعايير الجامدة، التى من شأنها أن تعوق آفاق حرية التعبير والخلق الفنى.. ورحابة الفنون فى التحليق فى سماوات الإبداع الحقيقى.
من شأن نسف ذلك الاحتكار أيضًا أن يتيح الفرصة لعودة المبدعين الكبار من الرواد والأجيال اللاحقة، من كتاب السيناريو والمخرجين المميزين، إلى التغريد من جديد لاستكمال رحلة مثمرة فى عطاء مبهر حرموا من مواصلته وبدوا فيه ضيوفًا على زماننا الضنين، لصالح هواة من شباب ورش الكتابة وأسطواتهم الذين غمروا الشاشات بمسلسلات رديئة المحتوى، سواء فى مجال التراجيديا التى اعتمدت على موضوعات مستهلكة ميلودرامية الطابع، تشمل أحداثًا ملفقة وغير منطقية، وتسود فيها المصادفات الممجوجة والمواقف السطحية والمحتوى الذى يخاصم الواقع المعيش ويزيفه.. ويقدم صورًا مشوهة لشخصيات متدنية السلوك.. وشارع صار مرتعًا للعنف والإرهاب والجريمة والدماء المتناثرة والحوار الرخيص.. أو كوميديا يهان فيها هذا الفن العظيم، حيث يتحول إلى هذر وإسفاف وزغزغة المتفرج بلزمات وإفيهات سخيفة وتهريج فج.. وتتراجع الكوميديا الراقية التى تهدف إلى إعمال العقل وهز وعى المتفرج بمعالجة قضايا اجتماعية وسياسية تمس الواقع المعاصر وهموم المواطن المصرى، والتصدى لسلبيات المجتمع وعورات الشخصيات باستخدام عنصرى المفارقة وسوء التفاهم.
ومن إهانة الكوميديا إلى ازدراء اللغة العربية واستبدالها بلغة منحطة تفشت تفشيًا مريبًا، تنطق بها كل شخصيات العمل الدرامى. لا أغالى إذا قلت إنها تساهم مساهمة مؤثرة فى هدم هويتنا ولغتنا الجميلة التى نعتز بها.
كما تتم إهانة المرأة فى الدراما باستخدام العنف ضدها فى شيوع مؤسف، يتناقض- للأسف- مع حركة التنوير والنهضة التى تسعى إليها الدولة فى توجهاتها وإنجازاتها.. بل يتفق مع رأى المكفرين والظلاميين فى تناقض غريب.
لا مفر إذًا من أن تحمل الإدارة الجديدة للشركة المتحدة للخدمات الإنتاجية راية ثورة إعلامية وثقافية وفنية ودرامية جديدة، تحقق آمالًا عريضة من أجل التنوير والفن الخلاق والحضارة الإنسانية.
Atef.beshay@windowslive.com
نقلا عن المصرى اليوم