سحر الجعارة
لن أنسى ما حييت الحوار الذى دار بينى وبين الدكتور «هشام عرفات»، وزير النقل والمواصلات السابق، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية قبل عامين.. بعد استعراض طويل لإنجازات الحكومة فى مجال النقل والأنفاق والكبارى، قلت لسيادته بألم: (إن كل ما تم من إنجازات فى مجال النقل والمواصلات تطيح به روح واحدة تسقط تحت عجلات قطار، أو حادثة مفجعة تهز مصر، لأن منظومة «السكك الحديدية» لاتزال تعمل «يدويًا» وتعتمد على العنصر البشرى.. والإنسان أضعف من المسؤولية، لأنه يترك موقعه ليصلى أو لأى سبب آخر!). ساعتها قال الوزير فى أسى: (كم تمنيت لو خرجت فى التعديل الوزارى، بعدما حملت جثث الضحايا بين يدى، حتى لا أخرج من الوزارة فى كارثة تهدم ما حققته من جهد).. وبعدها بعام تقدم الدكتور «عرفات» باستقالته، واعترف بكل نبل بمسؤوليته السياسية، تخيل أن الوزير بكل ما قدمه من خدمة للوطن يدفع ثمن مزاج مجرم سيكوباتى، مصاب بالتبلد، فجَّر محطة رمسيس بإهمال وخسة وقتل الأبرياء وأصاب آخرين وهرب.. بعد أن ترك الجرار يقتحم رصيف المحطة مسرعًا دون سائق.. ولم ينظر خلفه حتى ليرى النيران التى أشعلها فى أرواح المصريين وأرواحنا!. هكذا هى علاقتنا بالسكة الحديد، سلسلة من التراخى والإهمال والفساد الممنهج، وقتل للأبرياء وفرض الحداد على الوطن بجرائم مروعة دون أن يشعر «المجرم» بالذنب لأن «الوزير يدفع الثمن»!.
إنها علاقة «مواطن ومدمن ووزير»: فى بيان النيابة العامة، حول نتائج التحقيقات التى توصلت إليها فى حادث تصادم قطارى سوهاج، قدمت السيناريو الحقيقى للحادث من خلال المعاينة وسماع الشهود وتحقيق الأدلة.. الذى أكد تعاطى كل من مراقب برج محطة «المراغة» جوهر الحشيش المخدر، وتعاطى مساعد سائق القطار المميز ذات الجوهر وعقار «الترامادول». ما الذى تنتظره من مجموعة «مساطيل» يقودون رحلة الموت؟.. سائق القطار الإسبانى ومساعده لم يكن أحدهما بالكابينة الأمامية للجرار إبان التصادم!.. كما أثبتت تسجيلات آلات المراقبة بمحطة «سوهاج» الكائنة قبل محل الحادث يوم وقوعه، عن جلوس مساعد سائق «القطار الإسباني» بمقعد القيادة.. منتهى الاستهتار بالأرواح والاستهانة بالمال العام (وفاة 20 شخصًا، وإصابة 199، ونتج عنه تلفيات بالقطارين بلغت قيمتها 25 مليونًا و890 ألفًا و583 جنيهًا).. فإن لم يُحاسب هؤلاء بتهمة «القتل العمد» نكون قد فرطنا فى أرواح الضحايا وأهدرنا الدستور والقانون. قل لى من هو الوزير النابغة الذى يتحمل العمل مع آلاف العاملين فى القطاع، بينهم الفاسد، والمهمل، ومدمن المخدرات، والخلايا الإرهابية النائمة.. ويعمل رغم عدم توافر ميزانية كافية لتحقيق المهام التى كُلف بها.. ومعه أيضًا وكلاء الوزارة ورؤساء الهيئات يعملون تحت رئاسته، وهم أنفسهم يحتاجون لإعادة تأهيل وتدريب، ويفتقدون الخبرة التى تقفز بنا نحو المستقبل.. إذن سيادة اللواء «كامل الوزير»، وزير النقل والمواصلات: عليك وحدك أن تسابق الزمن لرفع كفاءة البنية الأساسية لشبكة السكك الحديدية، التى من أهمها مشروعات تجديد خطوط السكك الحديدية بما يحافظ على سلامة مسير القطارات.. وأن تسيطر على الأهالى الذين يفتحون بأنفسهم معابر على مسارات القطارات.. والطرق المفخخة بالمطبات والحواجز الأهلية!.
اشتغل يا وزير وافتح طرقاً جديدة تربط القاهرة بأطراف سيناء والصعيد.. ولا تهتم بأن لديك مجموعة من السائقين والمحولجية وعمال الأبراج والفنيين فى الورش بدون تطوير وبدون تدريب وبدون مرتبات حقيقية تكفل لهم الإخلاص فى العمل، ولم يتلق واحد منهم تدريبًا على مستوى احترافى للتعامل مع الظروف الطارئة وكيفية تجنب الكوارث!. «كامل الوزير» انتقد إغلاق إحدى الورش بمنطقة ورش السكة الحديد فى محافظة المنيا خلال وقت صلاة الظهر. وقف يفتش عن العامل «قفل الورشة وراح يصلى»!!.. يشرح الجدوى الاقتصادية لركن «لودر».. ثم بدأ العمال يساومونه لتكن الساعة المستقطعة من وقت العمل للصلاة والغداء مدفوعة الأجر لكنه رفض.
الآن، الناس التى تتندر على «القطار الكهربائى» عليها أن تخرس تمامًا بعدما دمر «العنصر البشرى» عامل الأمان والثقة فى منظومة السكك الحديدية!. فقبل أن تضيع الثروة التى أنفقتها الدولة لتحديث هيئة السكك الحديدية.. نحن نحتاج «مواطن فايق».
s.gaara@almasryalyoum.com
نقلا عن المصرى اليوم