فاز الدكتور المصري عمرو خلف شحات المتخصص في دراسة تاريخ النباتات بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس بجائزة عن بحث له في علم المصريات بمؤتمر مركز البحوث الأميركي، حيث حصد بحثه المركز الثالث عالميا.
وجاءت جائزة الدكتور شحات في دراسة تقوم على تفسير العلاقة بين التغذية والثقافة العامة والصحة وطبيعة التعامل مع مياه الأنهار، كما حصد المكرز الأول في عام 2018 في دراسة شرحت طرق استخلاص النباتات القديمة ودراستها.
وتقوم فكرة البحث على دراسة خصوبة التربة وجودة المياه في عصر الفراعنة مقارنة بالعصر الحالي، حيث أثبت اختلاف جودة التربة والمياه التي نشربها من النيل في عصر الفراعنة وافتقاد المياه في الوقت الحالي للكثير من العناصر المفيدة، نتيجة تغير المناخ والتلوث البيئي وكثرة بناء السدود حول مياه النيل.
ويقول الدكتور عمرو خلف شحات المتخصص في قسم الآثار المصرية في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس لـ"سكاي نيوز عربية" إنه بدأ بحثه منذ 5 أعوام بالتعاون بين جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس وكاليفورنيا بيركلي، وهي نفس الجامعة التي حصل من خلالها العالم المصري أحمد زويل على جائزة نوبل، حيث توجد له صورة هناك.
فكرة البحث
وأوضح شحات "بداية البحث هو عثوري على رغيف خبز قديم من معمل حتشبسوت ،وعندما قمت بالبحث عليه كان الرغيف غنيا بالألياف، وفيه قيمة غذائية تفوق بكثير القيمة الغذائية الموجودة في خبز هذه الأيام، فضلا عن أن حجم حبة القمح كان أكبر بكثير، وهو ما حفزني للبحث عن طبيعة النباتات الموجودة في زمن الفراعنة، فاكتشفت وجود فصائل كثيرة من القمح وكذلك نباتات كثيرة لم تعد موجودة الآن وذلك بسبب عاملين الأول المناخ وزيادة درجة حرارة الكون، والعامل الثاني مدى خصوبة التربة".
الدكتور عمرو خلف
وأضاف "كنت أبحث عن نباتات من زمن الفراعنة لبحث الجينات الزراعية للنباتات المصرية، وعليه قابلت أكبر علماء في هذا المجال في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، وكذلك في هولندا وتدربت على أيديهم بشكل مكثف، وبدأت استخدام أجهزة حديثة في أبحاثي، تعمل على تعويم التربة فكنت أقوم بوضع التراب الذي أحصل عليه من آثار الهدم من البيوت وأضعه في الجهاز الذي تقوم فكرته على نزول التراب للأسفل بسبب كثافته العالية، لكن النباتات تطفوا على الماء فأخذ هذه النباتات وأضعها على جهاز الميكروسكوب لفحص طبيعة أكل المصريين القدماء، وفصائل النباتات التي كانت في أكلهم وكذلك النباتات التي كانت موجودة في أكل الحيوانات التي كانوا يربونها".
الكشف عن النباتات المصرية والمستوردة
وأردف شحات لـ"سكاي نيوز عربية" أن الجانب الثاني في دراسته كان يقوم على التفريق بين النباتات القديمة والحالية من حيث النظائر الكيميائية للكربون وهو ما يكشف عن المناخ الذي زرع فيه النبات، إن كان في فترة جفاف أم فترة وفرة مياه، لأن ذلك يظهر على النبات عبر مؤشر للجفاف، ومنه اكتشفنا النباتات المصرية والنباتات المستوردة التي تأتي من بلاد الشام، مثل نبات العرعر الذي كان يظهر عليه الجفاف بسبب طبيعة الاعتماد على مياه الأمطار في الزراعة في بلاد الشام، أما النباتات المصرية فكان يظهر عليها وفرة المياه نتيجة وجود مياه النيل.
