بقلم : الدكتور مجدى شحاته
تحتفل الكنيسة القبطية بعيد القيامة المجيد أهم الاعياد السيدية الكبرى ، تذكار قيامة رب المجد يسوع بمجد عظيم من الاموات لخلاص البشر . ( رو 4 : 25 ) وتحتفل به الكنيسة فى اليوم الثامن بعد أحد الشعانين ، وهو ما رتبته الكنيسة بواسطة الرسل أنفسهم . وقد جاء فى قوانين الرسل ( عيد القيامة مُكرم وجليل يفوق سائر الاعياد منذ العصر الرسولى واطلق عليه يوحنا ذهبى الفم ، انه أكليل الاعياد وأعظمها ويوم الرب العظيم . ومدحه غريغوريوس النزينزى وأسماه ملك الاعياد وعيد الاعياد . وذكر القديس يوستينوس ان جرت العادة منذ القديم على تسميته ( عيد الفصح ) اشارة الى الفصح الجديد " اذ ان المسيح فصحنا ذبح لأجلنا " ( 1 كو5 : 7 ) . ففى هذا العيد المجيد نفرح بخلاص الفادى يسوع المسيح البكر من الاموات الذى أحبنا وخلصنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه .
ان كلمة " فصح " باللغة العبرية تعنى " عبور " . وهناك علاقة قوية تربط ما بين عيد الفصح اليهودى وعيد القيامة المجيد ، من حيث بعض المعانى الرمزية ، وكذلك من حيث التقويم الزمنى . من حيث المعنى الرمزى ، نجد أن عيد الفصح اليهودى من الاعياد الهامة عند اليهود . ويُحتفل بعيد الفصح اليهودى استذكار لما هو مكتوب فى التوراه فى سفر الخروج لعبور النبى موسى بالشعب اليهودى من بنى اسرائيل والخروج من أرض مصر فى عهد الفراعنة ، والتى مكثوا فيها اربعين سنة عملوا خلالها عند المصريين كعبيد لهم ، الى ان وصلوا أرض كنعان ، بعد أن أنزل الرب على موسى النبى الوصايا العشر . فالفصح اليهودى يرمز الى خروج بنى اسرائيل من أرض مصر . وبالنسبة لهذا الرمز فى العهد الجديد فان يسوع المسيح المصلوب هو الفصح الحقيقى المرموز اليه بالخروف المذبوح الذى يقدمه اليهود فى يوم الفصح . لقد كشف القديس يوحنا فى انجيله عن رؤية للفصح الجديد الذى صنعه السيد المسيح فقال : " أما يسوع قبل عيد الفصح هو عالم ان ساعته قد جاءت لينتقل ( يعبر ) من هذا العالم الى الآب ، اذ كان قد أحب خاصته الذين فى العالم ، أحبهم الى المنتهى " ( يو 13 : 1 ) . من هذه الكلمات الرائعة ، يتضح لنا أمرين ، الأمر الاول : ان العبور الجديد الذى أجراه السيد المسيح هو عبور من هذا العالم الى الآب ، وحيثما يكون المسيح نكون معه . فقد صلى يسوع المسيح الى الآب فقال : " اريد ان هؤلاء الذين أعطيتنى ، يكونون معى حيث أكون أنا لينظروا مجدى .. " ( يو 17 : 24 ) . وقال أيضا : " وأنا ان ارتفعت من الارض أجذب الى الجميع " ( يو 12 : 32 ) . الامر الثانى : ان هذا العبور من الارض الى السماء ( حضن الآب ) وانما هو بسبب المحبة الكاملة التى أحبنا بها الرب يسوع المسيح الى المنتهى . فالعبور الجديد هو من هذا العالم الى الآب ، عبر موت المسيح على الصليب ، كحمل بلا عيب وفصح جديد من أجل العالم كله .
