بقلم : زهير دعيم
كانت تلك الليلة مشهودة ، كانت ليلةً ليلاء حالكة ، سجّلها التّاريخ وخطّها على صفحاته ونقشها في ضميره ...ليلة حُبلى بالألم والخيانة و.....الولادة الجديدة .
كم كنت أتمنّى أن أكون رسّاما ماهرًا لأنقلها لوحةً خالدة ، أو أكون نحّاتًا مُبدعًا لأنقل مشاعري وأحاسيسي عبرها إلى الحجر الأصمّ الأبكم ، فأجعل الحياة تدبّ فيها ، وأجعل القداسة تحيا وتتنفّس حقًّا ، نعم كنت أريد أن أرسم المشهد الأحلى والأجمل ، المشهد الذي يفيض حنانًا وتحنانًا وألمًا وفداءً ، ولكن لا بأس ، فها أنا أحاول أن أخطّها حروفًا ...حروفًا جميلة قدر استطاعتي المتواضعة ، مشهد ابن الإنسان وهو يصلّي بلجاجة وحرارة للآب أن يرفع عنه هذه الكأس .." ولكن لتكن مشيئتك لا مشيئتي " صرخ وتساقطت قطرات عرقه كما قطرات دم ، بل قطرات دمٍ فعلًا ، دم الألم ، دم الخطيئة التي سيحملها على منكبيْهِ وكتفيْه.
يسوع ؛ شاعر المحبّة وجبّار البأس ، ارتعش كإنسان أمام هوْل خطايانا ، وأمام يقينه بأنّ أباه سيحجب وجهه عنه ، وكيف لا يكون ذلك وهو زهرة الشّارون البيضاء ، الناصعة ، النقيّة الطاهرة ، ستصبح مُغبّرة ًبخطايانا ؛ خطايا البشرية جمعاء .
نعم سيحملها السيّد بعد ساعات ما بين السماء والأرض ، وسيتحدّى الموت في عقر داره ، وسيجرّه حتمًا مُهانًا في سراديب الهاوية أمام أعوانه ، ومع زغاريد الملائكة وترنيماتهم .
جميلة هذه الليلة الليلاء ، الحزينة الحالمة ، لأنّه من أعماقها انبثق الفجر ؛ فجر الأحد ، فجر الحريّة والغَلَبة...انبثق السّلام وانبجست الطمأنينة.
فجر الأحد قصيدة جميلة ، كتبها يسوع بدمائه ، وغنّاها برخيم صوته ، فوصل صداها إلى العرش الأسمى ، فرنّم كل مَن في السماء ، وجثت كلّ ركبة تعرف الحقّ وتعشقه.
فجر الأحد فجر الدُّنيا والأمل المعقود على جبين الكينونة والصّيرورة ، والمُزهر أبدًا فوق كلّ الرُّبى العابقة بأريج الفداء ، وطِيب حاملات الطيب الذي ما زال يتضوّع .
يســـــــــــــــــــــوع ؛ العريس ابن الثلاثة والثلاثين نيسانًا ، والمقام من الموت والمنتصر عليه : ...نرنو إليك ونشتاق ، نحبّك ونُعظّمك ونُقدِّر صليبك عاليًا ، ونفاخر بك الدُّنيا ، فبهذا الصّليب ، رمز المحبّة اللامتناهية ، والتضحية الغامرة ، صار لنا الحقّ أن نصبح أبناءً للباري العظيم ، وصار لنا الحقّ أن نرث الملكوت .
أتفطّرُ وأتقطّعُ حُزنًا يا سيّدي ، وأنا أرى أرتال البشر ومواكبهم يسرعون نحو الجحيم ، بل الأدهى والأمرّ إنهم يزدرون بصليبكَ ، ويأبون خلاصًا هذا مقداره.
إنهم يستهينون يا سيّد بالصّليب ، ويرفضون المحبّة ، يستهينون بحِلمك وبخلاصك يا يسوع، ويرفضون أن يفتحوا لك الأبواب والقلوب ، وأنت تقرع وتقرع .
.
آه ......لربما غاليْتُ بعض الشيء يا سيّدي فاعذرني ، فالأمر ليس في السوداوية التي وصفتها أنا ، فالفضائيات والإذاعات وسفراؤك يحملون البشارة بأمانة إلى كلّ بيت ، فتنتشر هذه البشارة وتزدهر وتملأ النفوس دفئًا وإيمانًا وتجديدًا ..
نعم الاختراع يا سيّد – وأنت ربّه – يخدمك بل يخدم البشرية والحقّ.
يســــــــــــــــــــــوع في هذه الأيام الفصحيّة أقف إجلالا لصليبكَ.
يســـــــــــــــــــــــوع .... أعظِّمُ آلامكَ
يســــــــــــــــــــــــوع..... أذوبُ فرحًا بقيامتكَ
يســـــــــــــــــــــــــوع .... أنتَ ربّي والهي.
يســــــــــــــــــــــــــوع ....إنّنا ننتظرك ، فعجَّل .