د.ماجد عزت إسرائيل
التركيبة الأيديولوجية لمدينة أورشليم القدس كانت تتكون من الكتبة وهم نُسَّاخ الكتاب المقدس ومفسروه. أما الناموسيون فهم خبراء في الشريعة كما ورد بالكتاب المقدس قائلاً: وَسَأَلَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَامُوسِيٌّ، لِيُجَرِّبَهُ قِائِلًا:«يَا مُعَلِّمُ، أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟»(مت22: 35)، أما الفريسيون فكانوا يعتبرون أنفسهم مفروزين عن الشعب لقداستهم. وهم فئة تضم كهنة وعلمانيين. وكانوا يعلمون ويعظون ولكنهم تمسكوا بحرفية الناموس في التفسير والتشدد في حفظ عوائد تسلموها ممن سبقوهم وقد دون الكتاب قائلاً:حِينَئِذٍ جَاءَ إِلَى يَسُوعَ كَتَبَةٌ وَفَرِّيسِيُّونَ الَّذِينَ مِنْ أُورُشَلِيمَ قَائِلِينَ:«لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟». وكان الفريسيين متكبرين يفتخرون بمعارفهم الدينية ويزدرون بالعامة. ولقد ظهر الفريسيون في القرن الثاني قبل الميلاد. أما الصدوقيون فهم الطبقة الأرستقراطية بين اليهود، وكان معظمهم من بين رؤساء الكهنة، وكان دورهم المحافظة على نظم الهيكل والضرائب ومراقبة الخزائن، ومن ذلك أثروا ثراءً فاحشًا. وكان بينهم وبين الفريسيين خلافات كثيرة فهم لا يؤمنون بالقيامة ولا الأرواح ولا الملائكة، ومع هذا اتحدوا مع الفريسيين ضد المسيح إذ شعروا بأن المسيح يهدد مصالحهم معًا. أما الهيرودسيين ليسوا طائفة دينية، بل هم في ولاء شديد لهيرودس وهذا منحهم نفوذا واسعًا، كانوا يقنعون الشعب بموالاة هيرودس والرومان ودفع الجزية لقيصر. كرههم اليهود لذلك، ولكنهم اتحدوا مع الفريسيين ضد المسيح (مر6:3+ 13:12). وكان من بين هذه الفئة صدوقيون وفريسيون.
يسوع في بيت عنياء واليهود يدبرون ليقتلوه
بعد أن ترك المسيح الهيكل مساء يوم الثلاثاء وفي نيته عدم العودة إليه البتة. وذلك بعد أن قال لليهود: "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا! (لو 13: 35). " وَفِيمَا كَانَ يَسُوعُ فِي بَيْتِ عَنْيَا فِي بَيْتِ سِمْعَانَ الأَبْرَصِ، تَقَدَّمَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ مَعَهَا قَارُورَةُ طِيبٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، فَسَكَبَتْهُ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ.(مت 26: 6-7)، وفي ذات اللحظة" اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةُ وَشُيُوخُ الشَّعْب إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ الَّذِي يُدْعَى قَيَافَا،وَتَشَاوَرُوا لِكَيْ يُمْسِكُوا يَسُوعَ بِمَكْرٍ وَيَقْتُلُوهُ. وَلكِنَّهُمْ قَالُوا: «لَيْسَ فِي الْعِيدِ لِئَلاَّ يَكُونَ شَغَبٌ فِي الشَّعْبِ».(مت 26: 3-5). وفي ذات الأحداث دبت الخيانة في أحد تلاميذ معلمنا الصالح ليسلمه كما ورد بالكتاب قائلاً: حِينَئِذٍ ذَهَبَ وَاحِدٌ مِنَ الاثْنَيْ عَشَرَ، الَّذِي يُدْعَى يَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيَّ، إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقَالَ: «مَاذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُعْطُوني وَأَنَا أُسَلِّمُهُ إِلَيْكُمْ؟» فَجَعَلُوا لَهُ ثَلاَثِينَ مِنَ الْفِضَّةِ. وَمِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ كَانَ يَطْلُبُ فُرْصَةً لِيُسَلِّمَهُ.
