بقلم /ماجد كامل
.يعتبر الدكتور سامي جبرة واحدا من الرعيل الأول للأثريين العظام الذين أثروا العمل الأثري في مصر ؛ فهو كان رائدا في بحوثه في الحفائر التي أجريت في منطقة تونا الجبل . أما عن سامي جبرة ( 1892-1979 )نفسه ؛فلقد ولد في مدينة أبنوب بمحافظة أسيوط في يوم 24 أبريل 1892 .تعلم في مدارس الأمريكان بأسيوط ؛ثم غادر مصر إلي فرنسا لدراسة القانون وهناك حصل علي درجة الدكتوراة من جامعة السوربون وكانت حول موضوع "تاريخ الملكية في مصر من العصور القديمة حتي العصر العربي " ؛وكان ذلك عام 1918 .ومن شدة عشقه للآثار التي كان مولعا بها منذ الطفولة حيث كان يسافر مع ابناء عمومته لزيارة الآثار الموجودة بمنطقة أبنوب مسقط رأسه ؛ ألتحق بقسم الآثار الذي أفتتحه أحمد باشا كمال بمدرسة المعلمين .
ثم سافر مرة أخري إلي إنجلترا وهناك أتخذ قرارا غير مسار حياته كلها وهو تحوله إلي دراسة الآثار بدلا من القانون ؛ فحصل علي دبلوم الآثار من جامعة ليفربول وكانت حول موضوع " العدالة عند قدماء المصريين " وأكمل دراسته العليا للحصول علي درجة الدكتوراة من جامعة السوربون وكانت حول موضوع " مجلس الأعيان عند قدماء المصريين " .ثم عاد إلي مصر وعمل أمينا للمتحف المصري لمدة خمس سنوات وكان ذلك عام 1928 ؛ثم أستاذا للآثار بجامعة فؤاد الأول ؛ثم عميدا لمعهد الآثار المصرية . كما أختير عضوا بالمجمع العلمي المصري وأنتخب وكيلا للمجمع عام 1955 .
و شارك في تأسيس جمعية الآثار القبطية عام 1934 وظل عضوا بمجلس ادارتها لمدة 45 عاما . ولقد عمل الدكتور سامي جبرة أستاذا لمادة تاريخ الأديان حيث ورد أسمه ضمن قائمة أساتذة الكلية الإكليركية في مجلة مدارس الأحد عدد شهري اكتوبر ونوفمبر 1953 ؛ كما ذكره المتنيح الأنبا غريغوريوس ضمن أساتذة الكلية الإكليركية في الإحتفالية التي أقيمت في 29 نوفمبر 1957 بمناسبة مرور 64 عاما علي تأسيس الكلية الإكليركية .
كما شارك في تأسيس معهد الدراسات القبطية بالاشتراك مع العالم الراحل الدكتور عزيز سوريال عطية والدكتور مراد كامل ؛وكان ذلك عام 1954 ؛وصار عميدا له فترة من الوقت .
وأنتدب للتدريس في جامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية وذلك عام 1953 . وفي عام 1955 أنتخب نائبا لرئيس المجمع العلمي المصري وشغل عضوية مجلس إدارته لمدة ثماني سنوات. ولقد كرمته الدولة بحصوله علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية "فرع الآثار" عام 1974 . واستمر يدرس في معهد الدراسات القبطية حتي توفي في 9 مايو 1979 عن عمر يناهز 78 عاما . أما عن أهم أعماله واكتشافاته الأثرية ؛في عام 1929 كلفه مسيو بييرلاكو مدير مصلحة الآثار وقتئذ بالقيام بعمل حفائر بمنطقة دير تاسا (20كم جنوب أسيوط) فأكتشف مركز جديدا لحضارات ما قبل الأسرات .
