هاني صبري - المحامي
قامت الجهات المعنية في محافطة الفيوم بالتحرك بقواتها ومعداتها الكثيرة وتركت كل مشاكل المحافظة المتراكمة ، وخرجت عن بكرة أبيها للتوجه إلي المزرعة التابعة لدير الأنبا مكاريوس السكندري بوادي الريان بالصحراء الغربية الذي يقطنه عدد من الرهبان العزّل لإنتزاع مزرعة الدير وهدم مبانيها وذلك بزعم عدم قدرة الدير علي سداد مبلغ مقابل حق الانتفاع بالمزرعة ، علي الرغم من أن عقد الإنفاق المورخ 1 / 8 / 2017 بين ممثل وزارة البيئة وممثل الكنيسة المفوض عن البابا قداسة تواضروس في البند الثالث منه لم يحدد المبلغ مقابل الانتفاع وذكر حرفياً فيه أنه سيتم تحديده كمقابل لممارسة حق النشاط الزراعي الاقتصادي علي مساحة 1000 فدان جنوب الطريق.
في تقديري : أنه لا يوجد أي إخلال من قبل ممثل الكنيسة باي التزامات واردة بالاتفاق ولَم يتم أعلنه بسداد اي مبالغ واجبة السداد علي مزرعة الدير، فلماذا إذن قامت الجهة الإدارية بالهدم بالمخالفة للقانون.
وإن الأمر لا يستدعي كل هذه القوات والمعدات ضد الرهبان المسالمين، ناهيك عن تداعيات حائجة كورونا التي ألقت بظلالها علي العالم بأسرة وليس علي الدير فقط ، وضعف إمكانيات وموارد الدير في زمن الكورونا.
وأن المشرع المصرى لم يترك الأمر على عواهنه، بل تصدى بالتقنين فى صلب القانون المدنى رقم 131 لسنة 1948 لمثل هذه الحالات والتى يصعب فيها على المدين تنفيذ التزامه، سواء أكان فرداً أو شخصاً معنوياً نتيجة وجود سبب أجنبى حال بينه وبين التنفيذ، سواء أكانت تلك الاستحالة مؤقتة أو دائمة، ولقد تقاسمت هذه الحالات نظريتان وهما ١- نظرية القوة القاهرة فتتحقق بوقوع حادث لا يمكن توقعه ولا يمكن دفعه، وتعرّف بأنها سبب أجنبى يخرج عن إرادة الطرفين يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً، ويكون ليس بمقدور الأطراف دفع هذا السبب أو التغلب عليه، ٢- ونظرية الظروف الطارئة، هى نظرية قوامها سقوط الالتزام حينما يصبح صعب التنفيذ .. ، وإن كلتا النظريتين هما خروج عن مبدأ سلطان الإرادة ومبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، وإرساء لعرف أخلاقى مثبت قانوناً مفاده أنه «لا تكليف بمستحيل» ، وكان يجب علي الجهة الإدارية مراعاة ذلك.
جدير بالذكر أن الأقباط تحملوا في أوقات إرهاب جماعة الإخوان ما لا يتحمله أحد من قتل وحرق الكنائس وتدمير ممتلكاتهم ، ويتحملوا علي مر كل العصور من أجل مصر وهم من أهم صمامات أمان هذا الوطن.
وقال قداسة البابا تواضروس الثاني مقولته الشهيرة "وطن بلا كنائس. أفضل من كنائس بلا وطن".
أن الكنيسة القبطية مؤسسة وطنية وعلاقاتها بكافة مؤسسات الدولة جيدة ، ويجب التعامل معها بما يحافظ علي السلام الاجتماعي ويحفظ لها مكانتها ، وعدم إثارة حفيظة المجتمع ضد الكنيسة والأقباط الذين يشعرون في مثل تلك الأحداث بالاستياء والغضب الشديدين.
نحن لا نريد غير تطبيق القانون لان تطبيق دولة سيادة القانون هو الهدف الذي ننشده جميعاً.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هل قامت وزارة البيئة باستنفاذ كافة الإجراءات القانونية لهدم مباني مزرعة الدير؟ ام إصدرت مجرد أمر بالهدم بدون اتباع الإجراءات القانونية المقررة ؟.
هل قامت وزارة البيئة بإعلان الكنيسة بقرار الهدم وفقاً للقانون كي تقوم الكنيسة بالطعن علي هذا القرار أمام الجهات المختصة.
فضلاً عن وجود عقد رسمي بين الكنيسة ووزارة البيئة في أغسطس 2017 باستغلال تلك الأراضي وأن الاتفاق مازال ساريا، وأنه لا يحق للجهة الإدارية هدم مباني المزرعة ، ووفقاً لقانون بناء الكنائس رقم ٨٠ لسنة ٢٠١٦ م الذي يقرر أنه لا يجوز منع أو وقف ممارسة الشعائر والأنشطة الدينية في أي من هذه المباني التابعة للكنائس وملحقاتها لأي سبب.
أن الجهة الإدارية لم تقم بأتباع الإجراءات القانونية حيال هذا الأمر. ومن ثم توافر أسباب الخطأ المرفقى والشخصى وهذا ما أستقر عليه قضاء المحكمة الأدارية أن ذات الفعل أو الترك قد يكون خطأ شخصى وخطأ مصلحياً فى ذات الوقت إذ يعد الخطأ شخصى متى وقع من الموظف أثناء تأديته وظفته أو بمناسبة تأديتها دليلاً على خطأ مصلحياً تسأل عنه الحكومة لاهمالها الرقابة والإشراف وعلى ذلك ، ليس فى القانون ما يمنع من مسئولية الحكومة على خطئها المصلحى المستقل بجانب مسئولية الموظف على خطئه الشخصى.
وهذا يؤكد وبحق أنه لا يجوز للجهة الإدارية الأستناد إلي مركز قانونى خاطىء لان خطأ الجهة الإدارية لا يمكن أن يكون مصدراً للحقوق وإلا انهار مبدأ المشروعية.
وبناء عليه نطالب بإستصدار قرار بإعادة الحال إلى ما كان عليه على نفقة الحكومة، وأحالة المتسببين فى ذلك الخطأ الجسيم للتحقيق واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة ضدهم وذلك حفاظاً على سلامة ووحدة المجتمع وحتى لا يتكرر هذا الحادث بصورة أو بأخرى.
كما نهيب بالجميع البعد عن الخلافات والصراعات والانقسامات وعدم التحزب داخل الكنيسة، والحرص علي مصلحة الكنيسة ليتسنى لها القيام بدورها بقوة وفاعلية لخدمة أبنائها وخدمة وطنها الحبيب مصر.