دينا سيدهم

من أول يوم أدركت فيه صوت أمي حتى يوم رحيلها عن عالمنا، كانت تهمس في أذني بالنصيحة والارشاد.. صوتها لم يفارقني أبداً، حتى حينما كنت اتذمر واعترض كانت تحتملني وتثابر على العطاء.. لم تتوقف عن الإرشاد بل اتسع قلبها لارشاد حفيداتها أيضا بكل الحب والحرص.

 
كانت الصديق الأمين الوفي لكل واحد منا وكرست وقتها واهتمامها وعطاءها لوضعنا على الطريق الصحيح الذي كانت تأمله لنا.
 
جاء يوم رحيلك يا أمي بعدما أكملت مشوارك بنجاح باهر وجاء دوري في سباق التتابع لأستلم منك عصا المسئولية واحذو حذوك واتمثل بك حتى ألقاك.
 
برغم آلامك المبرحة علمتيني أن أشكر ربي طول الوقت وأرفع عيني إلى سمائه لأستمد قوة منه.. علمتيني أن أنتظر الرب بإيمان راسخ أنه في وقته يسرع به..
 
علمتيني الحب والتفاني في كل شئ وفي أدق التفاصيل.. لا أنسى القائمة الخاصة بك التي تسجلين فيها مناسبات أعياد ميلاد الأقارب والأصدقاء وحرصك الشديد على مشاركتهم أفراحهم.. هذا بخلاف مداومتك الدؤوبة للأحداث المؤلمة والحزينة التي تصيبهم وحرصك على مشاركتهم إياها وتطييب خواطرهم.
 
لا أنسى حبك لبيتك الصغير الذي كنت دائما حريصة على نظافته ونظامه وتهتمين بشكله كما لو كان عندنا زوار كل يوم.. فكنا نستمتع بكل ركن فيه.
 
لا أنسى حبك لعملك وتفانيك وابداعك فيه، كم من ليال فتحت عيني لأجدك سهرانة على لوحة لتصميم هندسي فكرت فيه وشغلت به.. حبك لعملك وبراعتك فيه ينعكس في مبان كثيرة حولنا ستظل شاهدة على ابداعك بل حتى بيتى الصغير يشهد في كافة أرجائه على لمساتك الفنية الجميلة.
 
لا أنسى حبك لبلدك وغيرتك عليها واحساسك المستمر بأهمية دورك لخدمتها، من أول حرصك على نظافة الشارع إلى القضاء على أية مخالفة حول البيت.. وبرغم انشغالك في عملك ومسئولياتك كنت تداومين على القراءة السياسية والمعرفة حتى يكون لك صوت فعال في الانتخابات أو في أي احتياج يمكنك المشاركة فيه، كمصرية أصيلة.
 
لقد نشأت وكبرت وترعرعت في ظل الدفء الأسري الذي تمتعت به وسط حبكما لبعض انت وبابا.. تعلمت منكما أن الحياة الزوجية هي شركة وبذل وعطاء وأيضا تنازلات من أجل الحفاظ على هذا الارتباط الذي باركه الله.. ومن هنا كان نبع الحب الذي لا ينضب ويفيض ويغمر القلوب.
 
والأن..أجد نفسي استلم منك عصا سباق الحياة لأكمل الدرب من بعدك واستمر
 
على تعاليمك التي أفتخر بها. وأصلي إلى الله أن يجعل صوتك مستمراً مسموعاً في قلبي وعقلي وروحي.. مصدراً عظيماً للنصح والإرشاد والحب.