ولد وعاش و تألم و صلب و قام و صعد إلى السماء.
إعداد / نجيب محفوظ نجيب.
ما أصعب الإنتظار. فلا أحد يعرف طعمه سوى من أكتوى بناره. و هى قد تجرعت مراره طوال سنوات عمرها. فالحلم الذى أنتظرته منذ شبابها لم يتحقق. و ها هى الآن أصبحت عجوزا و تباعدت المسافة بينها و بين تحقيقه.
فبعض الأحلام إن لم تتحقق فى ميعادها فربما لا تتحقق أصلا.
و لأنها إنسانة تعيش الإيمان و تنفذ وصايا الله فلهذا قد سلمت أمرها فى يد خالقها و استمرت فى الحياة.
فى صباح أحد الأيام كانت تنتظر زوجها الكاهن يعود إلى المنزل بعد أن قضى أياما لتقديم البخور فى الهيكل. و ما أن رأته حتى بادرت بسؤاله : هل أعد لك الطعام ؟ أجابها مشيرا بيديه : لا.
عاودت السؤال : هل أنت مرهق؟ أشار لها بيديه : لا.
قالت له : ماذا حدث ؟ لماذا لا تتكلم ؟
أومأ إليها أن تحضر له رقائق من الجلد لكى يكتب لها.
جاءته بطلبه ... كتب لها : لقد رأيت رؤيا أثناء خدمتى فى الهيكل.
قالت له : و ما علاقة الرؤيا بعدم قدرتك على الكلام.
كتب : سوف اشرح لكى.
ظهر لى ملاك و قال لى أن زوجتك سوف تلد لك أبنا و سوف تسميه يوحنا.
و عندما سألته : كيف يحدث هذا و أنا و زوجتى قد أصبحنا كبارا فى السن.
قال لى : سوف تصمت إلى أن يصبح لك أبنا و تتحقق النبوءة.
مضت الأيام و الشهور و ها هى قد أصبحت حاملا فى الشهر السادس.
و ها هو نفس الملاك يظهر لأبنة خالتها فتاة عذراء أسمها مريم لكى يبشرها بميلاد أبنا لها. و عندما رأت مريم الملاك خافت، فقال لها : لا تخافى أنتى قد وجدتى نعمة عند الله. ... سوف تحملين و تلدين أبنا و تسمينه يسوع. فقالت له : كيف يكون هذا و أنا لازلت مخطوبة ليوسف ... فنحن لم نتزوج بعد. ... قال لها : الروح القدس يحل عليكى و قوة العلى تظللك و القدوس المولود منك يدعى أبن الله. و ها هى اليصابات إبنة خالتك الكبيرة فى السن حامل فى الشهر السادس. فلا يوجد أمر غير ممكن عند الله. فقالت مريم : هوذا أنا خادمة الرب. ... ليكن لى كقولك.
و بعد أن تركها الملاك مضت مريم إلى اليصابات إبنة خالتها و ظلت معها تساعدها و تخدمها إلى أن ولدت إبنها يوحنا، ثم بعد أن اطمأنت عليها عادت إلى بيتها.
و عندما أصدر الإمبراطور أغسطس قيصر أمرا بالاكتتاب و تسجيل أسماء الناس للإحصاء و معرفة عدد السكان، ذهب يوسف و معه مريم خطيبته و هى حامل إلى بيت لحم المدينة التى ولد فيها يوسف لكى يسجل أسمه و أسمها و لكن فا جأتها آلام الولادة فولدت أبنا أسمته يسوع كما تنبأ لها الملاك و لفته بالأقمشة و وضعته فى مزود لأنهم لم يجدوا لهم منزلا يبيتون فيه.
و بعد أربعين يوما ذهب يوسف و مريم و الطفل يسوع إلى أورشليم لكى يقدموا الطفل يسوع إلى الرب كما هو مكتوب فى ناموس الرب : أن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب ، و لكى يقدموا ذبيحة كما قيل فى ناموس الرب : زوج يمام أو فرخى حمام.
و فى الهيكل فى أورشليم، جاء سمعان الشيخ الرجل البار التقى الذى كان ينتظر أن يرى الطفل يسوع، فما أن رآه مع مريم و يوسف حتى حمله على ذراعيه و بارك الله قائلا الآن يا سيدى تطلق عبدك بسلام حسب قولك لأن عينى قد أبصرتا خلاص الذى أعددته قدام وجه جميع الشعوب. نور إعلان للأمم و مجدا لشعبك إسرائيل. و قال لمريم أمه : ها أن هذا قد وضع لقيام و سقوط كثيرين فى إسرائيل و لعلامة تقاوم. و أنت أيضا يجوز فى نفسك سيف لتعلن أفكار من قلوب كثيرة.
أيضا جاءت حنة بنت فنوءيل النبية الأرملة التى عاشت فى الهيكل و لم تفارقه أربع و ثمانين سنة، تصلى و تصوم و تقدم الطلبات نهارا و ليلا. فما أن رأت الطفل يسوع حتى وقفت تسبح الرب و تكلمت عنه مع كل المنتظرين فداء فى أورشليم.
