فاروق عطية
ـ المعاهدة البريطانية المصرية لعام 1936م وهي معاهدة وقعت في 26 أغسطس 1936م بين بريطانيا ومصر في لندن، والتي كانت كرد فعل طبيعي بعد تصريح 28 فبراير سنة 1922م والقاضي بإلغاء الحماية البريطانية عن مصر وذلك في عهد الملك فؤاد وحكومة عبد الخالق ثروت. جاءت المعاهدة بعد إصدار بيان الحكومة بوفاة الملك فؤاد وارتقاء إبنه الملك فاروق العرش وتعيين مجلس وصاية نظرا لصغر سنه ثم شكل حزب الوفد الوزارة نظرا لفوزه في الانتخابات البرلمانية وطلبه بإجراء مفاوضات مع بريطانيا بشأن التحفظات الأربعة وهي: (1ـ حق إنجلترا في تأمين مواصلاتها في مصر لتبرير بقاء الجيش الإنجليزي. 2ـ حق إنجلترا في الدفاع عن مصر. 3ـ بقاء الامتيازات الأجنبية. 4ـ حق إنجلترا في التصرف في السودان.)، ولكن الحكومة البريطانية تهربت فقامت الثورات وتألفت جبهة وطنية لإعادة دستور 1923م بدلاً من دستور 1930م ولذلك اضطرت بريطانيا للتراجع والدخول في مفاوضات بقيادة السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني ومعاونيه وهيئة المفاوضات المصرية، ولقد اشترطت إنجلترا أن تكون المفاوضات مع كل الأحزاب حتى تضمن موافقة جميع الأحزاب وبالفعل شاركت كل الأحزاب عدا الحزب الوطني الذي رفع شعار (لا مفاوضة إلا بعد الجلاء). وبدأت المفاوضات في القاهرة في قصر الزعفران في2 مارس وانتهت بوضع معاهدة 26 أغسطس 1936م في لندن .في 23 سبتمبر 1945م طالبت الحكومة المصرية بتعديل المعاهدة لإنهاء الاحتلال البريطاني بالكامل، والسماح بضم السودان لمصر. في أعقاب الحرب العالمية الثانية انتصر حزب الوفد في الانتخابات البرلمانية 1950م وألغت المعاهدة من جانب واحد في أكتوبر 1951م.
ـ حادثة 4 فبراير سنة 1942م: أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانت القوات الألمانية بقيادة روميل موجودة في العلمين، وكان الموقف العسكري مشحونًا بالاحتمالات الخطيرة على مصر، وتبعا للتقليد الدستوري الخاص بتشكيل وزارة ترضى عنها غالبية الشعب وقادرة علي احكام قبضة الموقف الداخلي، طلب السفير البريطاني من الملك فاروق التكليف بتشكيل وزارة تحرص على الولاء لمعاهدة 1936م نصًا وروحًا قادرة على تنفيذها وتحظى بتأييد غالبية الرأي العام، وأن يتم ذلك في موعد أقصاه 3 فبراير 1942م. قام الملك باستدعاء قادة الأحزاب السياسية في محاولة لتشكيل وزارة قومية أو ائتلافية، وكانوا جميعا عدا مصطفى النحاس مؤيدين لفكرة الوزارة الائتلافية برئاسته، لأنها تحول دون انفراد حزب الوفد بالحكم خاصة أن لهم الأغلبية البرلمانية، فطلبت المملكة المتحدة من سفيرها السير مايلز لامبسون أن يلوح باستخدام القوة أمام الملك، وفي صباح يوم 4 فبراير 1942م طلب السفير مقابلة رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا وسلّمه انذارا موجها للملك هدده فيه بأنه إذا لم يعلن قبل الساعة السادسة مساءً أنه قد تم تكليف مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة فيجب عليه تحمّل تبعات ما يحدث، وكان السفير جادا في هذا الإنذار، وكان يُعّد من يعتلي العرش مكانه، وهو ولي العهد الأمير محمد علي توفيق الذي ظلّ يحلم لسنوات طويلة باعتلائه عرش مصر، كما أنه أكبر أفراد أسرة محمد علي سنا، إلا أن زعيم حزب الوفد رفض الإنذار. وعند مساء هذا اليوم 4 فبراير 1942م توجه السفير ومعه قائد القوات البريطانية بمصر " الجنرال ستون" ومعهما عدد من الضباط البريطانيين المسلحين بمحاصرة ساحة قصر عابدين بالدبابات والجنود الريطانيين ودخلا إلى مكتب الملك وكان معه رئيس الديوان أحمد حسنين باشا، ووضع أمامة وثيقة تنازله عن العرش، وقد كتب بالوثيقة: (نحن فاروق الأول ملك مصر، تقديرًا منا لمصالح بلدنا فإننا هنا نتنازل عن العرش ونتخلى عن أي حق فيه لأنفسنا ولذريتنا، ونتنازل عن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التي كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش، ونحن هنا أيضًا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا. صدر في قصر عابدين في هذا اليوم الرابع من فبراير 1942م). عندما وضعت الورقة أمام الملك تردد لثواني وكاد أن يوقع بالقلم، لكن رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا تدخل باللغة العربية وقال له شيئا، ثم توقف الملك وطلب من «لامبسون» فرصة أخرى أخيرة ليستدعي مصطفى النحاس على الفور وفي وجوده إذا أراد وأن يكلفه على مسمع منه بتشكيل الوزارة. سأله لامبسون إذا كان يفهم وبوضوح أنه يجب أن تكون الوزارة من اختيار النحاس وحده ؟ فأجاب أنه يفهم. قال له السير لامبسون أنه على استعداد أن يعطيه فرصة أخرى لأنه يريد تجنيب مصر تعقيدات قد لا تكون سهلة في هذه الظروف، وعليه يجب أن يكون تصرفه فوريا، فرد عليه مرة أخرى أنه بستوعب أن ضرورات محافظته على شرفه وعلى مصلحة بلاده تقتضي أن يستدعي النحاس فورًا.
ـ حادث القصاصين: في 15 نوفمبر 1943م عصرا تعرض الملك فاروق لاصطدام سيارته (التي أهداها له هتلر) التي كان يقودها بنفسه بسرعة كبيرة قادما من رحلة صيد بط قرب ترعة الاسماعيلية، بسيارة مقطورة عسكرية إنجليزية قادمة من بني غازي وقد انحرفت المقطورة الانجليزية يسارا فجأة وسدت الطريق أمامه لكي تدخل المعسكر، وقام الملك بالانحراف لتفادي السقوط في الترعة، واصطدمت مقدمة المقطورة بسيارته وطارت عجلاتها الإمامية وحطمت الباب الأمامي ووقع الملك فاروق وسط الطريق، وقع الحادث أمام بوابة معسكر المنشآت الهندسية رقم 140، وكاد يودي بحياة الملك. تم نقله إلى داخل المعسكر لإسعافه ولكنه قال (بعد انصراف الطبيب الإنجليزي): لا أريد شيئا من هؤلاء، وفهم المرافقون مغزى كلام الملك وحملته السيارة الملكية إلى المستشفى العسكري المصري القريب في القصاصين وقامت الطبيبة الإنجليزية بفحص الصدر والبطن وأشار الملك إلى موضع الألم وقال: عندي كسر في عظمة الحوض أسفل البطن ورغم ألمه الشديد كان سعيدا حينما شاهد ضباطاً وجنودا مصريين من الجيش المرابط في المنطقة وقد أسرعوا من تلقاء أنفسهم وأحاطوا بالمستشفى لحراسته وتم إبلاغ القصر الملكي وحضر الجراح علي إبراهيم باشا بالطائرة من القاهرة وكان أحد كبار الجراحين الإنجليز قد عرض إجراء العملية بصفة عاجلة ولكن الملك فضل انتظار الجراح المصري رغم خطورة إصابته، وسرعان ما انتشر الخبر في أرجاء مصر وزحفت الجماهير بالألوف وأحاطت بمستشفى القصاصين طوال إقامة الملك به بعد الجراحة الخطيرة التي ظل يعاني من آثارها، وسرت شائعات بأن الحادث كان مدبرا للتخلص من الملك فاروق بسبب تفاقم الخلاف الحاد بينه وبين السفير البريطاني (السير مايلز لامبسون) بعد حادث 4 فبراير وحصار الدبابات البريطانية لقصر عابدين ولكن الملك نجا بأعجوبة وتجلى مدى حب الشعب له وقتها.
ــ حريق القاهرة: في 26 يناير 1952م، أحرق مجهولون مدينة القاهرة، مما أدى إلى استقالة وزارة الوفد ذات الشعبية الجماهيرية الكبيرة، ثم قيام مجموعة الضباط الذين أطلقوا على أنفسهم الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر بقلب نظام الحكم وإبعاد الملك فاروق خارج البلاد في 23 يوليو من العام نفسه. ورغم مرور قرابة 70 عاما على هذه الجريمة، فلا يزال الفاعل مجهولا. كانت بعض الإشاعات وجهت أصابع الاتهام إلى الملك فاروق والإنجليز، وحتى أحمد حسين رئيس الحزب الاشتراكي وجماعة الإخوان المسلمين، وربما حركة الضباط أيضا بتدبير الحريق، إلا أن تحقيقات رجال الأمن - سواء قبل انقلاب يوليو أو بعده - لم تؤكد أيا من هذه الإشاعات. وكان تسلسل الأحداث كالتالي:
في مساء 8 أكتوبر 1951م، أعلن مصطفى النحاس باشا، رئيس الوزراء، إلغاء معاهدة 1936م بين مصر وبريطانيا، ووضعت حكومته قرارها موضع التنفيذ، فألغت جميع الإعفاءات التي كانت ممنوحة للسلطات العسكرية البريطانية بمقتضى المعاهدة، والتي تشمل الرسوم الجمركية على المهمات والأسلحة والعتاد ومواد التموين والرسوم المستحقة على مرور سفن القوات البريطانية بقناة السويس. كما شجعت حكومة الوفد الحركات الشعبية في تنظيم المقاومة ضد القوات البريطانية الموجودة بمنطقة القناة.
