بداية العلم حلم، وأحلام العلماء الآن تخطت كل الأسقف والخيالات، والمدهش أن هناك تصميماً عليها، وأن خطواتها الأولى تتحقق، هناك علماء يفكرون بمنتهى الجدية لتحقيق حلم السفر إلى النجوم وإقامة مدن على كواكب أخرى، هناك معامل تبحث بكل دأب لتحقيق حلم الخلود وإطالة عمر الإنسان والاحتفاظ بالشباب إلى الحد الذى يسمح له بالسفر عبر تلك المسافات التى تُحسب بالسنين الضوئية، تلك الأحلام ضمّتها صفحات كتاب من أهم الكتب التى صدرت هذا العام، وهو «مستقبل البشرية» عن دار المحروسة، تأليف ميشيو كاكو، وترجمة حمدى أبوكيلة، الكتاب مكتوب بلغة شيقة ورشيقة وخالية من التعقيد، والترجمة دقيقة وحافظت على الدقة والروح والسلاسة، ستقرأ الكتاب حتماً وأنت تلهث وعقلك لا يكف عن السؤال، هل ما أقرأه حقيقى وينتمى إلى عالمنا، أم هو من أفلام الخيال العلمى؟
كل فصل يبدأه الكاتب بحكاية أو مشهد من فيلم، وكأنه يقول إن الخيال الذى نراه على الشاشات هو شرارة الحلم وبداية الرؤية، سيُحدّثك الكتاب عن حلم الصاروخ متعدّد المراحل الذى يسافر عبر الفضاء، وكيف تغلّب العلماء على مشكلات الوقود والجاذبية واختراق الغلاف الجوى.. إلخ حتى تحقق حلم أبوللو وسبوتينيك، يأتى السؤال الخالد الذى يدور فى أذهاننا نحن الذين نتفرّج ولا نشارك، لماذا كل تلك التكلفة الباهظة، وكيف ستتوفر بعدما اعترض رجال السياسة مثل أوباما وخفّضوا ميزانية ناسا وشطبوا على برامج طموحة للسفر إلى الكواكب الأخرى؟
جاء الحل من مليارديرات يعشقون العلم، أنقذ وادى السيليكون الحلم، اختلط الحلم بالبيزنس، والبحث عن المعادن النادرة والهجرة من كوكب الأرض الذى صار طارداً وتتضاءل فرص العيش فيه بالتدريج، اقتحم بيزوس صاحب أمازون والواشنطن بوست، وإيلون ماسك صاحب تسلا، وهما متهمان بالجنون والحماقة، لكن هذا الجنون جعل واحداً يرتب للسفر إلى القمر والثانى إلى المريخ، لكن هل الحلم توقف عند كوكب المريخ؟، لا، إن النجوم صارت هدفاً قريباً، ومن أجل تحقيق هذا الهدف، توسّعت دراسات الذكاء الاصطناعى والنانو، وصارت الروبوتات تتّخذ قرارات وتتحدّث لغات، وتستطيع احتمال السفر إلى تلك المسافات واختراق الأجواء التى لا يتحملها جسم الإنسان، يفكرون فى روبوتات ذاتية التناسخ!، يبحثون عن الخلود بواسطة التجميد والإيقاف المؤقت لوظائف الجسم، والتحكم فى الإنزيم الذى يقصر الأعمار، ونشأ علم البيوجيرونتولوجى، وهو العلم الذى يبحث فى سر الشيخوخة، يضعون الخطط لإرسال الوعى وليس الإنسان بعد تحميله على كمبيوتر إلى النجوم، يحسنون وظائف العضلات والحواس لكى تتناسب مع تلك المهام الرهيبة التى يستعد لها عالم يؤمن بأن المستحيل كلمة مشطوبة من القاموس، مع ثورة كريسبر والقص واللصق الجينى سيصير الطبيب ترزياً يصلح العيوب الوراثية على الباترون الإنسانى بكل سهولة.
التفكير فى الحياة خارج كوكب الأرض الذى لا يمكن أن يحتمل كل هذا الاكتظاظ السكانى والتدمير البيئى، مع توقعات مبنية على دراسات باصطدامات مع مذنبات وغيرها مصحوبة بتغيّرات مناخية تتعارض مع الوظائف الحيوية للإنسان، هذا التفكير صارت له مؤسسات تعمل عليه وتخطط له، وحالمون يتهمونهم الناس بأنهم مجانين يصنعون مغامرة التغيير، لن أسأل أين العقل العربى من كل تلك الأحلام؟، لكن إذا لم تكن لك إمكانية المشاركة فى الحلم، فشارك فى المعرفة بقراءة هذا الكتاب المدهش والصادم.
نقلا عن الوطن