أما من حيث التقويم الزمنى يوجد رابط زمنى بين عيد الفصح اليهودى وعيد القيامة . حيث ان العشاء الاخير الذى قام به السيد المسيح مع التلاميذ جاء قبل صلبه يوم الجمعة ، ويمثل عشاء الفصح ، ويقع عيد القيامة المجيد يوم الاحد بعد الاعتدال الربيعى ( الرابع عشر من الشهر العبرى \ القمرى حيث يكون القمر بدرا كاملا ) وهو يأتى مابين 21 مارس من السنة الميلادية و25 برمهات من السنة القبطية لذلك نحتفل بعيد القيامة يوم الاحد التالى مباشرة للفصح اليهودى . من هنا نرى ان هناك طريقتين لتحديد الفصح اليهودى وبالتالى عيد القيامة المجيد ، وهى النظام الشمسى بتحديد ( 21 مارس يوم الاعتدال الربيعى ) والنظام القمرى ( 14 من الشهر القمرى وهو ما يعنى الاحد الموالى لاكتمال البدر) . ويرجع الفضل فى تحديد ميعاد عيد القيامة المجيد الى مجهودات الانبا ديمتريوس الكرام البطريرك السكندرى وهو البابا الثانى عشر ( 188 – 231 م ) فى حساب الابقطى والذى وضعه على أساس رياضى دقيق ، وأقره المجمع المسكونى بنيقية سنة 325 م . وقد أصدر الامبراطور قسطنطين أوامره بذلك وعهد آباء مجمع نيقية الى بطريرك الاسكندرية بحساب وتحديد يوم عيد القيامة المجيد لشهرة مدينة الاسكندرية الفائقة فى العلوم الفلكية وقدرتها على الحساب الدقيق .
مما سبق يتضح لنا السبب انه كثيرا ما يطلق على عيد القيامة المجيد ( عيد الفصح ) . من حيث التسمية ، فيطلق على هذه المناسبة العظيمة المجيدة ، عيد القيامة المجيد أوعيد الفصح أو أحد القيامة أوعيد البصخة (Pascha ) عند اليونانيين .الا ان هناك تسمية دخيلة وبكل أسف هى الشائعة و السائدة فى كافة دول العالم ، خاصة الدول الغربية منذ قرون وحتى وقتنا هذا . ويعتقد ان تلك التسمية كان مصدرها انجلترا والمانيا . فأطلقواعلى أعظم الاعياد المسيحية وأقدسها، كلمة Easter ) ( . وهى تسمية او كلمة ليس لها أى تفسير أو معنى أو مضمون وليس لها أى علاقة بالفصح اليهودى أو الفصح فى المفهوم المسيحى أو قيامة السيد المسيح أو البصخة أو العبور، لا من قريب ولا من بعيد !! ولمعرفة أصل تلك التسمية الخاطئة لابد من الرجوع الى البداية . الموضوع له جذور ممتدة منذ أحداث القيامة . فبعد ان قام اليهود والجنود الرومان بصلب السيد المسيح ، وبعد دفنه فى القبر، تذكر رؤساء الكهنة والفريسيون كلام المسيح عن قيامته عندما جاء فى انجيل يوحنا : " قال لهم انقضوا هذا الهيكل ( أى جسده ) وفى ثلاث أيام أقيمه " ( يو 2 : 19 ) وأيضا قد يكونوا عرفوا من أحد تلاميذه ، نبوته عن قيامته فى اليوم الثالث ، وخافوا أن يسرق التلاميذ جسده ويدعوا ان قام . فذهبوا الى بيلاطس وأخبروه بهذا الامر ، وطلبوا منه ان يأمر بضبط القبر، أى بوضع ألأختام والحراس عليه ، ولم يدركوا ويفهموا أنهم بهذه الاجراءات ، يؤكدون صحة قيامته عندما يقوم فى اليوم الثالث . وفى فجر الاحد قام يسوع وصار القبر فارغا ، وانزعج رؤساء الكهنة وأصابهم الهلع عندما وصلهم خبر القبر الفارغ وان المسيح قام من الاموات فجر الاحد ، سارعوا بدعوة الضباط والجنود الرومان الذين كانوا يحرسون القبر وأغدقوا عليهم الكثير من المال والذهب ، وطلبوا منهم ان ينشروا فى أنحاء اورشليم ، انهم كانوا نائمين من شدة التعب ، وان التلاميذ دخلوا القبر وسرقوا الجسد . وهكذا انتشرت الاشاعة فى المدينة . وهناك من الشعب من صدقوا حقيقة قيامة السيد المسيح من الاموات ، فيقولون عند تقابلهم مع أى مجموعة من الناس : " المسيح قام .." ويأتى الرد : " بالحقيقة قام .. " اذا كان هؤلاء الناس مؤمنين بقيامة المسيح .
