خالد منتصر
ما زلنا نشتاق إلى عناق القلم والأوراق فى زمن الـsms والواتس أب، نفتقد فضول وبهجة وترقب وتفاعل وانتظار الرسائل، هذه رسالة ترجمها الروائى الجزائرى الكبير واسينى الأعرج، الرسالة من الروائى الشهير ألبير كامو إلى الفنانة ماريا كازاريس بتاريخ الثلاثاء 28 ديسمبر 1948.
تقول الرسالة:
كلمة فقط حبيبتى، حتى لا ينتهى هذا اليوم دون الكتابة لك.
الوقت متأخر، وأشعر بتعب لا يشبهنى. بوضوح أكثر، أحسُّنى مستهلكاً من يوم بكامله من اللقاء مع الذكريات، الحى الذى كبرت فيه (بِلْكُور)، والِديْن منسييْن، صديق طفولة تعشّيت معه قبل قليل. حقيقة، أحتاج إلى ألا أعود بشكل متواتر إلى مدينة الجزائر. ومع ذلك، فأمر كهذا لم يكن سيئاً كلياً. يمكنك أن تأخذينى إلى بروتانيا (Bretagne) التى ولدتِ فيها ثانية.
من حسن حظى أن أمى هنا وقريبة، وسأبذل كل غالٍ ونفيس من أجل أن تتعرفى عليها. اليوم فى جلسة الغذاء ذكرتك كثيراً. كنت أريد أن أكلمها عنك.. عنّا. الذى منعنى هو الرغبة فى عدم زعزعة سكينتها. تفادى تقليب مواجع قلبها الصافى جداً، والطيب. مع أنى لو صارحتها بفرحى وحزنى، كان ذلك سيحررنى. هى الكائن الوحيد الذى أشعر نحوه بالحاجة إلى المكاشفة بهذا الحب العميق الذى استولى اليوم على حياتى كلها. لست متأكداً من أنها ستفهم ذلك، ولكنى على يقين من أنها تتفهّمنى لأنها تحبنى.
لا أشعر بالحرج فى مقاسمتك هذا كله، على الرغم من علمى المسبق بأن ذلك سيوقظ فيك ما هو مؤلم. هى أحاسيس حقيقية ولا يمكننى أن أخفيها عنك. وهو ما يجعلنى أفهم ذلك الجانب الخفى فيك الذى تصمتين كلما تعلق الأمر به. فى انتظار أن نتقاسم آلامنا بشكل كامل، حزنك حزنى، شقاؤك شقائى، حبيبتى.
يوم بهى. تنتابنى رغبة آسرة فى الذهاب، بل الهرب من هنا والركض نحوك أخيراً. لم أتوقف أبداً عن التفكير فيك. ترافقيننى دوماً حتى عندما تتمنعين عن ذلك. صورتك تواجهنى فى غرفتى. أقف أمامها بحنان فى كل اللحظات.
فى الخارج، كل شىء يذكّرنى بيومياتنا. ويحدّ من صبرى عليك باستمرار.
اشتهيت رسالة منك اليوم، ولكن يبدو أنه لا يزال الوقت مبكراً. لهذا فخيبتى منك هذا المساء غير مبررة، لأنى وجدت علبة البريد فارغة. لم يبقَ أمامى من حل سوى استحضارك بخيالى، وهذا ما أحاول القيام به، بكل صفاء.
فأنتَ إذا تخليتَ عن الجسد شهراً، يستغنى هو عنك ستة أشهر. وهذا حقيقى. ما يخيفنى فى النهاية هو الشهر السابع؟
وأنت؟ ما دمتُ أنا بانتظارك؟ قلبى يغرق فى غيابك.
مساؤك سعيد حبيبتى.
نقلا عن الوطن