في مثل هذا اليوم 26 مايو1996م..
حسام الدين مهيب (23 فبراير 1930 - 26 مايو 1996) رائد تصوير وإخراج الرسوم المتحركة والخدع السينمائية في مصر والوطن العربي، مؤسس ورئيس قسم مراقبة الرسوم المتحركة بالتليفزيون المصري ثُم عمل مُستشاراً فنياً لوكالة الأهرام للإعلان، مصور فيلم "الخط الأبيض" عام 1963 الحائز على الجائزة الأولى الذهبية في المهرجان الدولي للتليفزيون بالإسكندرية سنة 1965، وأول من أحدث المزج بين الرسوم والتصوير السينمائي من خلال الكاميرا الأوكسبرى، وأول من أدخل الكمبيوتر ليتعامل مع كاميرا الرسوم بتقنية الصورة الهوائية المجسمة Aerial Images سنة 1980 وأدخل عليها بعض التعديلات واستخدمها في العديد من الإعلانات ومقدمات أفلام السينما المصرية، وشكل مع أخيه الفنان علي مهيب رائد الرسوم المتحركة في الوطن العربي ما اشتهر بإسم الأخوين مهيب في عالم الرسوم المتحركة والإعلان لمدة تزيد عن 35 عاماً حتى نهاية الثمانينيات.
وُلد الفنان حسام مهيب في مدينة السويس في 23 فبراير1930 وترتيبه الرابع بين أبناء أسرته، وتلاه الفنان علي مهيب شقيقه الأصغر، رفيق دربه وزميله وصديقه ثم شريكه لاحقاً، وقد تبلورت بين أصابعه موهبة الرسم، وأصبحت ظاهرة يتميز بها بين أقرانه وأصدقائه وزملائه في مدرسة النيل الثانوية بالقاهرة وفيها أنهى دراسته الثانوية بتفوق، وكان أمله المنشود هو الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة العليا بالزمالك (كلية الفنون الجميلة حالياً) ولكن نظرة المجتمع والأسرة آنذاك لفنون الرسم والتمثيل والتصوير كانت قاسية، إذ اعتبرت هذه الفنون أنها عمل من لا عمل له، فرفض الوالدين الفكرة، وجاء الاختيار والموافقة الأسرية والترحيب بالتحاقه بكليه الحقوق جامعة فاروق الأول (جامعة القاهرة حالياً) و كان من ضمن زملاء المرحلة شاب إسمه صلاح جاهين يعمل والده مستشاراً بمحاكم الحقانية، وهو الشاعر الثوري ورسام الكاريكتير الموهوب، والشاب الثاني سليمان جميل الذي كافح من أجل الحصول على الليسانس بالرغم من حبه للموسيقى وهو أخو المطربة القديرة فايدة كامل ومغنية السوبرانو أميرة كامل. والشاب الثالث كان بليغ حمدي والذي ظهرت فيما بعد موهبته الموسيقية الفذة.
أما حسام مهيب المحامي في ذلك الوقت فقد كان له شأن فيما سيلي ليصبح أحد رواد الرسوم المتحركه في عصرها الحديث، وكانت تسيطر عليه الأحلام وهو يتساءل هل صحيح سيُمكنه أن يرسم دون أن يسمع تحذيرات والديه ليترك الرسم وينتبه لدراسته؟ وفي هذا الوقت أنهى الفنان علي مهيب دراسته بالتوفيقية الثانوية وأحب هواية الرسم من أخيه الأكبر، فوافق الوالد على التحاق علي مهيب بكليه الفنون الجميلة، حتى لا تتكرر المأساة التي وضع إبنه الأكبر فيها.