وأشار شحات إلى أن دراسته كانت تبحث أيضا النيتروجين المسؤول عن تكوين البروتين في النبات، فكلما زادت خصوبة التربة كانت نسبة النيتروجين فيها أعلى، وبالتالي القيمة الغذائية للنبات وللحوم الحيوانات التي تتغذى على النباتات أعلى من الوقت الحالي، وذلك بسبب اختلاف المناخ وزيادة درجة حرارة الأرض وكذلك بناء السدود على نهر النيل.
عينة من نبات العرعر كانت مصر تستورده من الشام
سد النهضة
وكشف شحات أن هذا البحث أوضح أن بناء سد النهضة يهدد مياه النيل بأكمله، وكذلك النباتات المعتمدة عليه، مشددا على أنها ليست أزمة مياه فقط، لأن النيل نفسه يصنع الحياة والسد يهدد الحياة المعتمدة على النيل بشكل كامل، لأن السدود تؤدي لضعف ضخ المياه وانتشار الطحالب السامة فيها لدرجة أن ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة على سبيل المثال بدأت في صرف المليارات لإلغاء السدود بشكل مدروس ومخطط بعد إثبات الدراسات أن بناء السدود يؤدي لتدمير البيئة المعتمدة على الأنهار، والدراسات الحديثة والعلم الحديث يقومان حاليا على دراسة إدارة السدود بشكل أفضل، أو إلغائها بشكل كامل، لأن السدود تسبب خللا في دورة الكربون والنيتروجين والفسفور في المياه وعند حدوث خلل في توازنهم يتسبب ذلك في هلاك الأسماك والكائنات خاصة في حال زيادة نسبة الحموضة في الأنهار.
خطورة السد على مياه النيل
وحول استفادة مصر من هذه الورقة البحثية يقول إن على الوزارات والمسؤولين في مصر الاعتماد على هذا البحث في مخاطبة الأمم المتحدة حول مخاطر السد.
وأضاف أنه يقوم بنقاشات مع الإثيوبيين الدارسين في الولايات المتحدة الذين تأكدوا أن خطورة سد النهضة هي خطورة على النيل كله، وأصبحوا ينظرون معي إلى النيل كمصدر للحياة بدلا من كونه مصدرا للطاقة الكهربائية فقط، لأنهم كانوا يعتمدون دائما في دراستهم على الكيلو وات لقياس حجم الكهرباء، لكن هذا البحث أثبت أن النيل ليس فقط كهرباء وإنما هو الحياة ولا يمكن لأي دولة أن تملكه منفردة، مشيرا إلى أن مصر يمكنها التفاهم مع إثيوبيا حول خطورة السد على النيل كمصدر رزق للجميع وليس لمصر أو إثيوبيا فقط، وتوضيح الأزمات المترتبة على بنائه لأن النيل كله يصبح في خطر.
فوائد البحث
وأكمل الدكتور شحات بالقول: "البحث يفيد الناس المتخصصين في الناحية الأدبية عبر معرفة النباتات المصرية والنباتات المستوردة ما يكشف أيضا حجم التبادل الثقافي والتجاري بين مصر والدول التي حولها واستيراد نباتات مثل العرعر والكمون والصنوبر، كما يفيد من الناحية العلمية عبر دراسة النباتات المحلية وطبيعة المناخ وتغير التربة وأثرها في تكوين النباتات والبشرالذين يعيشون حول النيل ويشكل طبيعة حياتهم ثقافيا وصحيا.
واختتم الدكتور شحات حديثه: "أحب استكمال دراساتي في الخارج لكن بعد الوصول للنتائج لن أبخل على مصر في الاستفادة من هذه البحوث وحاليا أقوم بعمل قاعدة بيانات فيها نتائج بحوثي حتى يستفيد منها من يحتاجها".