وفي عام 1931 وافق عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين "وكان وقتها يشغل منصب عميد كلية الآداب" علي تخصيص مبلغ 500 جنيه للكشف عن جانب من آثار منطقة الأشمونين بمحافظة المنيا؛ فتوجه إلي منطقة تونا الجبل وظل يعمل في الحفريات بها لمدة أكثر من عشرين عاما حتي تمكن من العثور علي مدينة كاملة وسراديب تحت الأرض . كما كشف عن وثائق هامة ونصوص باللغة الهيروغليفية والديموطيقية خاصة بالإله تحوت اثبت فيها توصله إلي مبدأ التوحيد Monotheism قبل أخناتون ؛ ولقد لاقي هذا العمل مؤازرة كبيرة من الدكتور طه حسين حتي أنه كان يزوره كثيرا في منطقة تونا الجبل ؛وأتخذ له في هذه المنطقة أستراحة خاصة به ؛ومازالت هذه الاستراحة قائمة حتي الآن . ويذكر لنا الكاتب الصحفي حسن عبد الغفار في ريبورتاج صحفي له ورد بجريدة اليوم السابع بتاريخ 17 مايو 2017 ؛أن الاستراحة عبارة عن 2 غرفة نوم والدور الأرضي المكتب وبه صالة وحجرة كبيرة و2 حمام ومطبخ ؛ وكان الدكتور طه حسين يقيم بالاستراحة أثناء زيارته للدكتور سامي جبرة بمنطقة تونة الجبل حيث توجد بينهم علاقة مصاهرة كما ذكر لي أحد الباحثين عن طريق زوجته الفرنسية . وكان للدكتور طه حسين عدة كتابات في هذه الاستراحة لعل من أشهرها رواية " دعاء الكروان " . وعندما قام الملك فاروق بتفقد أعمال الحفر في منطقة تونة الجبل؛ تمت أستضافته في هذه الاستراحة .
وفي حديث شخصي لكاتب هذه السطور مع المتنيح الأنبا غريغوريوس عن ذكرياته مع الدكتور سامي جبرة ؛ ذكر لي أن الدكتور سامي جبرة أخبره ذات مرة أن أحد العمال سأله عندما شاهده يمسك العدسة المكبرة ويحملق عينيه في دراسة وترجمة أحدي البرديات المكتشفة باللغة الديموطيقية ؛ " هي الأوراق دي تهمك يا دكتور ؟؟!! " فرد عليه الدكتور سامي جبرة "أيوة طبعا تهمني جدا " فقال له العامل "أًصلنا كنا بنتدفي بيها في البرد والشتا!! " .
ثم قام سامي جبرة بنشر نتيجة أبحاثة في كتاب صدر باللغة الفرنسية ؛وقامت الهيئة المصرية العامة للكتاب بترجمته إلي اللغة العربية ونشره تحت عنوان "في رحاب المعبود توت " وكان ذلك عام 1971 . كما قام بعمل حفائر في منطقة المطرية وعين شمس .وعمل حفائر أخري في منطقة دهشور بمحافظة الجيزة بتكليف من دار النشر Falcon Wing Press وكان ذلك عام 1957 .وكانت حفائر دهشور هي آخر ما قام به من حفائر واكتشافات . وعندما توفي قام نيافة الحبر الجليل الأنبا غريغوريوس "اسقف عام الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطيةو البحث العلمي الراحل " بنعيه في مقال نشر بجريدة وطني في 13 مايو 1979 ؛وهذا هو نصه (فقدت مصر والقبط والدراسات المصرية والقبطية برحيلك إلي عالم البقاء علما بارزا وأسطونا من أساطين المعرفة في القرن العشرين . اليك التحية يا شيخ الآثريين وعميد الدراسات المصرية بغير منازع وأستاذ الأساتذة وأبا لعديد من أجيال الدارسين والباحثين . لقد كنت كنزا من جوهر ؛اختزنها قلبك وعقلك وروحك وكنت أيضا عمارة شاهقة أرتفعت مدماكا فوق مدماك صنعتها بصبرك وجدك وكفاحك المتواصل .إن خسارتنا فيك لا تعوض .فانت بشخصيتك المتزنة المتزنة الهادئة وقلبك الكبير مجموعة رجال في رجل .كنت عالما عملاقا ولكنك كنت قلبا طيبا . وروحا نادرة ؛احببت تلاميذك محبة أب حنون وشجعت ضعافهم ونفخت فيهم من روحك .ولم تؤخر شيئا من الفوائد عنهم .صنعت لنفسك أسما بأبحاثك الرصينة وحفرياتك المتواصلة في تونة الجبل لمدة علي ثلاثين سنة .حتي صار أسمك لصيقا بها وكأنك أحد معالمها الخالدة .وبها وبمؤلفاتك القيمة ومقالاتك في أمهات المجلات العلمية والمؤتمرات العلمية فضلا عن المحلية . وصار أسمك معروفا ومشهورا في المحافل العلمية المصرية والعالمية .كرمتك الدولة بمنحك جائزتها التقديرية ولكنك نلت تقديرا العقول الكبيرة في مصر وخارج مصر .وعندما ولدت أسماك والداك سامي ولم تكن تدري لماذا . ولكن يبدو أن هذا الأسم أخذ يتحرك في باطنك فأوحي إليك بالسمو والتسامي .حتي صارت حصيلة حياتك هي تجسيد لمعني أسمك .فأنت سامي .أسم علي مسمي .رحمك الله ألف رحمة وعزائنا وأسرتك الكريمة .وأسرة الدراسات المصرية والقبطية في جامعة القاهرة ومعهد الدراسات المصرية . ).