و عندما أكملوا ناموس الرب رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة. و كان الطفل يسوع ينمو و يتقوى بالروح ممتلأ حكمة و كانت نعمة الله عليه.
و كانت مريم تحفظ كل أمور حياة أبنها يسوع فى قلبها و كانت تراه و هو يتقدم فى الحكمة و القامة و النعمة عند الله و الناس.
عندما صار له ثلاثين عاما ذهب يسوع إلى يوحنا المعمدان الذى كان يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا كما هو مكتوب فى سفر أشعياء النبى : صوت صارخ فى البرية أعدوا طريق الرب أصنعوا سبله مستقيمة. و أعتمد منه و كان يصلى فانفتحت السماء و نزل عليه الروح القدس فى هيئة حمامة و كان صوت من السماء يقول : أنت أبنى الحبيب بك سررت.
و بعدما أعتمد بدأ يسوع خدمته و كان يعلم فى مجامع اليهود. و بدأ يصنع المعجزات و يشفى المرضى و يخرج الأرواح الشريرة و يقيم الموتى.
أختار أثنى عشر تلميذا و دعاهم و أرسلهم لكى يكرزوا بملكوت الله و أعطاهم القوة و السلطان لكى يشفوا الأمراض و يخرجوا الأرواح الشريرة.
و فى إحدى الأيام و هو يصلى و معه ثلاثة من تلاميذه بطرس و يوحنا و يعقوب صارت هيئة وجهه متغيرة و لباسه مبيضا لامعا و ظهر معه موسى و إيليا و ظللتهم سحابة سمع منها صوتا قائلا : هذا هو أبنى الحبيب له أسمعوا.
و بعد هذا أختار سبعين تلميذا آخرين و أرسلهم أمام وجهه إلى كل مدينة و موضع حيث كان هو مزمعا أن يأتى.
و فى أحد أيام الأحاد دخل أورشليم راكبا على جحش ففرح التلاميذ و الناس و بدأوا يسبحون الله بصوت عظيم من أجل كل المعجزات و القوات التى رأوها و نظروها بأعينهم و قالوا : مبارك الملك الآتى بأسم الرب سلام فى السماء و مجد فى الأعالى. و بعض الفريسيين قالوا له : يا معلم انتهر تلاميذك! فقال لهم : الحق أقول لكم : أنه إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ!
و عندما أقترب من أورشليم نظر إلى المدينة و بكى عليها قائلا : أنك لو علمت أنت أيضا حتى فى يومك هذا ما هو لسلامك ! و لكن الآن قد أخفى عن عينيك. فإنه ستأتى أيام و يحيط بك أعداؤك بمترسة و يحدقون بك و يحاصرونك من كل جهة. و يهدمونك و بنوك فيك. و لا يتركون فيك حجرا على حجر. لأنك لم تعرفى زمان أفتقادك.
و عندما دخل الهيكل ابتدأ يخرج الذين كانوا يبيعون و يشترون فيه قائلا : إن بيتى بيت الصلاة. و أنتم جعلتموه مغارة لصوص !
و كان يعلم كل يوم فى الهيكل، و كان رؤساء الكهنة و الكتبة و وجوه الشعب كانوا يطلبون أن يهلكوه و يقتلوه، و لكن لم يجدوا ما يفعلون لأن الشعب كان متعلقا به يسمع له.
و لكن يهوذا الاسخريوطى مضى و تكلم مع رؤساء الكهنة لكى يسلمه إليهم، ففرحوا و عاهدوه أن يعطوه فضة. فواعدهم و كان يطلب فرصة لكى يستطيع أن يسلمه إليهم.
و يوم الخميس، جاء يسوع و معه التلاميذ الأثنى عشر لكى يأكلوا الفصح فى علية منزل مرقس.
فأخذ خبرا و شكر و كسر و أعطاهم قائلا : هذا هو جسدى الذى يبذل عنكم. اصنعوا هذا لذكرى.
و أيضا الكأس بعد العشاء قائلا : هذه الكأس هى العهد الجديد بدمى الذى يسفك عنكم.
و قال الرب يسوع لبطرس : سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة! و لكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك. و أنت متى رجعت ثبت اخوتك.
قال بطرس ليسوع : يا رب إنى مستعد أن أمضى معك حتى إلى السجن و إلى الموت.
فقال الرب يسوع لبطرس : أقول لك يا بطرس : لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفنى.
مضى يسوع إلى جبل الزيتون و تبعه التلاميذ و جثا على ركبتيه و كان يصلى قائلا : يا ابتاه إن شئت أن تجيز عنى هذه الكأس. و لكن لتكن لا إرادتى بل إرادتك.
و ظهر له ملاك من السماء لكى يقويه.
و كان يسوع يصلى فى جهاد و فى لجاجة و صار عرقه كقطرات دم.
و عندما أنتهى من الصلاة، جاء يهوذا يتقدم جمعا من الناس و أقترب من يسوع لكى يقبله.
فقال له يسوع : يا يهوذا ابقبلة تسلم أبن الأنسان؟
أخذ رؤساء الكهنة و قواد جند الهيكل يسوع و ادخلوه إلى بيت رئيس الكهنة، و كان بطرس يتبعه من بعيد.
