هي صفعة قوية استيقظ عليها الشعب المصرى بعد ثُبات عميق، حيث كشفت عن العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والعسكرية التى لم تكن ظاهرة له قبل هذه الحرب، وأهم نتائجها تراجع الحالة المعنوية والنفسية للشعب المصرى بقدر كبير، ولهذا لم يعلنوا "الهزيمة.. لكنها النكسة".

 
تعتبر هذه الحرب من أكبر الحروب بين العرب وإسرائيل منذ إعلان قيامها على أرض فلسطين المحتلة، والتي انتهت بخسارة فادحة للجيوش العربية المشاركة في الأرواح، خاصةً الجيش المصري، بالإضافة لخسارة كبيرة من الأراضي العربية.
 
قبل وقوع الحرب مباشرة كان هناك العديد من المناوشات السياسية بين مصر وإسرائيل، حيث حاولت إسرائيل جر مصر إلى صدام عسكرى معها، ولكن قيادة مصر لم ترغب فيه، وفي المقابل هددت مصر دائماً بإغلاق مضيق تيران، وكان إغلاق المضيق ومنع السفن الحربية أو التجارية من المرور فيه هو السبب الذى اتخذته إسرائيل ذريعة لشن هجومها.
 
رصدت جريدة "الأهرام" تفاصيل الحرب من خلال مراسليها الحربيين منذ اليوم الأول فخرج المانشيت
- معارك ضارية على كل الجبهات مع العدو
- جميع الجبهات العربية تبدأ القتال على الفور وفقا لخطة العمليات الموحد
 
فى صباح في ٥ يونيو عام ١٩٦٧م اندلعت الحرب بين إسرائيل وكل من مصر والأردن وسوريا، بالتعاون مع القوات العراقية، وكانت الحرب ذروة للأزمة التي بدأت في ١٥ مايو ١٩٦٧.
 
بدأ العدو الإسرائيلى هجومه الشامل على الجبهة المصرية جوًا فى منطقة القناة وفى بعض القواعد الغربية من القاهرة، وخلال هذه الهجمات دارت معارك عنيفة، وفى نفس الوقت كان العدو يشن هجومًا جويًا على شرم الشيخ، وبعدها بقليل بدأت هجماتها البرية على ثلاثة مواقع هي: الكونتيللا، وأبو عجيلة وخان يونس فى مغامرة مجنونة لضرب الحصار العربى من حوله.
 
وقد صدر أمر العمليات الإسرائيلى فى الساعة السادسة صباحا طبقا لشهادة طيار إسرائيلي أسير هو الكابتن لافور موردخاى، وقبض عليه حيًا وتم استجوابه، وكان الموعد المحدد لبدء العمليات هو الثامنة صباحا بتوقيت إسرائيل – التاسعة صباحا بتوقيت القاهرة.
 
إسقاط أكثر من ١١٥ طائرة للعدو خلال هجماته الأولى وكما أن طياريه الذين قفزوا من طائراتهم المحطمة أسروا أو قتلوا.
- الجهات العربية تتحرك
 
وعلى أثر بدء العمليات على الجبهه المصرية تحركت بقية الجبهات العربية بالعدو ودخل الجيش الاردنى والقوات العراقية على جبهته فى معارك برية وجوية متصلة، واحتلت القوات العربية فى هذه الجبهة موقع جبل المكبر، وكانت المدفعية الأردنية تقصف بشدة خطوط العدو ومستعمراته على جبهتها، فى الوقت الذى كانت فيه الطائرات العراقية تهاجم بشدة داخل أرض العدو، ودخل الطيران والمدفعية السورية بسرعة إلى أرض المعركة، وبدأت فى تنفيذ دورها فى خطة العمليات الموحدة.
 
- تقرير من (يوثانت) يوضح بجلاء أن اسرائيل هى التى بدأت بإطلاق النار وأن ثلاثة من جنود قوة الطوارىء السابقة من الهنود قتلوا بالقرب من غزة، وكان العدو منذ بداية عملياته الهجومية يحاول خداع الرأى العام العالمى والدولى مدعيًا أن الجمهورية العربية المتحدة هى التى بدأت بالهجوم، ومع أن سباق الحوادث كان واضحا، والدليل الدافع ضده جاء فى تقرير السكرتير العام للأمم المتحدة معتمدا على ما وصله من برقيات قيادة قو الطوارىء الدولي التي كانت تستعد للرحيل من غزة وقد أعلن (يوثانت) أمام مجلس الأمن، أن إسرائيل هى التى بدأت الهجوم.
 
