د. أحمد الخميسي
صدر كتاب الصحفي البريطاني جون بولوك " حروب المياه في الشرق الأوسط " عام 1993، أي منذ أكثر من ربع قرن، وتمت ترجمته الى العربية عام 1999 ضمن اصدارات المجلس الأعلى للثقافة بمصر. جون بولوك أقام في بيروت مدة سبع سنوات، وكان يعمل محررا في صحيفة الاندبنت، وله كتاب بعنوان" الحرب في لبنان"، وكتاب آخر"حرب الخليج أصولها وتاريخها"، وظل العالم العربي وقضاياه موضع متابعته واهتمامه حتى توفي عام 2010 . يشير بولوك إلى تصاعد أهمية الثروة المائية في العالم وانطفاء بريق البترول بالتدريج، ومن ثم فإن المياه قد تصبح سببا لحروب محتملة خاصة في منطقة الشرق الأوسط على ثلاثة محاور: تركيا التي تهدد وهددت عام 1990 بقطع مياه نهر الفرات عن العراق وسوريا. المحور الثاني : اسرائيل منذ أن سعت لمد حدودها إلى نهر الليطاني في لبنان، ومنذ أن هددت بشن الحرب على سوريا إذا قامت سوريا ببناء سدود تؤدي لتقليل جريان المياه إلى بحر الجليل في شمال اسرائيل، وفي ذلك السياق تتشبث إسرائيل بالضفة الغربية لتأمين وصول المياه إليها. المحور الثالث: مصر وأثيوبيا بسبب النيل. ويشير الكاتب إلى أن الحضارات كلها نشأت مع الزراعة والمياه، وأن الحضارات أيضا زالت مع نقص الموارد المائية، ثم يقول إن: " خمسة وتسعين بالمئة من احتياجات مصر من المياه تردها عن طريق النيل" ومن ثم فإن النيل بالنسبة لمصر قضية حياة ووجود. ومع أن الكتاب كما أشرت صدر منذ أكثر من ربع قرن إلا أن كاتبه يشير بالنص إلى أن : " الصحف تطالعنا بالتهديد الواقع على النيل من خلال خطط الحكومة الأثيوبية بإنشاء سدود على النيل الأزرق"، هذا مع أن مصر على حد قوله: " لم تواجه من قبل أي مشكلة في موضوع مياه النيل لالاف السنين"، لكن المشكلة بدأت في الظهور مؤخرا. ويشير جون بولوك بصريح العبارة منذ أكثر من ربع قرن الى الدور الإسرائيلي قائلا بالنص :" بات واضحا أنه سيتم احتجاز كمية من مياه النيل الأزرق مع انشاء سدود جديدة في أثيوبيا تم التخطيط لها وأنشيء العديد منها بمساعدة اسرائيل". ويضيف أنه في حينه:" أجمع الدبلوماسيون والمسئولون المصريون على أن أثيوبيا ستكون بؤرة الصراع القادم". ويقول الكاتب إنه بعد اعلان السادات استعداده لمد اسرائيل بحصة من مياه النيل تبلغ 800 مليون متر مكعب سنويا، فإن حوارا جرى بين الكاتب وبين أحد أحد الضباط المصريين – لم يفصح الكاتب عن اسمه – قال له فيه الضابط المصري: " حين يتعلق الأمر بمد فرع من النيل خارج الحدود مهما كان صغيرا فإن الأغلبية تفضل أن تفقد عينا على أن ترى هذا اليوم". وينوه في هذا السياق بكتاب السفير المصري وخبير المياه الدولي الدكتور حمدي الطاهري " مستقبل المياه في العالم العربي" الذي حذر عام 1991 من الخطط الأثيوبية لبناء السدود بالتعاون مع اسرائيل مما يهدد أمن مصر ومستقبلها، بسبب الأطماع الاسرائيلية في مياه النيل. ويقول إن التوجه المصري بشأن النيل كان دائما يحمل : " رسالة خفية ولكن مفهومة تماما، أن مصر على استعداد لاستخدام القوة عند الضرورة، وأن أي تدخل في النيل من دون موافقة مصر سوف يكون بالتأكيد سببا للحرب".