وصدور حكم الموت على يسوع من قضاء غير عادل
د. عوض شفيق
استاذ القانون الدولى - جنيف
بعد قيام يسوع وثورته على تجار الهيكل أقبل إليه كبار الكهنة والكتبة، والشيوخ، وسألوه: "من أعطاك السلطان على طرد التجار من الهيكل، ما لك وللهيكل، كيف تجرؤ؟" فضرب لهم هذا المثل صاحب الكرم والكرامين .وكان هذا المثل يُعتبر الحد الفاصل ونقطة التحّول في مسار العلاقة بين يسوع والسلطة الدينية اليهودية، ولا يَخفى على اللبيب فهمه:
"إنسان غرس كرما وأحاطه بسياج، وحفر حوض معصرة، وبنى برجا، وسلمه إلى قوم من الكرامين، ثم سافر
وأرسل صاحب الكرم إلى الكرامين عبداً ليطلب ثمر الكرم من الكرامين، فقبضوا عليه، فأخذوه وجلدوه وأرسلوه فارغ اليدين. ثم قام صاحب الكرم بإرسال عبدا آخر، فرجموه وشجّوا وأرسلوه مهانا. ثم أرسل أيضا آخر، فقتلوه. ثم آخرين كثيرين، فجلدوا منهم بعضا وقتلوا بعضا. وكان لصاحب الكرم ابن وحيد، حبيب إليه، أرسله أيضا إليهم أخيرا، ليطالبهم بثمر الكرم، وهو يقول في نفسه : هذه المرة سيهابون ابني!. ولكن أولئك الكرامين فبدلاً من أن يتهيّبوه، قاموا بالتآمر عليه وقالوا فيما بينهم: هذا هو الوارث تعالوا نقتله فيكون لنا الميراث فأمسكوا بابن صاحب الكرم وقتلوه وطرحوه خارج الكرم" (مرقس ١٢ من ١-٨)
ولما انتهى المسيح من رواية صاحب الكرم والكرامين، سألهم سؤالا بلاغياً:
" ماذا يفعل صاحب الكرم؟ يأتي ويهلك الكرامين، ويعطي الكرم إلى آخرين؟" وأجابوه وقالوا له: "يأتي ويُهلك أولئك الكرّامين الأردياء، ويسلّم الكرم إلى كرّامين آخرين يُعطونه الأثمار في أوقاتها".
ثم وجّه يسوع كلامه إلى رؤساء اليهود وقال : "أما قرأتم هذا [النص المكتوب الوارد في سفر المزامير]: "الحجر الذي رفضه البناؤون، هو قد صار رأس الزاوية" (مزمور ١١٨/٢٢).
وانهى حواره معهم بقول قاطع: "لذلك أقول : "إن ملكوت الله يُنزع منكم ويُعطى لأمة تُنتج أثماره" (متى٢١/٤٣).
وتحققت النبوة التي قالها إشعياء: الويل للأمة المملوءة اثماً، الزرع الفاسد، الأبناء المخالفين...الثور عرف مذوده والحمار عرف قانيه، أما إسرائيل فلم يعرفني أننني خالقه. من أجل ذلك يخلدون هم وأبناؤهم في الجحيم، بيتهم إلى الأبد."
"هل يد الرب لا تقوى على أن تخلص؟ أم ثقلت أذنه عن السماع؟...ليس من يقول الحق، ولا يوجد قاض عادل.
يؤمنون بالأباطيل...فقسوا بيض الأفاعي، ونسجوا خيوط العنكبوت. والمزمع أن يأكل من بيضهم لما كسره وجد فيه وحشاً وأفعى. (إشعياء ٥٩/١-١٧)
- تسليم يسوع لمحاكمته أمام قيافا
وفهم كبار الكهنة، والكتبة، والشيوخ، أنه يشير بهذا المثل (صاحب الكرم والكرامين) إليهم، "فطلبوا أن يمسكوه، ولكنهم خافوا من الجمع، لأنهم عرفوا أنه قال المثل عليهم. فتركوه ومضوا" (مرقس ١٢/١٢).
وتشاورا في دار قيافا "لكى يمسكوا يسوع بمكر ويقتلوه" (متى ٢٦/٣)
- عقد خيانة يهوذا مع السلطة اليهودية لتسليم يسوع للمحاكمة
ثم أخذ كبار الكهنة والشيوخ يتحيّنون الفرصة بيسوع وقتله. وجاءت الفرصة السانحة لكبار الكهنة عندما انفصمت الحلقة الأضعف، ودخل الشيطان في قلب يهوذا وطمع يهوذا بثروة يجنيها من خيانة سيده. فذهب إلى كبار الكهنة وفاوضهم وقواد الجند حرس الهيكل وقال لهم "ماذا تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟ ففرحوا به ووعدوه بمبلغ المال من الفضة يساوى ثمن حقل. (لوقا ٢٢/١-٦)
- مكان تسليم المتهم
وبدأ يهوذا يتشاور مع قادة حرس الهيكل، الذين هم في أمرة رئيس الكهنة، ووجد يهوذا الإسخريوطي خطة موافقة لتسلين يسوع سيده إلى السلطة الدينية اليهودية، وهى أن يدل حرس الهيكل إلى بستان جتسيمانى، في جبل الزيتون، حيث اعتاد يسوع أن يجتمع مع تلاميذه ليلاً للصلاة. كان يعلم بالنهار في الهيكل والصلاة ليلاً في جبل الزيتون.