وقد قدم موعد اجتماع مجلس الأمن عدة ساعات من موعده المقرر، وذلك لكي تبحث الموقف الذى انفجر فى الشرق الأوسط.
 
- البيانات العسكرية عن تطور المعارك بين القوات المصرية وقوات العدو
 
أصدرت القيادة العليا للقوات المسلحة بيانات عسكرية والتي أدلت بها المصادر العسكرية تطور المعارك الدائرة جوًا وبرًا مع قوات العدو، وكان أول بيان قد صدر فى حوالى التاسعة و٥٠ دقيقة معلنا بدء الهجوم الاسرائيلى على الجمهورية العربية المتحدة وتصدى قواتنا لهذا الهجوم.
 
واستمرت التقارير في الأيام التالية من الجبهات العربية الثلاث وحملت العناوين الآتية:
- الطيران الأمريكى والبريطانى يعمل ضدنا فى المعركة
- وقف الملاحة فى قناة السويس واخلائها من السفن
- رسائل من عبد الناصر لملوك ورؤساء الدول العربية
- مظاهرات في أنحاء العالم العربي تهاجم وتحرق سفارات أمريكا وبريطانيا
- قواتنا المصرية تقف فى بسالة امام هجوم امريكى بريطانى اسرائيلى- الجبهة الاردنية العراقية
- ٥٠٠ قتيل فى القدس المحتلة وتدمير مئات المباني
 
وكان العنوان الرئيسي يوم ٨ يونيو
معارك رهيبة بالمدرعات فى سيناء، ووزير الخارجية البريطانية يعترف رسميا بأن بريطانيا تواصل تصدير المعدات العسكرية لإسرائيل، واتصالات مستمرة بين ملوك ورؤساء العرب للوصول إلى موقف موحد يساعد على دعم معركة الأمة العربية.
 
وقد سجل التاريخ أكبر خطأ إعلامي للتعامل مع نقل الحقيقة للشعب، مما خلق تساؤل دائم داخل النفوس، ما حقيقة ماحدث، وهل كان هناك تقصير من ناحيتنا أم هو تفوق عسكري من الجانب الآخر؟
 
وفي محاولة للوقوف على بعض تلك الحقائق نستعرض ما جاء في مذكرات الفريق أول محمد فوزى وزير الحربية الأسبق (حرب الثلاث سنوات ١٩٦٧/ ١٩٧٠م) والذي ذكر فى المقدمة قائلا:"إن أسباب ما حدث عام ١٩٦٧م لا تكمن في الأيام القلائل التي تم فيها انسحاب القوات المسلحة المصرية إلى غرب قناة السويس بل إنها تعود إلى قبل ذلك بكثير" .
 
وشرح الفريق فى فصله الأول الأسباب الخارجية والداخلية التى أدت إلى ما حدث، وأوضح قائلاً:"إن السنوات الأربع السابقة مباشرة لحرب ١٩٦٧ لم يتم فيها تدريب جاد من أى نوع استعدادا للمعركة الفاصلة مع العدو"، وشرح قائلا:"بسبب انشغال الدولة وقواتها فى اليمن لم تجهز مصر نفسها أو مسرح عملياتها المنتظر (سيناء) للمعركة وعدم تحقيق الحد الأدنى من التضامن العربي". 
 
هكذا رأى الفريق أول محمد فوزى أن أسباب حرب ١٩٦٧ الخارجية تمثلت فى انفصال الوحدة مع سوريا، وصراع اليمن، بالإضافة للهجمات الاستعمارية، أما بالنسبة للأسباب الداخلية فيرى أنه حدث ما يشبه انقسام القادة والصراع على السلطة بين كلا من الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر، والذي كانت من نتائجها انفراد المشير بقيادة القوات المسلحة حيث ذكر موضحا:"كانت نتيجة الصراع الخفي بين الرئيس عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر فى سنوات ما قبل معركة يونيو ١٩٦٧ تمزق وحدة القيادة الجماعية وانفصال في صنع القرار المصيرى للدولة".
 