والجدير بالذكر أن الوفد الألماني الذي يقوم باستكمال الحفائر حاليا في منطقة تونة الجبل برئاسة ميلاني كاترين رئيسة بعثة الحفريات تهتم بجميع الأعمال العلمية للدكتور سامي جبرة ؛ وفي سبيل ذلك قامت بزيارة المهندس واصف بطرس غالي رئيس جمعية الآثار القبطية ؛ وعقب ذلك قام الوفد الالماني بزيارة معهد الدراسات القبطية ومقابلة عميد المعهد الأستاذ الدكتور سامي صبري .( لمزيد من التفاصيل راجع :- علاء المنياوي ؛جريدة صدي البلد ؛ بتاريخ 17 أبريل 2018 ؛ موقع علي شبكة الأنترنت ) .
أما عن قصة الاستراحة التي تم فيها فيها تصوير فيلم دعاء الكراوان ؛ عندما أراد المخرج الكبير هنري بركات أن يصور مشاهد الفيلم في نفس المكان الذي أستلهم فيه طه حسين روايته ؛ أكتشف أن منطقة تونا الجبل منطقة صحراية جبلية لن تصلح لتصوير مشاهد فيلم تدور أحداثه في مناطق زراعية فيها زرع وخضرة ونيل ؛ فقرر أن يصمم ماكيت للاستراحة في منطقة الفيوم وهي المنطقة التي تم فيها تصوير كل مشاهد الفيلم الرائع "دعاء الكراوان " .
بعض مراجع ومصادر المقالة :-
1- Mirrit Boutros Ghali ;- the Coptic Encyclopedia :- Claremont Coptic Encyclopedia
2- مينا بديع عبد الملك :- قاموس التراجم القبطية ؛ جمعية مارمينا العجايبي بالاسكندرية ؛ الطبعة الأولي ؛ 1995 ؛ صفحة 111 .
3- مينا بديع عبد الملك :- أقباط في تاريخ مصر ( الجزء الأول ) ؛ جمعية مارمينا العجايبي بالاسكندرية ؛ نوفمبر 2017 ؛ الصفحات من ( 147- 150 ) .
4- نيافة الأنبا غريغوريوس ؛ كلمة رثاء بجريدة وطني بتاريخ 13 مايو 1979 .
5- علاء المنياوي :- جريدة صدي البلد ؛بتاريخ 17 أبريل 2018 ؛ موقع علي شبكة الأنترنت .
6- فوزي الشتوي :- هرموبوليس مدينة الحج ؛ مجلة الرسالة ؛ العدد 619 ؛ بتاريخ 14 مايو 1945 ؛
7- بعض المواقع المتفرقة علي شبكة الأنترنت .
8- بعض الحوارات الشخصية مع المتنيح الانبا غريغوريوس بمكتبه .
9- مجلة مدارس الأحد عدد شهر شهر أكتوبر ونوفمبر 1953 .
10-مجموعة من أساتذة وخريجي الكلية :-الكلية الإكليركية في 125 عاما ؛ الكلية الإكليركية اللاهوتية للأقباط الأرثوذكس ؛ الصفحات من ( 343- 346 ) .