حمدى رزق

أن تجلَّل حوائط الفيس بوك بالسواد، أن يستولى خبر وفاته على التريند ويتصدر النشرات في مصر وخارجها، أن يتسابق المعزون أجيالًا لنعيه، من جميع الأجيال، حتى من أجيال لم تره متألقًا، شعب برئيسه ينعون ابتسامة مصرية عبرت، يا له من وداع لائق وجميل، المصريون يحسنون الوداع.

 
أظنه رحل سعيدًا، الراحل الجميل سمير غانم غادرنا إلى الرحاب السماوية، ودعنا بابتسامة أخيرة وهو من عاش واجتهد ليسعد الناس، سمورة ليس كوميديانًا ولكنه حالة إنسانية راقية، عقود خمسة ونيف من السنين مضت من عمرى القصير، لم أسمع عنه أو منه حرفًا مسيئًا، عاش ومات كالنسمة الطرية ساعة العصرية تغسل أحزانك، وتزيح الهموم عن كتافك.
 
رحل سمورة مغتبطًا بكل هذه الحفاوة، ولولا الوباء (كورونا) لكان لوداعه صورة أكثر بهاء، الوباء أعجز كثيرًا من المحبين عن حضور الوداع الأخير، وكانوا يتمنون إلقاء النظرة الأخيرة، مع السلامة يا سمورة، سلم على الناس اللى هناك.
 
سمورة استثناء إنسانى قبل أن يكون فنيًّا، وهذا سره، بشوش، طيب، راق، لم يحقد على نجم يسبقه، ولم يزاحم على دور ينتظره، ولم يترخص طلبًا لظهور، أكرمه الله بالمحبة فكان مطلوبًا على الدوام، إذا حضر سمير حضرت البهجة، وبغيابه نفتقد ابتسامة في زمن عزت فيه الابتسامة، شحيحة في السوق.
 
كيف نقاوم هذا القدر من القبح والكآبة والسخافة التي تلفنا دون ابتسامة «سمورة الشقية» التي كانت تثير في النفس غبطة وتحض على البهجة، ندرة من يملكون القدرة على رسم الابتسامة على الوجوه، محتاجة صنايعية يصنعون البهجة ويخلقونها من رفات متوالية الأحداث، سمورة كان ينتزع الابتسامة من كدر الزمان العابس.
 
الكبير سمير غانم من الصنايعية الكبار، صناع السعادة، ورأسماله البهجة، تخيل لم يغص أحدنا يومًا في بحر سمورة ليقف على أحزانه وأفراحه وأتراحه، سمير غانم اكتفى بتصدير الابتسامة، ولم يصدر عنه شكوى أو نواح، ولم نسمع عنه خبرًا كئيبًا، فإذا أطل علينا يومًا كانت ابتسامته تسبقه، يشيع الانشراح، يشرح القلوب.
 
نحن جيل كان يجلس القرفصاء أمام التليفزيون الأبيض والأسود (التليفزيون الخشب فيليبس
 
أبولمبات) ليشاهد ثلاثى أضواء المسرح، الطيوب جورج سيدهم، والعفريت الضيف أحمد، واللذيذ سمير غانم، رحمة الله عليهم رحمة واسعة بقدر ما أسعدونا سعادة خلوًا من كل قبح لفظى أو حركى.
 
لم يغيب الموت سمير غانم، بل غيب معه الشقيين فطوطة وسمورة، غيب كوميديانًا راقيًا، قادرًا على انتزاع الضحكة البريئة من الصغار قبل الكبار، لم يتصنع ولم يتجمل ولم يقفز في الوجوه، ابتسامة سمورة كانت مثل زقزقة العصفورة تثير بهجة.
 
مثل سمير غانم مثل تاجر السعادة، وشعاره «أنور شمعتى لغيرى ونارها كاوية أحضانى»، لم أره حزينًا، لم يكن يملك رفاهية الحزن وهو يحمل بضاعة السعادة، كيف يبيع السعادة وابتسامته لا تلون وجهه.
 
شخصيًّا أحب الحب في أهله، وأجتهد محبًّا، لست متخصصًا في الفنون أو تقييم النجوم، لكن بحب سمورة وفطوطة وهذا كافٍ لأحب إنسانًا جميلًا اسمه سمير غانم، الله يرحمه.
 نقلا عن المصرى اليوم