البداية مع الرسوم المُتحركة
بدأ الأخوان حسام وعلي مهيب مرحلة تجارب على نفقتهما الخاصة لإشباع هوايتهما المشتركة في مجال الرسوم المتحركة، وكانت أول تجربه للأخوين حسام وعلي مهيب معاً عام 1958 والتي تولى فيها دور المصور الهاوي وصاحب الكاميرا في الوقت نفسه اللواء "عدلي الشريف" (الصاغ وقتئذٍ)، فقد تجمعت رغبات ومعلومات الثلاثة سوياً، الفنان علي مهيب يقوم بالرسم والصاغ عدلي شريف والفنان حسام مهيب يقومان بالتصوير كدر كدر frame by frame، واقتضى الأمر عمل منضدة لكاميرا التصوير تسمح بتثبيتها جيداً ووضع الإطار المناسب مع تثبيت إضاءة كهربائية على جانبي الكاميرا بزوايا تسمح بسقوط الضوء على مجال التصوير دون أن تُحدث انعكاسات ضوئية ضارة على بؤرة العدسة، وصاحبت هذه التجهيزات تجهيزات أخرى للأدوات المستخدمة للتصوير، واستخدمت نتوءات التثبيت المعدنية pegs والتي يتم استخدامها في أعمال التحريك لتثبيت الرسوم، واحتوت هذه التجربة على تصوير موضوعات بدائية أخذت شكل نكات وطرائف وكذلك بعض تجارب للمقصوصات cut out وتحريك العملات المعدنية تحت الكاميرا إلى لقطات تحريك مرسومة للملك السابق فاروق تروي مغامراته وصحوة المواطن المصرى الغلبان، ومن هنا جاء أول فيلم مصري تحت عنوان "سقوط الملك فاروق"، وكانت مدته ثلاث دقائق ونجح كأول فيلم رسوم متحركة بأيدي مصرية في تاريخ مصر سنه 1960 بعد فيلم مشمش أفندى (للأخوين فرانكل) في ثلاثينيات القرن الماضي.
وكانت أفلام هذه المرحلة طويلة جداً بلغ زمن عرضها من 100 إلى 120 ثانية، وهي عمل شاق جداً لمن مارس الرسم والتحريك ثم التصوير صورة صورة لعدة أسابيع، وكان الأخوان حسام وعلي مهيب يشاهدان الفيلم مع الصاغ شريف من خلال شاشة عرض 8 مللي خاصة به على حائط الحجرة أو أي مسطح ورقي، وتفرقت المجموعة وانشغل الأخوان مهيب بالتفكير في إشباع هوايتهما في الرسم وتحريك الرسوم، وكان إيجاد الكاميرا هو العائق، وقد تعرفا على المصور السينمائي المحترف إسكندر نظير، وقد صنع بنفسه معملاً لتحميض الأفلام السينمائية، وكانت آلة التصوير 35 مللي، ولم تكن الكاميرا مجهزة للتصوير صورة صورة frame by frame، فحدث أن التقطت الكاميرا ثلاث أو أربع صور في المرة الواحدة بدلاً من صورة واحدة، ولذا ظهرت الحاجة إلى مونتاج لاستبعاد الكدرات الزائدة، وقد احتوت هذه التجربة على الكثير من عمليات التحوير Murph بين وجوه زعماء العالم مثل نهرو وعبد الناصر وغيرهما، وأظهرت التجربة مع خبرات التجارب السابقة في التحريك والتصوير ضرورة مواجهة حسام وعلي مهيب لعائقين أساسيين، أولهما أنهما وجدا أنفسهما مسؤولين عن تحقيق وتنفيذ جميع متطلبات الإنتاج السينمائي من رسم الشخصيات والخلفيات وهما المسؤولان أيضاً عن إيجاد الكاميرا والفيلم الخام ثم بعد ذلك التعامل مع المعمل لتحميض وطبع الأفلام وسداد قيمة التكاليف والحسابات المالية والبحث عن آلة العرض، والمسألة في النهاية لا تتعدى عدد من أمتار الفيلم تظهر لبضع ثواني تجري على الشاشة في لمح البصر، والعائق الثاني هو كيفية الحصول على الخامات والأدوات المطلوبة ومن أين، مما يتطلب إيجاد حلول وبدائل أخرى، حيث أنهما كانا يستخدما لفائف rolls البلاستيك المرن الذي يُستخدم في كسوة مقاعد السيارات لحمايتها من الأتربة وسرعان ما ظهر عيوب هذه الخامة وأنها ليست البديل الأمثل لشرائح السلولويد Celluloid التي عرفاها فيما بعد.
