انبهار راهب بيزنطى أمام عظمة وغنى التراث المصرى
الأب أثناسيوس حنين
أقمنا اليوم ’صباح أحد الفصح ’في كنيستى بضاحية جليفاذا ’ طقسا رائعا وهو ’ في رؤياى’ عيد الثقافة والعلم والتواصل بين الحضارات وهدم جسور الفرقة وفوق كل شيء هو يوم الشهادة لما رأينا وسمعنا ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة حسب الحبيب يوحنا . يلقبونه "أحد الحب" وفيه يقومون بقرأة أنجيل القيامة وظهورات المسيح وخاصة لمن يتسأل ويطلب الفهم مثل توما ’نقرأئه بكافة اللغات المتاحة. وقعت على القرعة ’هذه المرة ’أن أقرأ بالفرنسية وكنت مرات سابقة قد قرأته بالقبطية. وفيما نحن نسلم على بعضنا البعض بتحية هذه الأيام "خرستوس أنستى" بادرنى راهب أثوسى صديق وكان ضابطا سابقا بالبوليس اليوناني وترك كل شيء ليصير راهبا . بادرنى بالسؤال عن مقابل هذه التحية باللغة القبطية ’ فأجبته "بخرستوس أفتونف’ أليثوس أفتونف ". تعجب من وجود كلمات يونانية أساسية في العبارة القبطية ’ وهما كلمتى المسيح والحق .وهنا قلت له بأن المصريون القدماء في العلم والأيام والثقافة ’ قد عقدوا أول قران لغوى وثقافى في التاريخ بين لغة تحتضر وهى اللغة الفرعونية القديمة ’ ولغة حية وهى اللغة اليونانية ’ حاملة الثقافة الهيلينية العريقة. أستعاروا 24 حرفا من لغة افلاطون وارسطوا وضموا اليها 9 أو 7 حروف هيروغليفية ’ وعقدوا الزواج الشرعى ’ الأول في التاريخ نكرر ’ بين الثقافتين الهيلينية والمصرية. وزفوا الى العالم خبر ولادة صبية رائعة وهى اللغة المصرية القديمة في ثوبها المسيحى -القبطى القشيب. ولقد عانى هذه الزواج من عزال كثيرين ’ من الداخل ومن الخارج ’ طوال تاريخه الطويل.وظلت البنوتة حية وبتكبر حتى دخول العرب مصر وهم قوم وأن أمنوا بأن أبغض الحلال عند الله الطلاق ’ الا أنهم سعوا بكافة السبل الى فسخ هذا الزواج ’ وحرموا الثقافة الكونية من هذا الابداع الذى لا يضاهيه ابداع’ وصار القبطى يتيما ثقافيا وتأئها لاهوتيا ومتغربا ناسوتيا ’ يتروحن ويتلهوت ويتحضرن بلغة غير لغته وعادات غريبة عن تاريخه وتراثه ! ويبحث عن حضن دافى في أحضان زوجة الأب الجديدة والغريبة . ولكن الذى أقام الكلمة من قبر النسيان والتناسى والجهل والتجاهل ’ قرر في ملء الزمان أن يعيد لهذا التراث مكانته الثقافية الكونية وأن يقيمه من ثباته ليضع على منارة الجامعات العريقة في العالم ويصير لها كراسى(كوبتولوجى) تكمل وتقف سندا لعلم (الايجيبتولوجى).نحن نرى هذه الأيام اهتماما حكوميا مصريا ’ مشكورا ’ بأعياد وعادات قبط مصر ولكن هذه الأمور الاجتماعية والعاطفية لا تشفى غليلا علميا ولا تصنع نهضة لاهوتية
ولا تقدم للعالم وللمصريين ثقافية مصرية ولا تعيد كشف هويتهم المصرية .ان استعادة اللغة بكل مشتملاتها ستساعد قبط مصر على أن لا يستوردوا لاهوتا أو ثقافة (صنع الصين!)’ يعنى ثقافة مضروبة ومقلدة وتتبع تقاليد الناس وليست تقليدا حيا سماويا ومصريا .أولا وقبل كل شيء ’ سوف يتوقفون أن يكونوا حراسا ’ مجرد ’ حراسا للمتحف القبطى. سوف يصيروا سباقون في دراسة تاريخ مصر الحقيقى في أرضياته وسماوياته .سوف تصير أخرتهم حقيقة لأنهم يتعهدون دنياهم بالحب والابداع والعمل الجاد. وأميل الى الاعتقاد أن الذين أبدعوا في اكرام الموميأأت الفرعونية الميته وأبهروا العالم ’ هم قادرون على تكريم احفاد هذه الجثث الاحياء علميا وثقافيا ليسمعهم العالم ويراهم كما رأى وأنبهر بأجدادهم وكما انبهر صديقى الراهب اليوناني بعظمة هذا التراث المصرى. "الحى أبقى من الميت "’ يقول أهالينا الحكماء بالسليقة ! ما نترجاء ونحن نرى هذه التجديد الدؤؤب في البنية الاساسية للبلاد والدعوة المستمرة الى تجديد الخطاب الدينى ’ هو أن تعود مصر-المحروسة ’ من الله وساكنيها مهما تعددت مشاربهم ’ أن تعود حاملة الحضارة الى أن تصير (خلاط) الثقافات الكونية .أن يتم تجديد البنية التحتية للإنسان المصرى عامة والقبطى خاصة ! أن يتم تأسيس أقسام قبطيات في جامعات مصر الكبرى ’ وحينما نقول أقسام علمية لا نقصد هذه (الكتاتيب) المنتشرة هنا وهناك ! بل مؤسسات علمية يقوم عليها أكاديميون وعلماء محترفون
(سى في واضح ومش مضروب تحت السلم !) وليسوا هواة ثقافة أو عادات اجتماعية ولت أو قصص لا تشبع من جوع .كم تمنيت أن يقوم الرئيس السيسى ’ بدلا من تأسيس ’ أكبر مسجد وأضخم كنيسة في المدينة الإدارية الجديدة ’ أن يشيد مؤسستين عالميتين لتجديد الفكر الدينى واللاهوتى في مصر ! مصر ’ يا ريس ’ مش ناقصها جوامع ومساجد ’ مصر ’ وأنت الفهيم ’ ينقصها عقول نيرة وقلوب صادقة وهمم لا تكل ولا تلين تعمل معك ولا تعمل ضدك ! لا نريد تكرار نهضة عصر جحا وأفلاطون في مصر. هذه صناعة مصرية ساهم فيها القبط كثيرا وهم سباقون في هذا الإنجاز .الواحد يدغدغ مشاعرهم ويضحكهم على أنفسهم ’ والأخر يقودهم الى متاهة عقلية لا يخرجوا منها الا أشلاء !نريد علماء أحرار وليسوا تابعين ’ مبدعون وخلاقون وليسوا نساخين ’ماكينات انتاج أكاديمى وليسوا ألات تسجيل لما عتق وشاخ أو مكبرات صوت تلوث البيئة الثقافية ’ أو أبواق جاهلة لكل مفتى في الديار المسيحية مهما سما وعلا مقامه !علماء مشهود لهم ’ كونيا ’ من شهاداتهم وابداعاتهم ومؤلفاتهم ’ من أولاد المحروسة الولادة وما أكثرهم في الداخل والخارج . هنا فقط سيكتشف القبط هويتهم المصرية الأصيلة ويتخلصوا من عقدة الأقلية ’ سيتوقفون عن التغنى بأنهم (القطيع الصغير ) المظلوم والمقهور !سيقومون بحرق الدفاتر الصفراء القديمة ’ التي يسترزق منها الكثيرون (برة وجوة) وينسوا مأسى وأحقاد التاريخ لأنهم دفنوها في قبر الكلمة وقامت فيهم وبهم علما جديدا ’وقتها سينتمون لمصر حقا وسيتوقفون عن البكاء والنواح على حوائط مبكى هذه الدهر وخاصة وقد انتشروا في بلاد المهجر ومنهم من يصلى لهذا اليوم ويستعد للعودة الى أرض الوطنلكى يشارك في النهضة الكبرى.’سيصيروا’ حقا ’ مصريون ’ أينما ذهبوا ’سيصيرون فعلا مبدعون وصناع حضارة . سيصير تراب هذا الكون ’في أيديهم ’ذهبا إنسانيا وفكرا لاهوتيا وزادا ثقافيا مصفى بالنار ’ نار روح الحق .وقتها ’ ووقتها فقط ستعيش الثقافة المصرية فصحا جديدا ومجيدا. وسننشد جميعا في أعمق انشودة وكما أنشدنا أمام أجساد أجدادنا في عرض الموميأأت الرائع ’ (خرستوس أنستى ’ بى ريم انكيمى أنستى ) المسيح قام ’ وقامت مصر معه .