- اضطراب نفس يسوع
"هل يد الرب لا تقوى على أن تخلص؟ أم ثقلت أذنه عن السماع؟...ليس من يقول الحق، ولا يوجد قاض عادل.
الآن نفسى قد اضطربت فماذا أقول ؟ : ليس من يقول الحق، ولا يوجد قاض عادل في مجلس السنهدريم؟
ماذا أقول؟" : يا أبتى نجنى من هذه الساعة، [ساعة التسليم]. أيها الآب مجد أسمك (ابنك). فجاء صوت من السماء مجدت وسأمجد أيضاَ (لاحظ هنا المجد ...لم يأت صوت السماء قال له مجدتك وسأمجدك... لأن الأب والأبن واحد) .
فلما سمع الجمع الذى كان واقفاً قالوا : قد حدث رعد. وآخرون قالوا قد كلمه ملاك. وأجاب يسوع وقال :
ليس من أجلى حدث هذا الصوت ولكن من أجلكم. الآن دينونة هذا العالم. الآن سيلقى رئيس هذا العالم خارجاً... (يوحنا ١٢/٢٧-٣٦).
- أَتخوننى بقبلة يا صحابي"؟
وفى ليلة الخميس، بينما كان يسوع يتعشى مع تلاميذه ، قام يهوذا الإسخريوطي عن العشاء وغادر المكان لينفذ خطته لتسليم يسوع. وتناولت الاناجيل الأربعة باستفاضة قضية تسليم يهوذا الخائن وتسليم دم برئ الى زعيم السطلة الدينية اليهودية/ القضائية بناء على التفاهم السابق المشترك بين يهوذا وقواد حرس الهيكل على علامة يستدلون بها على يسوع من بين تلاميذه. دنا يهوذا من يسوع وقبّله. فخاطبه يسوع بالعبارة المشعور: "أَتخوننى بقبلة يا صاحبى".
- "ليس هناك من يقول الحق، ولا يوجد قاض عادل"
الشهادة الزور
وفى تلك الساعة اعتقل الجنود يسوع وساقوه إلى ديار قَيافا رئيس الكهنة ليحاكموه. واجتمع في دارة قَيافا كبار الكهنة، وشيوخ الشعب، والكتبة، مجلس السنهدريم ٧١ عضوا قضائيا. فراحوا كلهم يبحثون عن شهادة كافية تُقدم ضد يسوع ليحكموا عليه بالموت، ولكنهم لم يجدوا. فقد تقدم شهود عديدون، وكانوا يشهدون زورا عليه، وما كانت شهادتُهم تتفق مع هوى الحاكم .
ثم جاءوا شهود وأخذوا يقولون : "نحن سمعناه يقول: إني سأنقض هذا الهيكل العظيم الذى بَنته أيدى الناس، وخلال ثلاثة أيام أُبنى آخر دون أن تعمل فيه يد". وراقت هذه الشهادة الزور هوى تجار الهيكل وكبار الكهنة وشيوخ الشعب.
فوقف رئيس الكهنة قَيافا في وسط المجلس وسأل يسوع، وقال:
- أما تجيب بشىء عمّا يشهد به هؤلاء عليك؟
أما يسوع فظل صامتاً، وما أجاب بشيء. عندئذ سأله رئيس الكهنة ثانية بصوت عال.
- استحلفك بالله الحى أن تقول لنا أَأَنت المسيح ابن الله المبارك؟
فقل يسوع:
- إن قلت لكم لن تصدقوا، وإن سألت لن تجيبونى. نعم، أنا هو، وسوف ترون ابن الإنسان جالساً عن يمين الله القدير، وآتياً في سحاب السماء.
فمزق حينئذ قيافا رئيس الكهنة وقال:
- ما حاجتنا بعد إلى شهود، فلقد سمعتم تجديفه (كفره) من فمه! ما رايكم الآن؟
فصرخ الحاضرون في المجلس جميعهم"
- أنه مستحق الموت...إنه مستحق الموت
العار كل العار على هذه أمه وقضاء هذه الأمة
الى اللقاء
في إحالة يسوع من رئيس كهنة العار قيافا الى المجرم الثاني بيلاطس لإصدار قرار بإعدامه ولم يخيب بنطيوس بيىلاطس رغبتهم، فأمر بصلبه