البداية مع التليفزيون المصري:
وفي هذا الوقت كان الفنان علي مهيب مُعيداً بكلية الفنون الجميلة وكان الفنان حسام مهيب يعمل في موقع متميز في وزارة الخارجية، وتغير مسار الأخوين مهيب بسبب تجربة للفنان حسام مهيب كان تأثيرها جوهرياً في تغيير مسارهما، فحينما بدأ التليفزيون المصري إرساله من قصر عابدين سنة 1960 كان هناك من الرواد القليلين الذين تحملوا مسؤلية هذه البداية الفنان محمد سالم وكان زميلاً لعلي مهيب في مدرسه التوفيقية الثانوية، والفنان إسماعيل القاضي المخرج التليفزيونى المُميز وكان أول ظهور للفنان حسام مهيب ليس كفنان رسوم متحركة وإنما كممثل في عدد من الأدوار الثانوية في حلقات "سي جمعة" التي قام بكتابة النص والسيناريو فيها المخرج إسماعيل القاضي، وكانت هيئة وملامح الفنان حسام مهيب تؤهله للوقوف أمام الكاميرا وليس خلفها كمصور، تلك التجربة الفنية في التمثيل عادت عليه بخبرات غير محدودة ودراية طيبة لما يجري أمام الكاميرا وخلفها، ومهدت هذه التجربة بعد ذلك مع أخيه للفنان علي مهيب لإعداد مشروع الرسوم المتحركة المُرتقب وهكذا يُقدم الأخوان على الاحتراف بجرأه واستمتاع.
وفي 13 مايو 1961 دخل الاخوان مهيب مبنى التليفزيون بناءاً على اختيار المهندس صلاح عامر رئيس التليفزيون في هذا الوقت والذي حرص أن تؤسس الرسوم المتحركة بأيدٍ مصرية واتصل بالدكتور عبد القادر حاتم وزير الإعلام حينئذٍ وأبدى الدكتور عبد القادر حاتم اقتناعه بالمشروع لما عُرض عليه من تجارب الاخوين مهيب اللذان قد تعاملا فيما سبق مع أفلام الـ 8 مللي ثم الأفلام 35 مللي، وطلب من المهندس صلاح عامر إرسال الفنان حسام مهيب في بعثات إلى البلاد المتقدمة في مجال التحريك خارج مصر.
ولدعم قسم الرسوم المتحركة برئاسة الفنانان حسام مهيب وعلي مهيب في التليفزيون المصري (التليفزيون العربي في ذلك الوقت) وفر التليفزيون سنة 1962 ثاني كاميرا أوكسبري في العالم Oxberry Animation Camera وهي من إنتاج شركة Neilson Hordell الإنجليزية، والتي اختُرعت في ألمانيا سنه 1957 واستُخدمت لأول مرة في ستديوهات ديزني Walt Disney الأمريكية، وأتقن الفنان حسام مهيب استخدامها واحترف توظيف إمكاناتها، وكانت الرسومات توضع على السلولويد الشفاف فوق منضدة تحتها إضاءة، ثم تكتب مفاتيح حركة الكرتون المرسوم، ويبدأ التصوير على يد الفنان حسام مهيب كدر كدر يدوياً، واشترك في العمل مجموعة من الفنانين الشباب تحت إشرافه، ومن هنا انطلقت أول تجربة للاخوين مهيب مع التليفزيون المصرى وكانت بداية الشهرة الحقيقية والاحتراف، وتحققت لمصر الريادة في التصوير باستخدام الكاميرا الأوكسبري في العالم العربي وأفريقيا، كما كان للأخوين مهيب الريادة في فن الرسوم المتحركة باستخدام أحدث التقنيات في ذلك الوقت.