أما بالنسبة لظروف المعركة فيذكر الفريق:"كانت القوات المسلحة قبل العمليات في يونيو ١٩٦٧ في حالة مرتبات سلم منخفضة، إذ تم تسريح دفعة الاحتياط قبل المعركة بثلاثة شهور؛ بغرض توفير مرتباتها، وكانت حالة النقص عموما فى الأفراد و التسليح والمعدات فى القوات البرية". 
 
و رأى أن قرار غلق خليج العقبة فى وجه الملاحة الإسرائيلية يوم ٢٣ مايو ١٩٦٧ هيأ لأسرائيل الأسباب و المبررات للقيام بالحرب، قائلاً:"بإعلان مصر غلق خليج العقبة اعتبارا من يوم ٢٣ مايو ١٩٦٧ تحول الصراع من قضية تهديد سوريا وحشد القوات على حدودها إلى قضية قفل الخليج، واتخذ هذا الخبر الصدارة في أخبار العالم كله مشفوعا بحمله مضاده ضد مصر إعلاميا". 
 
مما سبق نجد أن فكرة غلق خليج العقبة على الرغم من أهميتها الكبرى لمصر، إلا أنها لم تحظ بدراسة موضوعية، وبالانتقال إلى ظروف التعبئة فى القوات المصرية وضح الفريق:"اجتمعت الظروف المعرقلة؛ فسببت فشل فى نظام التعبئة والحشد والفتح التعبوى للقوات المصرية فى الفترة من ١٥ مايو ١٩٦٧ إلى ٧ يونيو١٩٦٧". 
 
وأوضح الفريق فوزي أنه بنهاية يوم ٤ يونيو ١٩٦٧م كانت أعمال الفتح التعبوى التى لم تنتهى على وضع معين، والتى أوقفت بسبب العدو يوم ٥ يونيو ١٩٦٧ كانت هذه الأعمال لا تربطها أى مفاهيم عسكرية.
 
وذكر أن أوضاع القوات وتمركزها في سيناء خلال هذه الفترة، والتى تغيرت أربع مرات تطبيقا لخطط العمليات كانت خاطئة؛ وبذا أصبحت أوضاع التشكيلات الميدانية في سيناء صباح يوم ٥ يونيو ١٩٦٧م غير سليمة، الأمر الذى مكن العدو من الحصول على نصر سريع فى المعركة.
 
وعرض الفريق محمد فوزي في مذكراته تقارير المخابرات الحربية عن مقارنة قواتنا بقوات العدو على الجبهة المصرية، والتى قدمت نسب خاطئة قائلا:"وقد أعطى تقرير المخابرات الخاطئ انطباع الاستهانة بقوة العدو، بينما لو علمت القيادة العسكرية حقيقة قوة العدو لترددت أكثر من مرة فى وضع قرار الحرب".
 
وفى الساعات الأولي من صباح يوم المعركة ٥ يونيو ١٩٦٧ تم إرسال إنذارين، الأول من مكتب مخابرات العريش إلى مكتب الوزير شمس بدران بكوبرى القبة فى الساعة السابعة صباحا بينما وصل في الساعة ٩.٤٠ وبذلك لم يستقبل الإنذار.
 
والإنذار الثاني أُرسل من الفريق عبد المنعم رياض بعمان في الساعة السابعة إلى غرفة عمليات الدفاع الجوى بمنطقة الجيوشي، ولكنه لم يُستقبل.
 
ويرى الفريق محمد فوزى أنه لو وصلت تلك الإنذارت قبل بدء العمليات بساعة ونصف، لكانت على الأقل قد تغيرت الحوادث عما وقع فعلا.
 
وبدأ الهجوم كما يصف الفريق فى الساعه ٨.٤٥، حيث بدأ الطيران الإسرائيلي فى قصف محطات الرادار والمطارات، وأجهزة الدفاع الجوى فى سيناء وفى منطقة القناة، وكذلك مطار المنصورة، واستكمل قائلا:"وغطت الموجة الثانية من الطيران الإسرائيلي بقية مطارات مصر الداخلية المتمركزة فى القاهرة".
 
