الأنبا إرميا
كل عام وجميع إخوتنا المسلمين فى «مِصر» والعالم العربىّ وسائر المعمورة بخير وسلام؛ بمناسبة حلول شهر «رمضان»، الذى يوافق جزء كبير منه «الصوم الكبير» للمَسيحيين؛ وبذٰلك يشترك المِصريون جميعًا فى تقديم الأصوام والصلوات لله، متضرعين أن يمنح بلادنا كل بركة وسلام، ويحفظها من كل شر ويرفع عن العالم الجائحة.
كان الحديث عن القديس «البابا كِيرِلُّس السادس»، الذى عاش أبًا للجميع، يجلس بين شعبه وأبنائه ساعات طوالاً، مباركًا إياهم ومصليًا من أجلهم، فى محبة شمَِلت حتى من أساءوا إليه. لقد أحبه الجميع، وصارت له شعبية كبيرة جدًّا، حتى إن آلافًا من الطلبة كانت تأتى إليه فى أيام الامتحانات تلتمس بركته وصلواته، وامتلأت البطريركية بقاصديه الطالبين الصلوات والبركات وحلولاً للمشكلات. وقد تجلت محبة الجميع لقداسته بعد نياحته، فقد تعطلت الشوارع المحيطة بالبطريركية؛ من كثرة الوافدين المسرعين إليها لتوديعه وإلقاء النظرة الأخيرة عليه. ويوصف المشهد: «عشرات من الألوف سدت كل الطرق، حتى إن رجال الشرطة بذلوا مجهودًا كبيرًا من السادسة صباحًا حتى الحادية عشرة مساءً، والوفود لا تنقطع!!، الكل يريد أن يأخذ بركة البابا الراحل. وكان يوم الصلاة على جثمانه الطاهر يومًا عجيبًا فى ازدحام الناس»؛ إنها المحبة الكبيرة التى جمعت بين البابا وشعبه من المَسيحيين والمسلمين على حد سواء.
وكما قدمت السماء شَهادتها حين شرفت عهده بتجليات سماوية للقديسة «السيدة العذراء»، على قِباب كنيستها بالزيتون عام ١٩٦٨م، حظِيَت «مِصر» فى عهد «البابا كِيرِلُّس السادس» باستعادة جسد كاروزها «مار مَرقس الرسول»، الذى بشرها بـ«المَسيحية» فى عصر امتلأ بعبادات وثنية. فيذكر الراهب القمص «رافائيل آڤا مينا»، تلميذ «البابا كيرلس السادس»، أن مفاوضات استعادة جسد «مار مَرقس» بدأت فى إحدى مقابلات البابا مع القاصد الرسولىّ بـ«القاهرة»؛ ليخاطبه البابا: «ألم يحِن الوقت لكى تعطونا جسد (القديس مَرقس عن الرسول)؟» فأجاب بأدب جم: «نحن لا نستطيع أن نؤخر طلبًا لقداسة البابا». فقال البابا:
«شكرًا. إنى سأرسل فى طلبه إلى قداسة بابا روما، وإنى واثق أن مساعينا ستكلل بالنجاح». وهٰكذا أرسل «البابا كِيرِلُّس السادس» إلى «البابا بولُس»، بابا روما، يطلب إعادة جسد «مار مَرقس» إلى «مِصر»؛ فأرسل بابا روما إلى بطريرك البندقية لٰكنه رفض التفريط فى الجسد المقدس!،
وتكرر الطلب عدة مرات حتى وافق على إعادة جزء من الجسد. وفى ١٩٦٨/٦/٢٢م، تسلم الوفد القبطىّ الجسد، ليصل إلى مطار «القاهرة» مساء ٦/٢٤.
وفى استقباله «البابا كيرلس السادس» على رأس حشد من آباء أساقفة وقساوسة وشماسة الكنيسة القبطية، وعدد كبير من وفود أجنبية وهيئات دينية، وما يربو على مائة ألف مصرى!!.
وقد ذكر كثيرون رؤيتهم حمامة بيضاء تحلق فوق الطائرة التى تحمل الجسد!!، وكان ذٰلك فى الحادية عشرة والنصف مساءً. وهٰكذا استعادت كنيسة الإسكندرية جسد أبيها الروحىّ مؤسسها أول بطاركتها: القديس «مار مرقس الرسول»؛ الذى عاد بعد غياب عشَرة قرون!!، وقد شُيد له مذبح مقدس بـ«الكاتدرائية المَرقسية الكبرى».
وكانت عَلاقة «البابا كيرلس السادس» بالقديسين عميقة، وخاصةً بالشهيد المِصرىّ العظيم «مار مينا العجائبىّ». فيذكر لنا مثلث الرحمات «البابا شنوده الثالث» عن «البابا كيرلس»: «يحب «القديس مينا» محبة ملأت عليه عواطفه... كان يجد لذة فى ذكر اسم «مار مينا». وكان بينه وبين «مار مينا» عَلاقة شخصية، تشعر أنه يتكلم عن شخص له به عَلاقة قوية ومحبة. فكثير من الكنائس صارت فيها مذابح على اسم «مار مينا». وكنائس بُنيت على اسم «مار مينا»، كان يتخذه شفيعًا له؛ ولذٰلك كان يودّ فى حياته أن يعيش فى هٰذا الدير طول عمره. لقد قرأت خطابات منه عندما كان «القمص مينا المتوحد»، يطلب إعداد هٰذا الدير ليعيش فيه بقية أيام حياته. و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم