القراصنة قلوبهم ميتة ويتعاملون مع المختطفين وكأنهم يصطادون الأسماك
في الثامنة والنصف من صباح الأول من فبراير (شباط) الماضي، كان محمد عبد الحميد «نادل» بالسفينة المصرية «بلوستار» انتهى من إعداد وجبة الإفطار. لكن وجبة الإفطار الشهية التي أعدها محمد لطاقم السفينة الثمانية والعشرين ومع استشعار القبطان لأجواء كارثة مقبلة تحولت إلى ما يشبه «الإفطار الأخير» على غرار لوحة «العشاء الأخير» الشهيرة للفنان العالمي ليوناردو دافنشي. ويقول محمد عبد الحميد: «كنا قد تجاوزنا (مضيق) باب المندب، عندما أمرني البحار محمد عبد الكريم بلهجة تحمل قلقا بالغا أن أوقظ الضباط على السفينة لأنه يرى من بعيد مركبا صوماليا قادما، وعندما خرجت لم أر إلا نقطة بعيدة موازية للسفينة، وأدركنا أنهم قراصنة، فأمسك كل واحد منا ببلطة في يده، حيث أن الأسلحة ممنوعة على السفينة، بعدها أمر القبطان محمود سويدان بشد بشبور المياه، وهي أداة مثل خراطيم الحريق، حتى يزداد ضغط المياه حول السفينة، ولا يستطيع القراصنة الاقتراب، وبالفعل توارى قارب القراصنة عن الأنظار، فاعتقد القبطان أنه كان مجرد مركب يمر، وأمر كل واحد منا بالعودة إلى عمله، وبعد حوالي عشر دقائق تقريبا، سمعت وأنا في المطبخ أصوات أجراس متتالية من قبطان السفينة، ومعها أصوات طلقات نار مدوية، وعندما خرجت رأيت مركبا صغيرا مكتوبا عليه «فلوكة حضرموت زهر اليمن 2004»، وكان يقف أمام سفينتنا، وعليه 7 من القراصنة الصوماليين الذين طالما سمعنا عنهم، وهم يمسكون بأسلحة آلية، وضربوا طلقات على البريدج (كابينة القيادة) بالسفينة».
وأضاف عبد الحميد: «القبطان كان يحاول في تلك اللحظة الهرب بالسفينة من خطر نيران أسلحة القراصنة، ولكنهم كانوا أكثر سرعة، حيث زوّدوا قاربهم بـ2 موتور يستطيع الواحد فقط أن يسير بسرعة 20 قدما في المياه، في حين لا تستطيع سفينتنا أن تتجاوز سرعتها 7 أقدام، وعندما فشل القبطان في مناورتهم أمروه بإيقاف السفينة وكان معهم سلما صعدوا به إلينا، واحتلوا السفينة».
ويصف نادل السفينة العائد مشهد الخاطفين قائلا: «أكثر ما لفت انتباهي هو أن القراصنة عصابة منظمة جدا، ومحترفة، حتى إنه بحوزتهم جهاز تحديد مواقع عبر الأقمار الاصطناعية، ليعرفوا إذا ما كان قبطان سفينتنا يخدعهم أم لا، حين أمروه بالتوجه إلى السواحل الصومالية.. أيضا أكثر ما جعلني أتعجب هو أنهم كانوا يتعاملون مع عمليات الاختطاف بقلوب ميتة، وكأنهم يصطادون أسماكا، وليس هناك أي اهتمام لديهم بالأخطار التي يمكن أن يواجهوها في عرض البحر». وقال عبد الحميد: «أثناء توجه سفينتنا صاغرة إلى السواحل الصومالية بتوجيه من القراصنة، ربطوا مركبهم بسفينتنا من الخلف، وقال لنا كبير مجموعة القراصنة وعرفنا أنه يدعى عباس سليمان القبطان، إنه يريد منا أن نوصله هو ومركبه إلى الصومال، وأمرنا برفع قاربهم على السفينة، وعندما رفض القبطان وجه القرصان عباس السلاح إلى رأسه، وبدأنا نشعر بالخطر المميت وبالرعب. تحت هذا التهديد قمت أنا وأحد البحارة وبعض أفراد الطاقم برفع قاربهم إلى سطح السفينة، وقمنا بحمل أكثر من 23 جركن بنزين يستخدمونها في تموين قاربهم، ثم وجهونا إلى مكان يطلقون عليه (أي) في الصومال، وهي منطقة جبلية، حيث قال لهم عباس عندما وصلوا إلى هناك: ها قد وصلتم إلى (أي) عاصمة القراصنة في العالم». بدأ عبد الحميد