بقلم
فيفيان سمير
جلست بالحديقة الصغيرة التي يتجمع بها الصغار أسفل عمارتهم. أخذت تصف ألعابها من العلب الصغيرة والكراتين القديمة وقطع الملابس الغير مستعملة. تبني منها أشكال ومدن، تجمع الأحجار وترسم بها شخصيات وتألف القصص حولها، تحادثهم وتضحك معهم وتأنس بهم. عادة ما تغرق في عالمها الخاص الذي لا تسمح لأحد دخوله أو حتى الاقتراب منه، من الأطفال الذين يمتلئ بهم المكان، تراقبهم من بعيد تضحك أحيانا وتعبس أحيانا أخرى، لكنها تبقى بعزلتها التي فرضتها على نفسها وترفض بإسرار السماح لأحدهم باختراقها، حتى أنها تنهر كل من يقترب من دائرتها.
دائما ما كان يلفت نظرها ذلك الطفل، بمهارته في صنع الطائرات الملونة وأطلاقها تسبح في السماء وتحلق مع الهواء، فتسرح معها وتتمنى لو تستطيع صنع واحدة لنفسها كما يفعل، لكن محاولاتها كانت تبوء بالفشل. لم تفكر يوما أن تستعين به، أو تطلب مساعدته كباقي الأطفال الذين صنع لهم طائراتهم، التي يطلقونها تلون السماء وتشعل حلمها.
ذات صباح أنسل من أصدقائه، ترك الجميع وذهب إليها في ركنها البعيد، كان عالمها الصغير يبهره هو أيضًا ويثير فضوله، جلس إلى جوارها وهي تعيد إحدى محاولاتها لصنع الطائرة، ومد يده يساعدها، ابتسمت ورحبت بمساعدته، التي رفضتها من كثيرين قبله. اكتملت الطائرة ورنت ضحكتها عالية، حين ارتفعت تسابق النسيم وتزين قطعتها من الفضاء. سمحت له أن يشاركها دنيتها ويلعب معها بألعابها البسيطة، التي كانت تعتبرها كنزها. كل صباح تسرع بالهبوط للحديقة وتبدأ بتنسيق اللعب في انتظاره، حتى أصبح جزءًا من مدنها وشخوصها، ودنيتها. وعدها أن يلعب معها ولا يتركها وحيدة ثانية، صدقته وتعودت على وجوده. بعد عدة أيام، مل اللعب معها وزهد بلعبها التي أعتادها وفقدت بريقها في عينيه، رحل كما جاء دون كلام.
ينزل الحديقة ليتوجه لأصدقائه القدامى دون أن يلتفت إليها، وكأنها ليست هناك. يقضي يومه في اللعب والضحك وهي تراقبه بألم وحيرة، فلم تعد تستطيع اللعب وحدها ثانية، لم تعد لعبها تملأ حياتها وتسعدها كما كانت، أصبحت أشيائها البسيطة الغالية عليها، سقيمة ومملة ولا تكفيها. نظرت لطائرتها بحزن، فقد علمها أن تصنع حلمها وتطير معه، وسرق سعادتها به ورضاها بدونه ورحل.