ماهر عزيز بدروس
فى مقالى السابق المعنون: "مشروع قانون الأسرة للمسيحيين: الإضافة اللازمة المنقوصة".. انصب اهتمامى على إبراز نقيصتين جوهريتين تقتضيان استكمالاً عاجلاً من المُشَرِّع القبطى الأرثوذكسى على وجه الخصوص، ومن مجموعة المشرعين الذين توفروا على وضع مشروع القانون من الكنائس كافة على وجه العموم.
ولقد تحددت النقيصة الأولى فى القصور الشائن للمادة (24) الخاصة بالترخيص للزواج الثانى، أو الموافقة على الزوراج الثانى، وتحددت النقيصة الثانية فى المادة (37) في قصور ونقصان حالات الموافقة على التطليق بشأن "طائفة الأرثوذكس" (المقصود بها "لأقباط الأرثوذكس")، وعدم اشتمالها على حالة جوهرية تشكل الآن أهم حالات التطليق كافة، وهى حالة "خيانة عهد الزواج"، التى تضمنتها الحالات المذكورة للكنائس الأرثوذكسية كلها: الأرمن، والسريان، والروم، بينما لم تتضمنها الحالات المذكورة للأقباط الأرثوذكس.
ويثير هذا الافتراق المشين بين حالات التطليق المقررة للتطليق فى القبطية الأرثوذكسية، والحالات ذاتها المقررة للتطليق لدى الأرمن والسريان والروم الأرثوذكس، مشكلة جوهرية تتعلق بوحدة القانون ووحدة التشريع..
فكيف يكون القانون موحداً فى شكله بينما يفتقر للوحدة فى جوهره؟
القانون الموحد يفترض وحدة حالات التطليق للكنائس جميعاً، فليس من الممكن أن تؤكد بعض مواد أسباب التطليق عند الأرمن والسريان والروم الأرثوذكس أن التطليق واجب فى حالات: "تعدى أحد الزوجين على حياة الطرف الآخر"، و"تكرار اعتداء أحد الزوجين على شخص الآخر"، و"تعرض العلاقة الزوجية إلى التزعزع الشديد بسبب الطرف الآخر"، و"إذا فسدت أخلاق الزوج"، ثم لا توجد هذه المادة أبداً عند الأقباط الأرثوذكس؟؟؟
لماذا لا تنصهر حالات التطليق جميعها معاً للكنائس الأرثوذكسية جميعاً؟
أليس الإنسان ذاته واحداً موحداً؟
الحق أن هاتين النقيصتين استقطبتا اهتمامى كله للوهلة الأولى نظراً لخطورتهما الفائقة، وما يترتب عليهما من مشكلات قد تفضى فى النهاية بالقانون لأن يكون مجرد حبر على ورق، فيخيب آمال كل الذين ينتظرون العدل والإنصاف على أَحَرِّ من الجمر الآن حال صدوره، ويبقى كعدمه إذ يُجَمِّد كل الحالات التى تنتظ الخلاص لتبدأ حياتها من جديد، يُجَمِّدها على ما هى عليه، ويضرب بالعمر كله إلى الفناء دون إمكانية الحياة الشريفة للمعذبين بعدم التطليق كلهم.
لكن من يقرأ القانون بإمعان سرعان ما يقف على نقائص أخرى قد تكون أشد هولاً وقصوراً من النقيصتين السابقتين..
فالإطار الزمنى لأى إجراء ينص عليه القانون غير محدد البتَّة..
وهذه نقيصة فى غاية الخطورة تجعل وجوده كعدمه، وكأنه لم يوجد من أساسه..
فالأخطاء الفادحة فى التشريع الحالى يتصدرها النقص الجسيم لوجود إطار زمنى لكل إجراء من الإجراءات المطلوبة للحصول على الموافقة الكنسية بالتطليق، واستمرار عدم وجود أى أُطُر زمنية للتنفيذ معناه الوقوف بالزمن عند النواقص ذاتها، بالظلم عينه، وبالمشكلات نفسها، دون تقدم البتة على مدراج العدل التى شيدها يسوع!!
وليس مقبولاً أبداً أن يقال بأن اللائحة التنفيذية للقانون، المعتزم وضعها وإشهارها بعد صدوره، ستتكفل بذلك..
ذلك أن الإطار الزمنى لأى إجراء هو من صميم الإجراء ذاته، وفى حالات كثيرة صدرت قوانين عديدة دون أن يصدر لها لوائح تنفيذية، وتلك هي البئر المعدة للسقوط فيها عقب إصدار القانون!!
ويثور السؤال بغضب هائل لابد وأن ينفجر يوماً ليشعل الدمار فى المنظومة التشريعية المسيحية كلها:
ألم يوجد مُشَرِّع واحد أمين بين أولئك الذين توفروا على وضع مشروع القانون؟
مُشَرِّع واحد أمين يقول لهم لابد لكل إجراء من مدى زمنى ملائم يتعين تحديده حتى لا يضيع عمر الآلاف من المسحوقين بزواج الذلة والعبودية والعار هباء، فى انتظار موافقة على التطليق لا تجئ أبداً؛ وإذا جاءت تجد الناس قد خرجوا عن الدين كله، وكفروا بمسيح لا يأتيهم بالحق أبداً على أيدى اللصوص الذين دأبوا أن يسرقوا حقه، ويقتلوا عدله، ويفترسوا رحمته، فلا يبقى منه للناس سوى قاتل قاس بشع يفرون منه حتى إلى الجحيم!!.. وحاشا للمسيح أن يكون كذلك!!!
لابد وأن يعود المُشَرِّع القبطى الأرثوذكسى عاجلاً إلى ضميره، فيضع إطاراً زمنياً للموافقة على طلب التطليق فى مدى زمنى لا يتجاوز الشهرين من تاريخ تقديم الطلب.
ولابد وأن يعود المُشَرِّع القبطى فوراً إلى ضميره، فيضع إطاراً زمنياً لا يتجاوز الشهر الواحد لإصدار الموافقة على الزواج الثانى، بحيث يتم احتسابه من تاريخ منح الموافقة على التطليق.
وبذلك وحده ينزع المُشَرِّع القبطى الأرثوذكسى خنجره المغروس بيده الآن فى نحر المسيح من جراء هذا القانون الظالم الجائر الناقص المعيوب!!