وزملاؤه يستشعرون مرارة التجربة حين استقروا في المياه على مقربة من الشواطئ الصومالية، لافتا إلى أن القراصنة تناولوا الطعام معهم لمدة ثلاثة أيام، ثم لم تعجبهم طريقة الطهي المصرية، فولوا أحدهم عملية الطهي من المؤن التي كانت معنا، مضيفا أن الطباخ الصومالي كان يعامله أسوأ معاملة، و«.. في مرة من المرات قام بضربي على ظهري وأنا جالس على غفلة، فسألته: لماذا تفعل ذلك وأنا لم أمسك بسوء، فقال وفقال لي: أنا حر». وذكر عبد الحميد مشادات كثيرة وخلافات على الطعام والمياه.. «فقد نفد الطعام في منتصف شهر فبراير (شباط).. كان من المفترض أن تصل سفينتنا موزمبيق في أوائل فبراير، على أن يعاد تموينها من هناك، ولكن بعد نفاد الطعام، بدأ كل منا، نحن والقراصنة نعيش على صيد السمك.. كل كان يصطاد لنفسه لكي يأكل.. حتى القبطان. ومع نفاد الدقيق بدأ القراصنة في فرض نصف رغيف يوميا لكل واحد». وأوضح عبد الحميد أنه مع ذلك كان هناك قرصان صومالي يدعي «القبطان يوسف» انضم إلى خاطفينا حين اقتربنا من الشواطئ الصومالية.. وقال: «كان هذا القبطان (يوسف) يلعب دور التهدئة بين المصريين والقراصنة، لدرجة أن بعضنا اعتقد أن الحكومة المصرية هي التي أرسلته». أما سعيد البدراوي أحد بحارة السفينة العائدين فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا رجل أبلغ من العمر 63 عاما، ولذلك كان لدي حكمة وخبرة في التعامل مع القراصنة بسياسة وحذر»، وأضاف أنه هو من أمر برفع قارب القراصنة على السفينة، رغم رفض القبطان المصري لهذا، وأوضح أنه يعرف أن أي مخالفة للقراصنة أو مقاومة لهم تعني سقوط ضحايا.
وتابع قائلا إن أصعب أيامه على تلك السفينة كانت حين استخدم القراصنة السفينة المصرية في اختطاف سفينة أخرى، إلا أن السفينة المستهدفة تمكنت من الفرار. ويروي محمود سويدان قبطان السفينة أنه خرج بها في ديسمبر (كانون الأول) الماضي من ميناء السويس المصري، متجهة إلى موزمبيق، وأنه بعد وصوله للمياه الإقليمية اليمنية فوجئ بأحد الزوارق به سبعة مسلحين يقترب من السفينة، ويطلب منهم التوقف، ثم أطلق الزورق أعيرة نارية في الهواء لإرهابهم ولمنعهم من اللجوء إلى السلطات اليمنية، وأنه اضطر إلى التوقف بعد أن اخترقت عدة أعيرة نارية كابينة القيادة، وفور توقفهم صعد المسلحون إلى سطح السفينة وقاموا بتجميعنا وسط تهديد السلاح وطلبوا منا الإبحار للمياه الصومالية.
وروى القبطان أنه بعد سيطرة القراصنة على السفينة اضطررنا لتنفيذ مطالبهم. وأن قراصنة آخرين كانوا أكثر عنفا صعدوا بعد ذلك إلى السفينة، و..«هددونا بالقتل إذا قمنا بمقاومتهم، وأطلقوا النار فوق رؤوسنا ما أصابنا برعب شديد».
وقال إنه «بعد أيام عدة من اختطافنا عرضوا مطالبهم وهي فدية قدرها 6 ملايين دولار.. وسمحوا لي بالاتصال بمالك السفينة لعرض مطالبهم وذلك وسط تهديدات بالقتل في حالة التأخير في إرسال الفدية».
ووصف قبطان السفينة أيام الاختطاف بأنها «أيام من الذل والإرهاب والعذاب، لا يمكن أن تنسى أبدا». يذكر أن طاقم سفينة الشحن المصرية (بلوستار) الـ 28، وبعد أكثر من شهرين من اختطافهم على أيدي قراصنة صوماليين، عادوا إلى القاهرة أول من أمس قادمين من نيروبي، بينما تبقى ثلاثة منهم بميناء ممباسا الكيني لتسليم السفينة إلى بحارة جدد، وذلك بعد نجاح الخارجية والمخابرات المصرية في إطلاق سراحهم. |