أما عن رد الفعل المصرى فقال الفريق:"أثناء الضربة الجوية تمكن حوالى ٣٠ طيارصا مقاتلا شجاعا من قواتنا الجوية من الإقلاع وسط الهجمة الجوية والاشتباك مع المقاتلات الإسرائيلية واستشهد منهم ١٢ طيارًا، أما قوات الدفاع الجوى فقد أطلقت صواريخ دون دقة؛ لعدم وجود التدريب والخبرة السابقة، وأعلنت عن إسقاط طائرات إسرائيلية كثيرة، ولكنها كانت بلاغات خاطئة".
 
وقامت القوات البرية الإسرائيلية بفتح نيرانها في نفس وقت ضربتها الجوية كما ذكر الفريق :"بدأ العدو الهجوم على قوات الفرقة ٧ مشاة فى الساعة ٩ صباحا يوم ٥ يونيو ١٩٦٧، وبدأ الهجوم على العريش فى الساعة الثالثة بعد ظهر يوم ٥ يونيو ١٩٦٧". 
 
وهكذا نجد أن القوات المصرية لم تستطع الصمود كثيرا أمام ضربات العدو وبعد تدمير الغطاء الجوى صدر قرار الانسحاب، وفى ذلك يقول فوزي:"ظهرت أول نية المشير بانسحاب القوات من سيناء عندما صدرت إشارة لاسلكية من القيادة العليا إلى قائد منطقة شرم الشيخ في الساعة ٥.٥٠ صباح يوم ٦ يونيو ١٩٦٧ يطلب فيها وضع خطة انسحاب كاملة وقواتها في شرم الشيخ إلى غرب القناة"،  ثم وضح الفريق ذلك بقوله:"طلبنى المشير بعد ظهر يوم ٦ يونيو ١٩٦٧ قائلا لي:عاوزك تحط لى خطة سريعة لانسحاب القوات من سيناء إلى غرب قناة السويس، ثم أضاف وأمامك ٢٠ دقيقة فقط، وانسحبت قواتنا بعد الخسارة الفادحة". 
 
وقد أوضح الفريق محمد فوزى حجم الخسائر الحقيقية للقوات المسلحة بقوله:"بالنسبة للأفراد فقد بلغت خسائر القوات الجوية والدفاع الجوى ٤% من قوة الطيارين ، وخسائر القوات البحرية ٠% من القوة، وخسائر القوات البرية ١٧% من القوة، أما بالنسبه للمعدات فى القوات الجوية والدفاع الجوى فبلغت ٨٥%، وفى القوات البحرية ٠%، وفي القوات البرية ٨٥% ) وشرح قائلا:"اقتصر عدد الشهداء من الضباط والجنود حينئذ على ٢٠٠٠ فرد فى المعركة". 
 
وذكر الفريق  عند إتمام الاتصال بطرف الصراع الآخر "إسرائيل" بواسطة الصليب الأحمر الدولي استطعنا حصر الشهداء والمفقودين والأسرى، فكان الرقم الإجمالي ١٣.٦٠٠ فرد، عاد منهم ٣٧٩٩ فردا أسيرا (٤٨١ ضابطا و٣٢٨٠ جنديا ومدنيا)، أما بقية المفقودين وعددهم ٩.٨٠٠ مفقود، فقد ظل التعامل معهم قانونا كأنهم أحياء حتى سنة ١٩٧١م حيث أٌعلن استشهادهم. 
 
وفى يوم ٧ يونيو ١٩٦٧ انصرف المشير عبد الحكيم عامر من مقر القيادة العامة للقوات المسلحة، وأعلن اعتزاله من منصبه هو وشمس بدران في يوم ١٠ يونيو ١٩٦٧م.
 
وفى يوم ١١ يونيو ١٩٦٧ بدأت مهمة الرئيس  عبد الناصر الجديدة فى بناء القوات المسلحة على أسس علمية جادة لم تحدث فى التاريخ من قبل .
 
استنزفت هذه الحرب طاقة وروح جيل بأكمله أطلق عليه "جيل النكسة"، صاحبهم شعور بالإنهزامية والفشل وعدم تصديق أي من الوعود، وانتهز العدو إحباط الشباب وعمل على تغذيتها وبقاء جذوتها مشتعلة ولم يقضي عليها سوى انتصار أكتوبر المجيد وعودة سيناء.