بقلم : نادر نور الدين محمد
تصريح عجيب لأبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، لا يخاطب عقلًا ولا علمًا ولا منطقًا، يدَّعى فيه أن إثيوبيا ستخزن، هذا العام، 13.5 مليار م3 من مياه الأمطار، وأن هذا لا يمثل سوى 5% فقط من مياه أمطار النيل الأزرق!. ونقول لأبى أحمد: أولًا: إن الأمطار لا يُخزَّن منها أبدًا، وبهذه المليارات، كما أن السد الإثيوبى مُقام على النيل الأزرق، وليس على مناطق هطول الأمطار، وسيخزن خصمًا من مياه النيل الأزرق، وبنسبة 28%، من مياهه، ونرجو أن يبهرنا «أبى أحمد» بشرحه للعالم كيف سيخزن هذه المليارات من الأمطار، وبأى وسيلة لحصاد الأمطار؟!، علمًا بأن منطقة السد ليست منطقة لغزارة الأمطار، التى تسقط بعيدًا عنه، وعلى طول ألف كم.
ثانيًا: إن ادعاء أبى أحمد إدانة كاملة لإثيوبيا لأنه يدّعى أن 13.5 مليار م3 من المياه تمثل 5% فقط من أمطار حوض النيل الأزرق، وعلى ذلك يكون إجمالى أمطار النيل الأزرق 270 مليار م3، يذهب منها إلى النيل الأزرق 49 مليارًا، وتستفيد إثيوبيا وحدها بباقى حصة المطر، البالغة 221 مليار م3، ثم تدّعى أنها لا تستفيد شيئًا من موارد النيل!، وهنا نسأل عبقريته: لماذا لا يخزن الـ13.5 مليار، المزمع تخزينها هذا العام من الأمطار، التى تستفيد منها إثيوبيا وحدها بحجم 220 مليار م3، ويترك لمصر والسودان الباقى، الذى يذهب إلى النيل الأزرق، والذى لا يتجاوز 49 مليارًا فقط!!.
وردًا على تمسك إثيوبيا بالوساطة الإفريقية فقط دونًا عن غيرها، قال لى الكاتب الإثيوبى، المبرمج، فى مواجهة على فضائية دولية، إن السبب هو إيمان إثيوبيا بأن «الأقربون أولى بالمعروف»!. قلت إن ذلك يصلح عند إخراج الزكاة فقط وليس للعلاقات بين الدول، ومع ذلك فإثيوبيا توزع هذا المعروف بالعداء مع كل جيرانها، فهى التى خاضت حربًا لسنوات مع جارتها، إريتريا، المملكة القديمة، وملكها، الذى كان لا يُظلم عنده أحد، وهو الذى استضاف المهاجرين الأُوَل فى الإسلام وليس إثيوبيا، فهذه هى الجارة الأولى التى أصابها المعروف الإثيوبى بالأطماع والحرب.
معروف إثيوبيا وصل إلى دولة الصومال، الجارة، بالتدخل العسكرى عدة مرات بأوامر استعمارية، واحتلالها إقليم أوجادين الصومالى العربى من المستعمر الفرنسى لينال الصومال من المعروف الإثيوبى جانًبا.
ويصل المعروف الإثيوبى إلى جارتها الثالثة، كينيا، عبر إقامة ثلاثة سدود على نهر أومو المشترك وقطع المياه عن شمال كينيا وتملُّح بحيرة توركانا، التى يصب فيها النهر، وبما أدى إلى تضرر مائتى ألف كينى، بعد أن وعدت جارتها بأن حصتها من مياه النهر لن تنقص كوبًا واحدًا.
ثم تأتى السودان، الجارة الرابعة لإثيوبيا، والتى نالها المعروف الإثيوبى بالعدوان المتكرر على منطقة الفشقة، فى حماية الجيش الفيدرالى، لزراعة أراضيه بالقوة والاستيلاء على المحصول، مع رفض ترسيم الحدود والاعتراف بالحدود الدولية السودانية. ثم كان معروف العام الماضى بتعمُّد التخزين المبكر لمياه السد وتعطيل كل محطات مياه الشرب فى شرق السودان، والمسؤولة عن إمداد 20 مليون سودانى بمياه الشرب، وهو ما سيتكرر هذا العام بسبب الإصرار على عدم التنسيق والوصول إلى حلول مع السودان ومصر بشأن سياسات ملء وتشغيل السد الإثيوبى.
ثم يأتى دور مصر فى المعروف الإثيوبى بتعمُّد إلحاق الضرر بها والرغبة فى احتجاز حصة مؤثرة من مياه النيل الأزرق لا تحتاجها إثيوبيا، طبقًا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة عام 2012، نتيجة وفرة مياه الأنهار الأخرى فى إثيوبيا، التى تتمتع بتسعة أحواض للأنهار، وعشرات الروافد، بالإضافة إلى ألف مليار م3 من الأمطار، وثروة حيوانية تبلغ 100 مليون رأس، ومروج بمساحات هائلة، تنمو على الأمطار الوفيرة وبحيرة تانا، التى ينبع منها النيل الأزرق، وتستحوذ إثيوبيا على كل مياهها بحجم 40 مليار م3، ثم خزان تاكيزى بسعة 10 مليارات، ثم 50 مليارًا من مياه الأنهار الستة الأخرى، بخلاف أنهار النيل الثلاثة، ومع ذلك تنظر إلى القليل من المياه، الذى يذهب إلى الدولة الصحراوية مصر، التى تعيش على أقل من 7% من مساحة أراضيها نتيجة الجفاف والقحط، والتى تعانى فقرًا مائيًا شديدًا يصل إلى 42 مليار م3 سنويًا، وتعيد استخدام كل مياه المخلفات، وتُبطِّن الترع بالأسمنت، بنفقات باهظة، لتحافظ على كل قطرة مياه، بل تدخل مجال تحلية مياه البحر، التى يطبقها الأغنياء فقط من الدول الصناعية والبترولية، ولكن مصر تدخلها بنفقات تدبرها بالاقتراض بسبب العجز المائى الكبير، الذى تتعمّد إثيوبيا تعميقه، بعد أن ينال مصر المعروف الإثيوبى!!.
ثم أخيرًا استطرد الضيف الإثيوبى، الحافظ والمبرمج، قائلًا: «طيب نقول الإصرار على الوساطة الإفريقية لأن أهل مكة أدْرَى بشعابها!»، وهو ما أضحكنى كثيرًا لأن الضيف لا يملك أى معلومات حتى عن الدول المجاورة لإثيوبيا ولا مساحتها ولا أنهارها ولا نصيب الفرد من المياه بها ولا أهم السدود فى القارة، بل ولا عدد دول القارة الإفريقية، التى يقول إنهم أدْرَى بشعابها برمجيًا وتلقينًا فقط وليس على أرض الواقع.
كُتب علينا التصدى للمهاترات والدبلوماسية غير الصادقة التى تمارسها إثيوبيا مع جيرانها دون أن تدرى حجم العلم والعلماء فى مصر ومدى انتشارهم على مستوى العالم، بل لا تدرى عن الصندوق المصرى للمساعدات الإفريقية، الذى لا تمتلك إثيوبيا مثيلًا له، بل تمتلك فقط محاولات الخبثاء للوقيعة بجهالة بين مصر وعمقها الإفريقى.
* أستاذ الأراضى والمياه بجامعة القاهرة