هاني صبري - المحامي
تنتهج الدولة المصرية من وجهة نظري الشخصية في التعامل مع إثيوبيا في قضية سد النهضة أسلوب التطويق الجيوستراتيجية أو الكماشة ومعناها ببساطة ( دراسة الموقع الإستراتيجي للدولة أو المنطقة الإقليمية، ومدى تأثير هذا الموقع في العلاقات السلمية والحربية) .
وهذه التحالفات والاتفاقيات في منطقة القرن الإفريقي ودول شرق إفريقيا و دول حوض النيل (السودان - أوغندا- رواندا- كينيا - تنزانيا - الكونغو) وذلك لعزل إثيوبيا سياسياً ولتحييد كل الدول المحيطة بها ، وآخرها الاتفاق الذي إبرم بين مصر وجيبوتي، وأن الدولة المصرية لها مصالح مشتركة في محيطها الإقليمي
وتمثل جيبوتي منفذ لإثيوبيا تستخدمه للحصول علي معظم وارداتها لأنها دولة حبيسة ويعني ذلك أنها دولة محاطة باليابسة بالكامل، أو التي تقع سواحلها الوحيدة على البحار المغلقة.
وفي نفس السياق ذاته نري أن الدولة المصرية اتبعت نفس سياسة الجيوستراتيجية في السابق مع دويلة قطر (تطويقها بالتحالف الرباعي العربي).
وقد استخدمت مصر نفس السياسة أيضاً مع تركيا ( تطويقها بالتحالف مع قبرص واليونان ودول شرق المتوسط مثل بلغاريا ودول البلقان).
بالتأكيد مصر فرضت ما قررته عندما قال الرئيس عبد الفتاح السيسي سرت الجفرة خط أحمر وقامت مصر بحماية أمنها القومي من ناحية الحدود الغربية، وساعدت الشعب الليببي الشقيق، وشهد العالم أجمع بالدور المصري في تلك الأزمة وأوضحنا ذلك في حينه في مقالات سابقة.
اما فيما يختص بترسيم حدود البحرية المصرية مع قبرص واليونان قامت مصر بحماية حدوها في مياها الإقليمية والاقتصادية ولَم تستطيع أي دولة تهديدنا في شرق المتوسط وحفظنا علي حقوقنا المشروعة وفق الاتفاقات التي تم أبرمها.
جدير بالذكر أن الدولة المصرية لم تتخلي عن خيار التفاوض احتراماً العلاقات التاريخية بين القاهرة وأديس أبابا ، ويجب عدم المساس بحصتها المنصوص عليها في اتفاقات دولية أبرزها اتفاقية نوفمبر 1959م والتي حددت حصة مصر من مياه النيل بـ55.5 مليار متر مكعب سنوياً ، وبدون اتفاق لن يربح أحد، ويجب علي إثيوبيا احترام القانون الدولي والالتزام بتعهداتها الدولية.
هناك تعنت من جانب إثيوبيا للإضرار بمصر بالمخالفة للقوانين ولكافة الالتزامات الدولية، ويتنافى ذلك أيضاً مع اتفاق إعلان المبادئ الذي تم توقيعه من قبل رؤساء الدول الثلاث في مارس 2015 والذي ينص على ضرورة اتفاق الدول الثلاث حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، ويلزم إثيوبيا بعدم إحداث ضرر جسيم لدولتي المصب.
حيث إن مصر قد أمضت مصر عقدا كاملا في مفاوضات مضنية للتوصل لاتفاق عادل ومتوازن يحقق لإثيوبيا أهدافها التنموية، ويحد في الوقت ذاته من الأضرار المائية والبيئية والاجتماعية والاقتصادية لهذا السد على مصر، ولا يمكن استمرار عملية التفاوض إلى ما لا نهاية.
لذلك يجب التوصل لاتفاق قانوني ملزم لكل الأطراف الثلاثة قبل موسم الفيضان المقبل حول ملء وتشغيل السد وفقاً للقانون الدولي، وطبقًا لما نص عليه إعلان المبادئ الملزم للدول الثلاث.
أن الحقوق التاريخية من المبادئ المستقرة في القانون الدولي لتنظيم التعامل بين الدول على الأنهار المشتركة، حيث أكدت عليه على سبيل المثال كل من قواعد هلسنكى 1966م في مادتها الخامسة، واتفاقية قانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية التي أقرته الأمم المتحدة لعام 1997م فى مادتها السادسة، وقواعد برلين 2004م فى مادتها الثالثة عشرة.
ومن حق الدولة المصرية المحافظة علي حقوقها التاريخية في مياه النيل وحقوقها ثابتة وفقاً للقانون الدولي والقوانين ذات الصِّلة، ومعاهدة جنيف لعام ١٩٢٣م، وحقنا ثابت أيضاً بكافة الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها مصر مع دول حوض النيل.
مصر هبة النيل، ونهْـر النيل بالنّسبة لها مسألة حياة أو موت وقضية أمْـن قومي، فهي أزمة وجود وحياة ترتبط بمصير ومستقبل أجيال قادمة وعندما نتحدث عن أزمة وجود فإن كافة الخيارات تصبح متاحة.. ولَم ولن تتنازل مصر عن حصتها كاملة في مياة النيل ، ومن حقها الدفاع علي أمنها القوميّ والمائيّ بكافة الوسائل الممكنة ، وفي تلك الأزمة الشعب المصري علي قلب رجل واحد يقف خلف قيادته السياسية ويدعم كل خطواتها لحماية حقوقنا المشروعة في مياه النيل شريان الحياة لكل المصريين.