هاني لبيب
نتفق جميعًا على أن فوز جوزيف بايدن، «ممثل الحزب الديمقراطى»، بانتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة سيسفر عن متغيرات فى سياسة البيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط بوجه عام، ومصر بوجه خاص، سواء على صعيد الأوضاع الداخلية تحديدًا، ولاسيما فى ملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو على صعيد حلول القضايا الشرق أوسطية، وأهمها القضية الفلسطينية. التجربة السيئة للإدارة الأمريكية إبان حكم الديمقراطيين ضد مصر تجلت بوضوح فى توجهات تلك الإدارة فى دعم سياسة الإسلام السياسى ونظرية الربيع العربى والشرق الأوسط الجديد ونظرية برنارد لويس فى تحقيق مصالح واشنطن وتل أبيب فى منطقة الشرق الأوسط. من المهم هنا الإشارة إلى اجتماع لجنة الأمن القومى بالكونجرس الأمريكى فى شهر مارس 2019.
فهذه اللجنة ذات الأغلبية الديمقراطية أثارت موضوعات ترتبط بالسياسة الداخلية المصرية، وربطت ذلك بحجم المعونات الأمريكية التى تقدمها لمصر. أعتقد أنه يجب أن نتعامل مع الأجندة السياسية، التى من المتوقع أن تفرضها سياسة واشنطن خلال السنوات الأربع المقبلة بشكل استباقى منظم، وستعتمد فى تقديرى على أچندة القضايا التالية: ملف حقوق الإنسان (الحريات الدينية والسياسية والاجتماعية- الإعلام)، وملف المؤسسة العسكرية المصرية، وملف القضية الفلسطينية.
المتتبع للمشهد السياسى المصرى يستطيع أن يرصد بالفعل مجموعة الإجراءات والخطوات التى اتخذها النظام المصرى منذ ثورة 30 يونيو فى طريق الإصلاح على كافة المستويات. واستكمالًا لكل الخطوات غير المسبوقة التى تمت، أقترح بعض الإجراءات:
أولًا: إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمؤسسات الدينية الرسمية «الكنيسة والأزهر»، على أن يتم تحرير دورها فى مواجهة أى تحركات للجماعات الدينية الإسلامية والمنظمات المسيحية.. حتى تكون الدولة خارج أى سجال أو يمكن اتهامها بفرض سياسة بعينها ضد هذه التحركات، وعلى أن يُدار الملف بشكل غير مباشر عبر رئاسة الكنيسة والمشيخة.. بما يضمن تحقيق سياسة معتدلة تحفظ شكل المؤسستين أمام الداخل والخارج. ولاسيما أنه من المتوقع أن تعتمد الإدارة الأمريكية الجديدة بشكل كبير على دور المنظمات والجماعات الدينية، بعد أن ثبت فشل جماعة الإخوان فى إدارة الملف الدينى والسياسى فى مصر، ووصول الأمريكان إلى قناعة بعدم إمكانية الاعتماد عليهم أو توظيفهم مرة أخرى.
ثانيًا: من المهم خلال المرحلة القادمة استكمال مسيرة إصلاح الإعلام المصرى بوجود منبر إعلامى قوى لمخاطبة العالم للتعريف بما تم فى مصر من إنجازات ومشروعات عملاقة من جهة، وما تم من إعادة بناء المجتمع بشكل قانونى من جهة أخرى من خلال دعم حقيقى لغير المقتدرين بالوصول المباشر إليهم.
ثالثًا: الانتباه للمحاولات المستمرة لترويج الشائعات عن الجيش المصرى، ومحاولة الاشتباك معه من خلال إطلاق معلومات تثير الالتباس، أو بمحاولة تصويره بعكس كافة الأدوار الإيجابية التى قام بها.. خاصة بعبور مصر من أحداث 25 يناير 2011 بثبات دون الوصول إلى متاهة تفتيت الدولة، فضلًا عن التهوين والتقليل من تحديث قدراته.
رابعًا: الانتباه بحذر لارتباط الديمقراطيين بفكرة الحلول غير التقليدية التى تبنوها قبل ذلك فى فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، والتى تستند بشكل كبير على فكرة دعم بناء سد النهضة كوسيلة فرض أمر واقع على مصر، وضمان استفحال قضية المياه مقابل الحلول الافتراضية التى وضعوها فى حينه، وتتمثل فى تبادل الأراضى بمساحة 720 كم مربع بين مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية «حسب نظرية برنارد لويس». بالإضافة إلى إنشاء محطة معالجة مياه بشمال سيناء.. تضمن توفير 550 مليون متر مكعب لصالح مصر لتعوض بها النقص فى مياه سد النهضة واستغلال المتبقى لبيع المياه لإسرائيل والمناطق الفلسطينية.
نقطة ومن أول السطر..
استطاعت مصر استعادة دورها الريادى بشكل تدريجى منظم فى المنطقة.. بما يضمن تحقيق توازن فى المصالح وتحجيم أى أدوار يمكن أن تلعبها أى دولة أخرى ممن تسعى لأن تكون لاعبًا أساسيًا فى المنطقة سواء كانت قطر أو تركيا أو إيران.
نقلا عن المصرى اليوم