إنّ الخيانة تعني نقض العهد أياً كان نوعه، وهي تصرُف مذموم ولا أخلاقي لدى جميع الأديان وجميع الثقافات لأنها تنعكس بشكل سلبي على المحيطين بالشخص الخائن، لأنه يُعتبر شخصاً غير جدير بالثقة والأمانة. الخائن: هو شخصٌ أنانيّ لا يُراعي مشاعر غيره، فهو يتصرّف تبعاً لمصلحته التي يُفضلها على كُل الأشخاص من حوله مهما كانوا مقربين منه، ولا يضع اعتباراً للثقة التي قد يمنحه الشخص إياها. "طُوبَى لِلَّذِينَ يَصْنَعُونَ وَصَايَاهُ لِكَيْ يَكُونَ سُلْطَانُهُمْ عَلَى شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَيَدْخُلُوا مِنَ الأَبْوَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ، لأَنَّ خَارِجًا الْكِلاَبَ وَالسَّحَرَةَ وَالزُّنَاةَ وَالْقَتَلَةَ وَعَبَدَةَ الأَوْثَانِ، وَكُلَّ مَنْ يُحِبُّ وَيَصْنَعُ كَذِبًا" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 22: 14، 15). كما أن التاريخ لاينسى هذه الخيانة التى قدمت بريء للموت عن طريق الصلب، وأيضًا كانت الخيانة مؤلمة للإنسانية حيث وصلت بإن التلميذ يسلم معلمه ظلماً من أجل ثلاثين من الفضة. ومن الجدير بالذكر أن اليهود كانوا يعشون حالة من الخوف والرعب بسبب تعاليم يسوع أو مجرد ذكر اسمه،لذلك دبروا المؤامرات للتخلص منه سواء كان عن طريق التضحية بالمال، أو تجنيد أحد تلاميذه عن طريق استخدامه كهيئة استخباراتية لجمع كل المعلومات التى تخص تحركاته، ولم يكتفوا بذلك بل طعنوا في معجزاته، وشكوا في كل تلاميذه ومريديه.
نحن الآن في موقع يدين يهوذا على خيانته – السيد المسيح كان يعلم مسبقًا أن يهوذا سوف يخونه ويسلّمه لأعدائه من اليهود. ولكن بالرغم من ذلك فإن السيد المسيح حاول أن يثنيه عن خيانته وأنذره بعواقبها. ولكن يهوذا أصر على الخيانة ولم تنفع معه النصائح والإنذارات ولم يؤثر فيه العتاب والتوبيخ- وللأسف الشديد هناك كثيرين داخل أركان أورشليم أقوي من السوسة يفعلون أكثر من يهوذا يبيعون ضمائرهم وحياتهم من أجل رتبة أو منصب أو حفنة من المال أو النَّعْرَة والشوه والمنظرة ليتنا نتعلم من خيانة يهوذا ونعدل من حياتنا وسلوكيتنا نحو الآخر في التعامل بالإمانة "مَنْ يَغْلِبْ يَرِثْ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَكُونُ لَهُ إِلهًا وَهُوَ يَكُونُ لِيَ ابْنًا. وَأَمَّا الْخَائِفُونَ وَغَيْرُ الْمُؤْمِنِينَ وَالرَّجِسُونَ وَالْقَاتِلُونَ وَالزُّنَاةُ وَالسَّحَرَةُ وَعَبَدَةُ الأَوْثَانِ وَجَمِيعُ الْكَذَبَةِ، فَنَصِيبُهُمْ فِي الْبُحَيْرَةِ الْمُتَّقِدَةِ بِنَارٍ وَكِبْرِيتٍ، الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الثَّانِي" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 21: 7، 8).
لا ننكر، أن محاكمة السيد المسيح يتحملها تلميذه الخائن "يهوذا الإسخريوطي فبقبلة منه سلمه. مع العلم أن هذا الخائن الذي سلَّم الرب للآلام، لم ينتفع شيئًا من خيانته، بل أصابه ضرر بالفعل، إذ قيل عنه"ويل لذلك الرجل الذي به يُسلَّم ابن الإنسان، كان خيرًا لذلك الرجل لو لم يولد"(مت 24:26 ؛ مر21:14 ؛ لو22:22)... فثِمار عمله لا ترتد إليه حسب ما جاءت به من نتائج فعليّة، بل حسب ما أراد هو واِعتقد. وأخيراً في السياق مصطلح "قبـــلة يهــــوذا" أو "اليهـــوذيات"؛ ظهر على شاكلة خيانة يهوذا للسيد المسيح، وأصبح هذا المصطلح يستخدم للإشارة إلى كل من يخون، أي كان نوع الخيانة سواء كان شخص يخون وطنه أو شعبه أو صديقه.. ومن هنا أصبح يهوذا الإسخريوطي للأسف الشديد مثلا يـُحتذى به في الخيانة!