وفى عصرنا هذا وبعد عشرون قرنا من الزمان مازال مخطط طمث واخفاء حقيقة القيامة مستمروممتد ، فى دول الغرب وأمريكا وكندا واستراليا وحتى يومناهذا !! واستبدلوا تعبير ( عيد القيامة ) أو ( المسيح قام .. بالحقيقة قام ) بعبارةHappy Easter ) ) . وقد أوضح أصل هذه التسمية الدخيلة ، كتابات الفيلسوف الراهب الانجليزى ( بيدى ) الذى عاش فى أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادى . حيث اوضح ان المسيحيين فى انجلترا كانوا يحتفلون بعيد القيامة المجيد فى شهر ابريل ( موسم الربيع )، و كان يطلق علي شهر ابريل باللغة الانجليزية القديمة Eosturmonath والتسمية تشير الى آلهه الربيع والخصوبة الوثنية Eoster ) ) ، ومنها اشتقت التسمية Easter ) ) ، وهو آلهه الربيع والخصوبة بحسب اساطير هذا العصر ومعتقداتهم الوثنية . وكان يرمز لهذا الاله بالارنب ، لأنه حيوان كثير الانجاب والتكاثر ، ومنذ ذلك الحين أرتبط عيد القيامة اوعيد الفصح بصور الارانب وكذلك عمل قوالب الشيكولاته بشكل أرنب او كلعب للأطفال ، وكذلك البيض الملون رمزا لموسم الربيع . وحقيقة الامر انه ليس هناك أى ارتباط بين عيد القيامة المجيد والارانب او التسمية الوثنية الدخيلة Easter تأثرا بالالهه الوثنية Easter التى كان يحتفل بعيدها فى زمن الاعتدال الربيعى من كل سنة والذى يأتى فى وقت عيد القيامة المجيد . وحتى وقتنا هذا بالرغم من ان المسيحيين فى اوروبا أكدوا المعنى المسيحى الحقيقى للاحتفال بعيد القيامة وهو قيامة السيد المسيح من الاموات ، الا انهم مازالوا يستخدمون التسمية الخاطئة Easter لارتباطه بموسم الربيع الذى يأتى فى نفس موعد عيد القيامة .
نفس الشئ بالنسبة لعيد الميلاد المجيد Christmas وهو ثان أهم الاعياد السيدية الكبرى، تم استبدال Christmas بعبارة مجهولة الهوية وهى X- max ) ( ومعلوم ان الحرفX ) ) يستعمل للمجهول ، واصبح العيد عيد لشخص مجهول ، وبالتالى اختفت صور وايقونات الطفل يسوع تدريجيا من احتفالات الميلاد ، وكذلك بطاقات التهنئة ، ليحل مكانها صور بابا نويل والغزلان على تلال الجليد تجر الزحافات التى يركبها سنتا كلوز ، وتبدلت عبارات التهنئة بعيد ميلاد المسيح من Merry Christmas الى season greeting !!! وأصبح صاحب العيد مولود المذود الطفل يسوع المسيح بمثابة الحاضر الغائب !!
ان حفظ الأعياد وطقوسها وهويتها والاحتفال بها ، أمر اوصى به الله شعبه ، مثل أعياد : الفصح والمظال والأسابيع وغيرها من الاعياد ( خر 12:24 ، 23 : 16 ، لا 23 : 4 ) . وهى أيام للبهجة والفرح لأنها كانت مرآة لبركات عهد النعمة ، لذلك كان السيد المسيح يحضر الاعياد ويمارسها ويقدسها أثناء تجسده على الارض ( مر 14 : 14 ، يو 10 : 22 ) وأوصت الكنيسة شعبها بحفظ الاعياد بصلاتها وألحانها وطقوسها لنوال بركتها ، فالمشاركة فى الاعياد هو دخول فى شركة العيد ونوال بركته ، وقد اسس الاعياد الرسل أنفسهم ( أع 18 : 24 ، 1 كو 5 : 5 ) . ولما كانت الاعياد السيدية الكبرى لها مكانتها العظمى بين الاعياد فى كنيستنا وكل كنائس العالم ، وأولها عيد القيامة المجيد وعيد الميلاد المجيد ، اذ هى تذكار خلاص الله للبشر وعمل محبته الفائقة التى غمرتنا بانسكاب الروح القدس وسكناه فينا ، فكان لزاما علينا ان نصون ونحفظ أعيادنا بكل طقوسها وهويتها من أى عبث او تشويه . صحيح أن عيد ميلاد الرب يسوع وعيد قيامتة من الاموات ايمان قوى وعظيم راسخ فى عقول وقلوب المؤمنيين لا يتغير او يتأثر بالمسميات والشكليات ، ولكن لماذا لا نسمى الحقائق بمسمياتها الفعلية الحقيقية ؟ لاسيما فى عصر الانترنيت والسموات المفتوحة ، عصر تشويه وطمث الحقائق وزرع المفاهيم المغلوطة فى أذهان الاطفال والشباب . صدقونى وبكل أمانه ، أستشعر اننا أصبحنا فى زمن تحتاج فيه كنائس العالم ، عقد مجمع مسكونى مماثل لمجمع نيقية للتصدى لهجمة شرسة مصدرها دول اوربية لطمث الهوية المسيحية فى العالم .