وفي 25 يناير 1952، كانت عمليات المجموعات الفدائية ضد القوات البريطانية قد ازدادت، فقامت القوات البريطانية بمحاصرة قسم البوليس الموجود بمدينة الإسماعيلية، وطلبت من قوات البوليس تسليم سلاحهم والانسحاب من المنطقة إلى مدينة القاهرة. لكن وزير الداخلية المصري - فؤاد سراج الدين - أصدر أوامره بعدم قبول الإنذار والمقاومة حتى آخر طلقة، فقاوم رجال البوليس هجمات الجيش البريطاني، وسقط منهم خمسون قتيلا وما يزيد على سبعين جريحا.
عندما شاع خبر هذه المعركة في القاهرة عمت الشعب المصري كله موجة من الغضب، وفي الساعة السادسة من صباح 26 يناير قام جنود بلوكات نظام الأقاليم بتمرد في ثكناتهم بمنطقة العباسية، وامتنعوا عن القيام بمهامهم الخاصة بحفظ النظام. وعند الظهر تجمعت مظاهرات طلاب المدارس الثانوية في ميدان الأوبرا بوسط القاهرة، قبل التوجه إلى جامعة القاهرة، للاحتجاج على ما جرى بالإسماعيلية. سارت مظاهرة الطلاب في درب الجماميز وشارع محمد علي، حتى وصلت إلى ميدان العتبة ثم ميدان الأوبرا. عندئذ فوجنوا ببعض الرجال في الثلاثينات من العمر، جاءوا بسيارة نقل مفتوحة أخرجوا منها صفائح من البنزين
أفرغوه في مبنى كازينو بديعة وأشعلوا فيه النيران. وسرعان ما انتقلوا بسيارتهم إلى الجانب الآخر من الميدان، حيث أشعلوا النيران في فندق شبرد. بعد ذلك انفضت المظاهرة وسادت الفوضى، وانضم الغوغاء إلى المسيرة، وصاروا يحطمون واجهات المحلات العامة، ويسرقون ما بها. وفي ذلك اليوم المشؤوم التهمت النيران الكثير من الأماكن العامة في وسط القاهرة، من فنادق وسينمات ومحلات تجارية ومكاتب.
أسفر الحريق عن مقتل 26 شخصًا وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا، كما أدى إلى تشريد عدة آلاف من العاملين في المنشآت التي احترقت، وليلتها اجتمع مجلس الوزراء وقرر مواجهة الموقف بإعلان الأحكام العرفية في جميع أنحاء البلاد ووقف الدراسة في المدارس والجامعات إلى أجل غير مسمى. وتم تعيين مصطفى النحاس باشا حاكمًا عسكريًا عامًا.
أجمعت المصادر الرسمية وشهود العيان على أن الحادث كان مدبرًا وأن المجموعات التي قامت بتنفيذه كانت على مستوى عالٍ من التدريب والمهارة، فقد اتضح أنهم كانوا على معرفة جيدة بأسرع الوسائل لإشعال الحرائق، وأنهم كانوا على درجة عالية من الدقة والسرعة في تنفيذ العمليات التي كُلِّفوا بها، كما كانوا يحملون معهم أدوات لفتح الأبواب المغلقة ومواقد إستيلين لصهر الحواجز الصلبة على النوافذ والأبواب، وقد استخدموا نحو 30 سيارة لتنفيذ عملياتهم في وقت قياسي، كما أن اختيار التوقيت يعد دليلاً آخر على مدى دقة التنظيم والتخطيط لتلك العمليات، فقد اختارت هذه العناصر بعد ظهر يوم السبت حيث تكون المكاتب والمحلات الكبرى مغلقة بمناسبة عطلة نهاية الأسبوع، وتكون دور السينما مغلقة بعد الحفلة الصباحية.
ينحصر الاتهام بين الملك والإنجليز ولكل منهما مصلحته فى ذلك، فهما أرادا التخلص من الحكومة الوطنية التى سببت لهما أرقاً على مدى عامين، والتى يتزعمها النحاس باشا. الحريق تم بشكل احترافى، وبأسلوب واحد تقريباً فى مختلف المواقع، وبكل المقاييس أصحاب المصلحة عديدون، على رأسهم الإخوان وحركة الضباط لقلب نظام الحكم وكل القوى الرجعية التى سعت لتدمير الوطن.