خالد منتصر
من أجمل الحوارات الدرامية فى مسلسلات رمضان لهذا العام الحوار الرباعى الذى تم بين الأصدقاء أبطال مسلسل «القاهرة كابول»، الحوار انتهى بمقتل خالد الفنان مخرج السينما الذى أخرج فيلماً تسجيلياً عن الإسلام السياسى، الثلاثة الآخرون هم رمزى أمير الإرهاب والخليفة المنتظر، وطارق كساب الإعلامى الثرى الذى لا تهمه قضية بقدر ما تهمه الفرقعة والفلوس على جثة أى شىء وبلا ضمير، والثالث هو عادل ضابط أمن الدولة.
عبقرية الحوار ومصدر متعته هى أنه بين أصدقاء عمر مختلفى المشارب، مما يسمح برفع مستوى حدّة الحوار إلى مستويات يسمح بها العشم القديم وبلا خجل، لذلك دخل الحوار إلى مناطق ملغومة، واستمر بدون أن تستغرب أو تستنكر كمشاهد، كان مشهداً مسرحياً ظل مدة طويلة على الشاشة، لكن الملل لم يتسرب إلى المشاهد أبداً فى أى لقطة أو لحظة من الحوار، ارتفع إيقاع الحوار حتى وصل إلى الكليماكس، ذروة المشهد، بقتل المخرج السينمائى بتحريض من صديق العمر الذى كان يقصد قتل الضابط، لكنه فى وسط الحوار أدان المخرج وقال له إن حكمه فى الدين هو القتل أيضاً، قتل رمزى الصديق وحكم بالردة على الآخر، وكله بالحلال، وهو متأكد أنه يدافع عن الله وعن الدين وعن الشرع، قمة القسوة والحماقة والخلل العقلى.
بداية لقاء الأربعة كانت حلماً تحت البطانية وهم أطفال: من حلم بالمال، ومن حلم بالعدل، ومن حلم بالخيال، ومن حلم بالخلافة، كل فى اتجاه، وكل سعى لتحقيق حلمه، التقط أحد الجيران المتشددين الطفل رمزى وصار يؤجج فيه نار الكراهية حتى لأبيه وأمه، وهذا بالفعل ما نراه فى معظم المتطرفين الإرهابيين، البداية دائماً درس دينى، أو ما يطلق عليه كذباً كذلك، وهو فى الحقيقة درس كراهية وحقد وغل وسواد، ليبدأ طريق التكفير والعزلة والجهامة والقسوة والجلافة وغلظة الحس.
واللفتة الذكية أن السيناريست عبدالرحيم كمال اختار نموذجاً كثيراً ما قابلته فى رحلة حياتى، خاصة فى مرحلة الجامعة، الشاعر مرهف الإحساس الذى يتحول فجأة، أو ما نتخيله ونحسبه نحن فجأة، إلى قاتل، يهجر بيت الشعر ليسكن كهف التكفير، رمزى كان شاعراً، حاول الأصدقاء أن يذكّروه بأبياته التى كتبها فى حب جارتهم منال، لكنه خاصم الشعر والفن، لأن قلب الإرهابى وعقله لا يستوعبان خيال الفن وجماله، لأن الفن سيجعله يتساءل ويحس، والقاتل عدو السؤال وعدو الإحساس، رمزى اعتبر أصدقاء العمر أعداء الإسلام، واعتبر عادل من الطاغوت، وحسب خالد على كارهى الدين بالرغم من أنه يحاول إنقاذ هذا الدين من سموم الخرافات وأفكار العنف والإقصاء، كل هذا الشعور العدوانى، وياللعجب، من أرضية دينية.
بالطبع لا أريد إغفال دور المخرج الذى قاد هذا الحوار فى هذا الديكور الضيّق ببراعة، وأشيد بأربعة ممثلين أدوا مباراة تمثيل ممتعة ومشبعة على أعلى مستوى، طارق لطفى وفتحى عبدالوهاب وخالد الصاوى وأحمد رزق، وبمناسبة أحمد رزق أقول للمنتجين والمخرجين: لا تستسهلوا قولبة الفنانين، فجّروا طاقاتهم الكامنة، فليس معنى أن أحمد رزق نجح فى دور كوميديا أن أحصره وأحاصره فى تلك النوعية، أعتقد أن هذا الحوار الرباعى سيظل بصمة لا تُنسى فى الدراما الرمضانية.
نقلا عن الوطن