فرأته جارية و تفرست فيه و قالت : و هذا كان معه.
فأنكر قائلا : لست أعرفه يا امرأة.
و بعد قليل رآه شخص آخر و قال : أنت منهم.
فقال بطرس : يا إنسان، لست أنا.
و بعد مضى ساعة واحدة قال شخصا آخر : بالحق إن هذا أيضا كان معه، لأنه جليلى أيضا.
فقال بطرس : يا إنسان، لست أعرف ما تقول!
و فى الحال بينما هو يتكلم صاح الديك.
ألتفت الرب يسوع و نظر إلى بطرس، فتذكر بطرس كلام يسوع عندما قال له : إنك قبل أن يصيح الديك ثلاث مرات تنكرنى.
فخرج بطرس و بكى بكاءا مرا.
و فى المجمع، أجتمع رؤساء الكهنة و الكتبة و سألوه قائلين : إن كنت أنت المسيح، قل لنا!.
فقال لهم : إن قلت لكم لا تصدقون، و إن سألت لا تجيبوننى و لا تطلقوننى. منذ الآن يكون أبن الإنسان جالسا عن يمين قوة الله.
قالوا له : أفأنت أبن الله؟
فقال لهم : أنتم تقولون إنى أنا هو.
قالوا : ما حاجتنا بعد إلى شهادة ؟ لأننا نحن سمعنا من فمه.
و فى قصر بيلاطس بنطس، ابتدأوا يشتكون عليه قائلين : إننا وجدنا هذا يفسد الأمة، و يمنع أن تعطى جزية لقيصر قائلا : إنه هو مسيح ملك.
فسأله بيلاطس بنطس : أنت ملك اليهود ؟
أجاب يسوع : أنت تقول.
فقال بيلاطس بنطس لرؤساء الكهنة و جموع اليهود : إنى لا أجد علة فى هذا الإنسان.
فكان يريد أن يطلق يسوع. و لكنهم صرخوا قائلين : أصلبه! أصلبه!.
فحكم أن تكون طلبتهم و أسلم يسوع لمشيئتهم.
مضوا بيسوع و أمسكوا سمعان القيروانى الذى كان أتيا من الحقل و وضعوا عليه الصليب لكى يحمله خلف يسوع.
وعندما وصلوا إلى موضع الجلجثة ( الجمجمة ) صلبوا يسوع مع أثنين من المذنبين، واحد عن اليمين و الآخر عن اليسار.
فقال يسوع : يا ابتاه، أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون.
و كان مكتوب فوق الصليب بأحرف يونانية و لاتينية و عبرانية : هذا هو ملك اليهود.
و كانت واقفات عند صليب يسوع، مريم أمه، و أخت أمه، مريم زوجة كوبا، و مريم المجدلية.
فلما رأى يسوع مريم أمه، و يوحنا الحبيب التلميذ الذى كان يسوع يحبه، قال يسوع لمريم أمه : يا امرأة، هوذا ابنك.
و قال ليوحنا الحبيب : هوذا أمك.
و من تلك الساعة ذهبت القديسة العذراء مريم أم يسوع المسيح لكى تعيش فى بيت يوحنا الحبيب.
و أحد المذنبين المصلوبين مع يسوع قال له : أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك.
فقال له يسوع : الحق أقول لك أنك اليوم تكون معى فى الفردوس.
و كان نحو الساعة السادسة و كانت ظلمة على الأرض كلها حتى الساعة التاسعة. و أظلمت الشمس و أنشق حجاب الهيكل من وسطه.
و نادى يسوع بصوت عظيم : يا ابتاه، فى يديك استودع روحى.
و لما قال هذا أسلم الروح.
فجاء رجل اسمه يوسف من مدينة الرامة، و هو رجل تقى بار كان ينتظر ملكوت الله، و لم يكن موافقا لرأى اليهود و لعملهم، فتقدم و طلب من بيلاطس بنطس جسد يسوع، و أنزله و لفه بكتان، و وضعه فى قبر منحوت حيث لم يكن أحد وضع قط.
و فى أول الاسبوع، أول الفجر، جاءت نساء حاملات حنوطا و اطيابا، فوجدن الحجر مدحرجا عن القبر، فدخلن و لم يجدن جسد الرب يسوع المسيح.
قام يسوع و ظهر لتلاميذه و أراهم يديه و رجليه و قال لهم : هذا هو الكلام الذى كلمتكم به و أنا بعد معكم، أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى و الأنبياء و المزامير.
ففتح ذهنهم لكى يفهموا الكتب، و قال لهم : هكذا هو مكتوب، و هكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم و يقوم من الأموات فى اليوم الثالث. و ان يكرز بأسمه للتوبة و مغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدأ من أورشليم. و أنتم شهود لذلك.
و رفع يديه و باركهم و فيما هو يباركهم أنفرد عنهم و أصعد إلى السماء.
فسجدوا له و رجعوا الى أورشليم بفرح عظيم.
و كانوا كل حين في الهيكل يسبحون و يباركون الله.