سافر الفنان حسام مهيب عام 1966 في بعثة من التليفزيون المصري إلى تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الغربية وإنجلترا وهم من الدول المتقدمه في مجال تحريك الرسوم، لدراسة أحدث التقنيات في التصوير والرسوم المتحركة، وكان الفنان حسام مهيب حريصاً على أن ينقل خبراته ومشاهداته ومحاضراته إلى أخيه في القاهرة من خلال مراسلاته الأسبوعية، وحملت هذه الرسائل في طياتها الواقع، الأفكار، ونوعية الأجهزة والمعدات وأساليب التفكير التي كانت مُتبعة في هذه الدول في ذلك الوقت. وتعرف الفنان حسام مهيب خلال بعثة التليفزيون إلى إنجلترا سنة 1966على المهندس بيتر نلسن Peter Neilson أحد أكبر مُصنعي المعدات السينمائية في إنجلترا والعالم وأحد مالكي شركة نلسون هورديل المحدودة Neilson Hordell Ltd لإنتاج الرسوم المٌتحركة باستخدام الكاميرا الأوكسبري.
لم تكن تجربة الأخوين مهيب والتليفزيون المصرى الأولى في تاريخ الرسوم المتحركة إلا أنها أصبحت التجربة المصرية الأم وتفرعت منها ستوديوهات التحريك بدءاً من التليفزيون المصري إلى ستديو مصر إلى مدينة السينما ثم كثير من الاستديوهات الأهلية المتميزة ثم الاتجاه إلى تدريس مادة الرسوم المتحركه بالكليات والمعاهد.
قامت تجربة الأخوين مهيب والرسوم المتحركة في مصر وسط مجموعة من العوامل تفاعلت معها وكان لها انعكاسات واضحة وملموسة اقترنت بداية الاحتراف بمواجهة مسؤوليات فنية وإداريه متشعبة، وهي:
- إعداد واختيار الأجهزة والمعدات المحلية اللازمة
- إعداد الموضوعات والسيناريوهات التي يجري بواسطتها الاختبارات الفنية لتحديد نوعيه مواهب وقدرات الشباب المتقدمين بأمل الفوز بوظيفه "مُحرك" واختيار أفضلهم لقسم الرسوم المتحركة
- إعداد خطه لتدريب هؤلاء الفنانين الشبان الذين وقع عليهم الاختيار
- وضع الإطار المالي والإدارى المُناسب بما يُحقق نجاح التجربة من البداية ويضمن لها الاستقرار المُمتد المستمر وكذلك ترسيخ التقييم المالي القائم على التفوق الإنتاجى
تلك سمات تجربة الأخوين مهيب والرسوم المتحركة في مصر التي جعلت منها تجربة فريدة لتُصبح التجربة المصريه الأم في صناعة الرسوم المتحركة في مصر والوطن العربي.
في عام 1962 حين استقر الفنانان حسام مهيب وعلي مهيب في التليفزيون المصري وتغلبا على ما واجههما من مصاعب، قام التليفزيون بتجهيز إداره الرسوم المتحركة بأول كاميرا أوكسبري Oxberry صُنعت خصيصاً لتصوير الرسوم المتحركة وكان استخدامها يدوياً أو شبه آلياً قبل عصر الكمبيوتر، وكان أكبر اختبار للكاميرا هو فيلم "الخط الأبيض" والذي حقق للسينما المصرية إنجازات لأول مرة في تاريخها، وحاز الفيلم على الجائزة الأولى الذهبية في المهرجان الدولي للتليفزيون بالإسكندرية سنة 1965، وحديثاً وصفه موقع السينما.كوم بأنه "تجربة كارتونيّة مبكّرة في التليفزيون المصري".
الفيلم فكرة وسيناريو الفنان حسام مهيب وكان زمن الفيلم 22 دقيقه أبيض وأسود، والبطولة كانت للفنانة الشابة نيللى والفنان ماهر العطار ونوال الصغير. وبالإضافة إلى فكرة الفيلم والسيناريو كان الفنان حسام مهيب مديراً للتصوير، وقام المهندس محمد مهيب، الأخ الأصغر للأخوين مهيب، بتصميم ديكورات الفيلم، واشتركت في التصوير السيدة حفيظة الطوبجي زوجة الفنان حسام مهيب، والفنان عادل أنور والفنان الشاب فهمي عبد الحميد، وقام بالتلحين المُلحن الراحل سيد مكاوي والفنان حلمي بكر.!!